خلف الأبواب المغلقة جلست الحسناء تتأمل ظلمة الليل. هذه الظلمة الصديقة ليست إلا انعكاساً لما في داخلها.
ويا لها من غريبة…
لم يستطع أحد معرفة سرها. فمثلما تغلق الأبواب على جسدها كل ليلة، لقد أغلقت على قلبها وعقلها وروحها... وصمتت!!
هي لم تفقد يوماً قدرتها على النطق. ولكنها فقدت الأمل بأن يُسمع صراخها، فكلما حاولت الصراخ أكثر، شعرت بقوة يده على فمها أكثر وبدأت تصرخ من خلال دموعها التي تنهمر بغزارة كلما أرادت إغماض عينيها.
تغمضهما للنوم… فتصحى على أحلام الحقيقة والواقع .
صوته الآمر، جسده الملتصق بجسدها، عيناه الممتلئتان بلذة عذابها، سعادته النابعة من خوفها… وسخريته من كلمة "كلا".
سخرية لأعظم من مجرد كلمة…فهو سخر من الشيء الوحيد الذي تبقّى لها.
رغبت بجعل هذه الكلمة سلاح قاتل بوجه ذاك الذي عينته الحياة “حاميها”... ولكنها فشلت. فبضعة أحرف متضامنة مع دموع وصراخ لم ولن تمنع وليّ الأمر من الحصول على حقوقه “المشرّعة”.
وبين ذكريات وجعها الماضي ومشاعر حاضرها الأبدي…لم يكن أمامها إلا أن تحلم. حلمت بذلك الغد الذي سيمكنها العودة إلى فتاة البارحة…
تلك الفتاة التي كانت تمتلئ بالطّهارة والبراءة… تلك التي كانت تبرق فرحاً وأملاً… أرادت، جرّبت حاولت أن ترتاح... وفشلت.
نعم لقد صرخت “كلا” ولكن الكلا لم تكن كافية لإيقاف عذابها اليومي... بل كانت كافية لسلبها أغلى ما لديها. وما بقي أمامها، إلّا حبوب "النهاية"- المعلّبة بالقرب من سريرها. دواء بصغر حبّات العدس كفيل بإنهاء وجعٍ بكبر الحياة.
ولكنها أيضاً فشلت، حتى في إنهاء حياتها. وكأنه قُدّر لها ان تخسر السيطرة على كلّ شيء. حتّى حياتها ليست ملكها. هذا ما جال في خاطرها وهي مستلقية على سرير المستشفى وفي جسدها زرعوا أجهزة الحياة بالقوّة.
نسمة خفيفة لمستها، يدّ، رافقها صوت عميق قائلاً: " أمآل، لا تخافي لن يؤذيكٍ بعد اليوم، أنا هنا الآن."
نظرت مندهشة، إنه هو، عاد بعد كلّ هذا الوقت...عاد لحمايتها بعد أن سرقته الغربة منها.
فانهمرت دمعة سعيدة على خدّيها...و اخيراً سينتهي الكابوس.
تيري عبد المسيح