هناك العديد مِن القصص عن خيانة الأصدقاء لبعضهم بسبب الطمع أو الغيرة ولكن المنافسة الموجودة بين صديقتَين حول رجل ما تفوق أحياناً بعنفها وكرهها كل المنافسات الأخرى. ولحسن الحظ تنتهي غالباً الأمور بفوز إحدهنّ بقلب ذلك الرجل إلاّ في حالتي لأنّ الأمور أخذَت مجرىً خطيراً ومميتاً.
كنتُ أعرف غنوة منذ أكثر مِن عشر سنوات عندما أتَت لِتسكن مبنانا ولأنّنا كنّا مِن نفس العمر ولِدَت بيننا مودّة تحوّلَت لاحقاً إلى صداقة. فبدأنا نفعل كل شيء سويّأً مِن أبسط الأمور إلى أكثرها تعقيداً ولم أعد أتصوّر حياتي مِن دونها لأنّها باتَت جزءً لا يتجزّأ مِن نهاري وليلي. وأتذكرّ جيّداً ما كانت تقوله أمّي لي: "حذاري مِن الصداقات المقرّبة فقد تنتج خلافات... إبقِ مسافة ولو صغيرة بينكِ وبين غنوة ولا تخبريها أسراركِ كلّها". ولكنّني وكمعظم الأولاد لم أسمع مِن والدتي لأنّني إعتبرتُها تبالغ في الأمر ولكن كعادتها كانت على حق.
ومرَّت السنين دون أن يحدث أي شيء يُذكر بل كبَرت صداقتنا أكثر فأكثر ونسيتُ تنبيهات أمّي. ولكن كل شيء تغيّرَ لحظة ما أخبرتُ صديقتي عن سامر الشاب الذي تعرّفتُ إليه والذي إستحوذَ إنتباهي وإهتمامي كلّه حتى يوم إعترفَ لي أنّه أيضاً معجب بي وكثيراً. وأسرعتُ بإطلاع غنوة عن الأمر لتشاركني الفرحة ولكنّها إكتفَت بالقول:"أنا سعيدة مِن أجلكِ." ولم أنتبه آنذاك إلى ملامح وجهها التي تغيرَّت لأنّني كنتُ أعتبرها الشقيقة التي لطالما إفتقَدتُها.
وبدأتُ أخرج مع سامر بإنتظام ولكنّني حاولتُ دائماً عدم إهمال صديقتي حتى أنّني كنتُ أدعوها للخروج معنا في الكثير مِن الأحيان. ولكنّني إرتكبتُ خطأً جسيماً وهو أنّني أعطيتُها رقم حبيبي يوم تعطّل هاتفي طالبة منها أن تتّصل به لتخبره بالأمر. وإغتنمَت غنوة الفرصة لِبدء لعبة دنيئة وهي الإستيلاء على قلب سامر وحمله على تركي. لماذا تفعل ذلك؟ ربمّا لأنّها لم تحبّني يوماً بل كنتُ بالنسبة لها مصدر تسلية فقط ولأنّها ولسبب نفسيّ لا أعرفه أرادَت حرماني مِن السعادة بأيّ ثمن.
وهكذا وبحجة صداقة بريئة أصبحَت غنوة تخابِر حبيبي بصورة دائمة ومع الوقت وبفضل أسلوبها الماكر إستطاعَت إستمالته لها بعدما شوّهَت صورتي أمامه مبرزة حسناتها بالمقابل. والشيء الأساسيّ الذي أقنعَ سامر بالمضيّ بعلاقة معها هو أنّها سمحَت له بممارسة الجنس معها الأمر الذي لطالما رفضتُ فعله معه. ولكن رغم هذه العلاقة السريّة بقيَ سامر يحبّني وقرّرَ أن يطلب يدي للزواج ما أغضبَ غنوة التي إعتقَدت أنّها أخذَته كليّاً منّي. وبالطبع لم أكن أعلم بشيء وكيف أفعل؟ فالشخصَين الأقربَين منّي كانا متواطئَين معاً ما سهّل لهما اللقاءات إلى أبعد حال.
وتمّت الخطوبة وأهداني سامر عقداً جميلاً مِن اللؤلؤ الفاخر وأريتُه للجميع وقلبي مليء بالفخر والسعادة. ولأنّ غنوة كانت تريد كل ما أملكه طلبَت مِن سامر أن يأتي لها بنفس العقد ولكنّه لم يجد آخراً فإعتذر منها. وغضِبَت منه بقوّة وهدّدَته بأن تحرمه مِن الجنس معها ولم يبقَ أمامه سوى حلاً واحداً وهو أخذ العقد منّي لِيعطيه لها. ولكي يفعل ذلك دون أن أشكّ في أمره إنتظرَ حتى أن خرجنا سويّاً بعد أن طلبَ منّي أن ألبِسَ العقد. وحين كنّا في السيّارة عائدَين مِن سهرتنا إقتربَ منّي وكأنّه يريد تقبيلي وإنتشلَ منّي العقد صارخاً:
ـ يا لِحماقتي! لقد قطعتُ عقدكِ!
وتناثرَت حبّأت اللؤلؤ في كل أنحاء السيّارة ووعَدني سامر أن يلمّها جميعها ويأخذها عند بائع المجوهرات ويصنع لي آخراً. وبالطبع صدّقتُه لبل حاولتُ تهدأتُه لأنّه بقيَ يردّد:" كم أنا غبيّ!."
