كنتُ غارقة في غرام عادل منذ أكثر مِن سنتَين وكنّا نرى بعضنا سرّاً لأنّه كان لا يزال في الجامعة ولم يكن حاضراً بعد للتقدّم لي ولأنّني كنتُ أعلم أنّ أهلي سيعتبرون هذه العلاقة مِن دون جدوى ويجبرونني على تركه تفادياً لكلام الناس لأنه كان إبن جيراننا. وكنتُ قد وجدتُ فيه الرجل الذي تحلم به كل فتاة أي إنساناً محبّاً وكريماً يعلّق أهميّة كبيرة للأصول والأخلاق. وكنتُ أتصوّر نفسي معه في بيت واحد نربّي سويّاً أولادنا العدد ولكن تلك الأحلام لم تتحقّق وأخَذَت حياتي منعطفاً مغايراً تماماً.
فكان لعادل أخاً أكبراً إسمه إبراهيم وكان هو الآخر مأخوذاً بي منذ سنين عديدة وعندما أصبحَ جاهزاً للإرتباط ذهبَ إلى لأمّه وطلَبَ منها أن تطلب يدي مِن أهلي. وكانت فرحة المرأة كبيرة لأنّها كانت تحبّني كثيراً وتتمنّى مِن الأوّل أن أكون لأحد أبنائها فركضَت فوراً إلى منزلنا وجلسَت مع أمّي وبدأت تسرد لها مزايا إبراهيم وأخذَت تقنعها بوجوب ربط مصيرَينا سويّاً. وبدورها كلّمَت والدتي أبي وإتّفقا أنّ ذلك الشاب مناسب لي خاصة أنّه يشغل منصباً جيّداً في مؤسّسة حكوميّة وسيقدر أن يؤمّن لي حياة هنيئة.
وعندما أطلعاني على قرارهما بدأتُ بالصراخ والرفض ولكنّني لم أستطع إعطائهم سبباً مقنعاً على الأقل ليس قبل أن أطلع عادل على المستجدّات. وبالطبع إعتقدتُ أنّ حبيبي سيسرع بطلب يدي ولكنّه قال لي:
ـ إبراهيم إنسان عظيم... ستكونين سعيدة معه...
ـ ماذا؟؟؟
ـ أجل... إنّه وسيم وعاقل وله مستقبلاً لامعاً...
ـ وماذا عنكَ؟ تعلم كم أحبّكَ. ظننتُ أنّكَ أيضاً تحبّني!
ـ أحبّكِ كثيراً ولهذا أنصحكِ بالزواج مِن أخي... وإلى جانب ذلك فهو الأكبر سنّاً ولطالما إحترمتُه... لا أستطيع تدمير علاقتي به مِن أجل...
ـ مِن أجل فتاة... أهذا كل ما أنا بالنسبة لكَ؟ أي فتاة؟ لقد أحببتُكَ سنتَين كاملتَين وقرّرتُ إنتظاركَ مهما طال الوقت لِترميني في أحضان أخاَكَ خوفاً مِن أن تزعله؟ إذا قلتَ له أنّكَ على علاقة معي فلا أتصوّر أنّه سيبقى مصرّاً عليّ.
ـ لن أقول شيئاً... هذا ليس جيّداً لسمعتكِ.
ـ لم نفعل شيئاً نخجل منه!
ـ أنا آسف.
وأدركتُ أن حبّه لم يكن قويّاً كفاية وأنّني أحببتُ وهماً لِذا بعد أن بكيتُ أيّاماً قَبِلتُ أن آخذ الأخ الأكبر. وفَرِحَ الجميع بقراري ورضيتُ بمصيري على أمل أن يكون إبراهيم إنساناً صالحاً ومحبّاً. وهكذا تزوّجنا وَلزمَني وقتاً طويلاً لأعتاد على زوجي لأنّ عادل كان يشغل بالي فجزء منّي وبالرغم مِن كرَهي له كان لا يزال يحبّه. ولكن مع مرور الأيّام تعلّمتُ أن أحبّ إبراهيم الذي عاملَني بمحبّة كبيرة وأعطاني كل ما إستطاع. لِذا أنجبنا فتاة جميلة بعدما قرّرتُ أن أضع الماضي ورائي وإلى الأبد. ولكن بعد خمسة سنوات على ولادة إبنتنا لاقى زوجي مصرعه في حادث سيّارة وإسودَّت الحياة بوجهي لأنّني فقدتُ رجلاً مميّزاً وسنَداً مهمّاً لي. وبعدما أُصبنا جميعاً بالذهول لموته إتصَلَت حماتي بإبنها الصغير الذي كان قد سافَرَ بعد تخرّجه إلى الولايات المتحدّة للتخصّص وطلَبَت منه أن يعود إلى البلد بصورة دائمة. فجاوبَها:
ـ أمّي... سآتي لمواساتكم ولكنّني لا أستطيع الرجوع الآن... حياتي هنا...
ـ ولكنّ زوجة أخاكَ بحاجة لكَ... وإبنتها أيضاً...
ـ لدَي صديقة هنا وأنوي الزواج منها.
ـ وتترك غريباً يأخذ مكان أخيك؟ تريد أن يأتي أيّ رجل ويربّي إبنته؟
ـ ومَن قال لكِ أن زوجة أخي ستقبل بي؟
ـ أنا أمّكَ... هل تعتقد أنّني لم أكن على علم بقصّتكَ معها؟
ـ ماذا؟ ولماذا دفعتِ إبراهيم على أخذِها إذا؟
ـ لأنّكَ كنتَ لا تزال يافعاً ولم أرِد أن تتخلّى عن دراستكَ... هيّا تعالى وتزوّج مِن التي أحببَتها.
وهكذا أجبَرَت حماتي إبنها على ترك حياته وحبيبته والعودة إليّ. وبالطبع لم أكن على علم بشيء حتى أن قصَدَتني أمّي وعَرَضَت عليّ الفكرة وبالرغم أنّني شعرتُ بقلبي يدقّ بسرعة عند سماع الخبر طلبتُ فرصة لأفكّر بالموضوع لأنّني لم أسامح عادل على تخليّه عنّي وترك أخاه يتزوّجني بدلاً عنه ولم أنسَ حزني ودموعي والجهود التي بذَلتُها لكي أعتاد على ذلك الزوج المفروض عليّ. وبعد أن أصبحتُ أحبّ إبراهيم يريدونَني أن أحبّ الخائن مِن جديد؟ وكل ذلك لكي لا يأتي رجل غريب ويأخذ مكان إبنهم؟ وهل أنا ملك أبناء تلك العائلة لِيتناوبون عليّ؟ قد ألتقي بِمَن يسعدني أكثر مِن عادل أو حتى قد لا أتزوّج مجدّداً. كل تلك الأفكار تخابَطت في رأسي وقرّرتُ أن ألقِّن عادل درساً لن ينساه أبداً أي أن يذوق طعم الذي مرَرتُ به خاصة أنّني علِمتُ أنّه يحبّ فتاة إميركيّة وأنّه كان ينوي الزواج منها. وأعطيتُ العائلتَين جوابي وهو أنّني أقبَل بعادل زوجاً ثانياً لي وفَرِحَ الجميع وطلبوا مِن العريس أن يأتي وأتى لأنّه يعلّق أهميّة كبيرة للتقاليد والأصول.
وجاء عادل لزيارتنا في البيت وأوّل ربع ساعة لم يكن قادراً على النظر في عيوني لِكثرة خجله مِن الذي فعلَه بي ولكن عندما رأى مدى إرتياحي لوجوده عادَت ثقته بنفسه وبدأ يتكلّم معي عن أخيه أوّلاً ومِن ثمّ عن مستقبلنا. وعرّفتُه إلى إبنتي ووجَدَ أنّها تشبه إبراهيم كثيراً ومِن ثمّ غادَرَ بعد أن إتّفقنا على إقامة فرحاً لن يضمّ سوى العائلة وذلك إحتراماً للفقيد. وبالطبع ولأنّني لم أكن أنوي أبداً الزواج مِن عادل لم أحضّر شيئاً بل إدّعيتُ أنّني أفعل وبدأتُ ألتقي بعريسي شيئاً فشيئاً حتى أن ذهبنا لوحدنا في نزهة.
عندها سألتُه إن كان قد تَرَكَ حبيبته نهائيّاً فأجابَ أنّه فعل ولكنّني قلتُ له أنّني لا أصدّقه وأنّ عليه إثبات ذلك:
ـ إبعث لها الآن بِرسالة مِن هاتفكَ وقل لها أنّ فرحكَ بعد أسبوع.
ـ الآن؟ ولكن الساعة هناك تقارب نصف الليل!
ـ أجل الآن وأمامي... وأريد أن أرى جوابها...
ـ ألا تثقين بي؟
ـ بعد ما فعلتَه بي؟ لا. هيّا...
وبعثَ الرسالة ومِن جواب الفتاة إستنتجتُ أنّها لم تكن على علم بزواجنا بل فقط أنّ أخ عادل قد مات وأنّه ذهب لمواساة أهله وأنّه عائد إليها. عندها قلتُ له:
ـ أترى؟ أعرفكَ جيّداً... لطالما كنتَ جباناً لا تستطيع مواجهة أحد أو تحمّل مسؤوليّة شيء... إبعث لها أنّكَ تحبّني منذ سنين وأنّكَ لم تحبّها يوماً... هيّا!
ومرّة أخرى أطاعَني وكان رَد المسكينة قاسياً وطلبَت منه ألاّ يتصل بها مجدّداً. فقال لي عادل:
ـ هل هذا يكفيكِ؟ لقد حطّمتِ قلب تلك الفتاة!
ـ أنا لم أفعل شيئاً! لم أجبركَ على الكتابة... ولو كنتَ تحبّها فعلاً لما جئتَ إلى هنا ولما طلبتَ يدي ولما أرسلتَ لها تلك السطور الشنيعة... أريد أن أعلم شيئاً... هل تحبّ أحداً سواكَ؟ تَرَكتَني دون مقاومة وتركتَ التي كنت تنوي الزواج منها بسهوله...
ولم يجاوب لأنّه أدركَ أنّه فعلاً لا يحب أحداً. وعندما عدتُ إلى البيت أخبرتُ أهلي أنّني عدلتُ عن الزواج مِن عادل وأنّني سأتدبّر أمري بنفسي فإبنتي كانت قد دخَلَت المدرسة وبإستطاعتي إيجاد عملاً والقيام بمسؤوليّاتي إلى حين أجد الشخص الذي سيحبّني فعلاً.
حاورتها بولا جهشان