وركضَ إلى محل المجوهرات وفعل كما وعَدَ ولكنّه أعطاه لِغنوة التي أدركَت مدى تأثيرها عليه. وإنتظرتُ طويلاً أن يأتي لي بهديّة خطوبتي التي كنتُ سعيدة فيها ولكنّه بقيَ يؤجّل في الموضوع حتى أن نسيتُه. ولا أدري إلى متى كانت ستستمّر علاقة صديقتي بِخطيبي لو لم أرَ في ذاك يوم غنوة وهي ترتدي العقد وأعترف أنّني لحظة ما رأيتُه على عنقها لم أتصوّر أنّه هو نفسه بل إعتقدتُ أنّها إشتَرت آخراً يشبهه فهنّأتُها عليه وشكرَتني مبتسمة.
ولكن عندما تفحّصتُه وأنا أقول:"يشبه عقدي كثيراً! الآن أصبحنا تماماً كالتؤام!" لاحظتُ حبّة فيه كان لها شائبة وكنتُ دائماً أقول عنها "الدليل أنّ لاشيء كاملاً." عندها نظرتُ إلى صديقتي التي سألَتني وهي تبتسم: "أين عقدكِ؟" وفهمتُ ما جرى. عندها سكتُّ مطوّلاً وعيوني تمتلئ بالدموع وقلتُ لها:
ـ أهذا عقدي؟
ـ أجل...
ـ ولماذا ترتدينه؟
ـ لأنّ سامر أعطاني إيّاه.
ـ ولما يعطيكِ عقدي؟
ـ أظنّ أنّه إرتأى أنّه أجمل عليّ.
ـ حسناً... ولكن لماذا يعطيكِ إيّاه لكِ أنتِ؟
ـ لأنّه يحبّني أكثر... ربمّا لأنّني عرفتُ كيف أستحقّ حبّه...
ـ ماذا تقصدين؟
ـ أعني أنّه رجل ولدى الرجال حاجات... القبلات البريئة والمعانقات لا تكفي... هناك المزيد...
وكنتُ قد أجريتُ هذا الحديث معها وكأن شخصاً آخراً يتكلّم عنّي لكثرة إنفعالي. ولو سئلتُ يوماً ما قد أفعله إن أكتشفتُ أنّ صديقتي تقيم علاقة مع خطيبي لكنتُ قد جاوبتُ أنّني سأصرخ عليها حتماً وأشتمها وربمّا أصفعها. ولكنّ الواقع لا يشبه الخيال وها أنا أتكلّم معها بكل هدوء ربمّا لأنّني كنتُ بحاجة لأفهم ما يجري. والجدير بالذكر أنّ غنوة لم تبدِ أيّ ندَم على ما فعلَته ولم تحاول حتى الإعتذار أو التبرير وكأن رؤيتي وأنا أتألّم كانت تجلب لها نوعاً مِن الإرضاء.
ورحَلتُ بصمت لأذهب إلى بيتي أبكي قدر ما أشاء على قصّة حبّ وصداقة إنتهَت في لحظة. وبعدما هدأتُ أخذتُ هاتفي وبعثتُ رسالة طويلة لِسامر أقول له فيها أنّني علِمتُ كل شيء وأنّني أفسخ خطوبتي معه. وبعدما إنتهيتُ مِن ذلك أطفأتُ هاتفي وطلبتُ مِن أهلي ألاّ يدَعوا الذي كان خطيبي أن يكلّمني بأيّ شكل وشرحتُ لهم السبب. وحاولَ سامر بشتّى الطرق أن يراني ولكنّه لم يستطع فذهبَ إلى غنوة ليرى ما الذي جرى بالتحديد. وكان جوابها له:
ـ كان لا بدّ لها أن تعلم.
ـ ولكنّنا إتفقنا أن يبقى الموضوع سريّاً...
ـ لماذا؟ لِتتزوّجها؟
ـ أجل فهي خطيبتي!
ـ ومَن أكون أنا؟
ـ أنتِ... أنتِ عشيقتي... ولا يتزوّج الرجل مِن عشيقته.
ـ يعني هذا أنّني كنتُ مجرّد تسلية لكَ؟
ـ أجل... ولم أكذب عليكِ يوماً... الآن عليكِ مساعدتي لإسترجاع حبيبتي.
ـ هذا لن يحصل! بل سأفعل ما بوسعي لكي لا تراكَ مجدّداً! هل تظنّ فعلاً أنَكَ مهمّ بالنسبة لي؟ كل ما أردتُه هو أخذكَ منها لكي لا أراها سعيدة! ولقد نجحتُ في ذلك... ولم أعد بحاجة إليكَ.
ـ ماذا؟؟
ـ أجل... ما نفعكَ الآن بعد ما تركَتكَ؟ إرحل مِن هنا قبل أن يأتي أهلي ويرونكَ... هيّا!
قالت له ذلك فَهِمَ سامر أنّه خسِرَ كل شيء فإنتابه غضباً كبيراً وفقدَ صوابه ومسكَها بعنقها وبقيَ يشدّ عليه حتى أن لفظَت أنفاسها. ولم يستوعب فظاعة ما فعَلَه إلاّ بعدما أدركَ أنّها ماتَت. فأخذَ هاتفه وإتّصل بالشرطة وأخبرَهم عن مكانه وعمّا فعَلَه وتمّ القبض عليه. وبالرغم مِن غضبي وشعوري بالخيانة المؤلمة ذهبتُ لزيارته وراء القضبان وروى لي ما جرى منذ أوّل إتصال أجرَته غنوة معه حتى لحظة الجريمة. ودّعتُه بعدما قلتُ له أنّني أسامحه على خيانته ولكن ليس على قتله لغنوة لأنّ ما مِن شيء يستحقّ الموت.
حاورتها بولا جهشان