قادوني إلى المخفر. هناك كان ينتظرني "كريم". كان وجهه مليء بالكدمات والجروحات. جاء المحقّق وسألني لماذا فعلتُ هذا بزوجي. حاولتُ أن أُفسِّر له أن الأمر مدبّراً ولكن لم يصدّقني.
- يا سيّدتي، هل هناك من يفعل هذا بنفسه؟ أرجوكِ، لا تُهيني ذكائي. ورغم كلّ ما فعلته به، الأستاذ "كريم" لن يُقدِّم شكوى ضدّكِ وألحَّ أن أُفرجَ عنكِ. سيأخذ الطفل منكِ لأنّه من الواضح أنّكِ لستِ مُتّزنة. ستجري محاكمتك حسب ما فعلته لأنه هناك ما يُسمّى بالحقّ العام.
وهذا ما جرى. عدتُ إلى البيت لأجده فارغاً. بكيتُ كثيراً وبمرارة. كيف تزوّجتُ من هكذا رجل؟ إنه ليس إنساناً، إنّه شيطان!
جاء موعد المحاكمة وصدر الحكم : الذهاب إلى معالج نفسي. وعند انتهائي من الجلسات سينظر القاضي الى تقرير الطبيب ليُقرّر إذا بإستطاعتي استرجاع ابني أو لا، وإلى هذا الحين سيمكث "وحيد" مع أبيه وزوجته وأخواته. بكى كثيراً عندما ذهبتُ لأودّعه وأشرح له أنني ذاهبة لفترة وسأعود لآخذه معي. أقسمتُ له أنني سأعود من أجله.
وبدأتُ جلساتي. أخبرتُ الطبيب كلّ شيء. في البدء لم يصدّقني ولكن عندما تعرّف إليّ أكثر ودرس نفسيّتي بتعمّق علم أن ادّعاء زوجي كان كذبة مختلقة لغايات دنيئة.
- لا تخافي، تقريري سيكون واضحاً وقاطعاً وأنا متأكد أن القاضي سيحكم لصالحك. من الواضح أنكِ وقعتِ بفخ، ولن يفلت زوجك من العقاب.
كان قد مضى على الحادثة حوالي ستة أشهر لم أرَ فيها ابني ولم أكن أُفكّر جيداً كأنني في كابوس رهيب أتوق لأن أفيق منه. وبعد أن طمأنني الطبيب النفساني بدأتُ أرى نهاية النفق.
فإتّصلتُ بزوجة زوجي، تلك التي احتسيتُ القهوة معها وأخبرتها كل شيء. غضبتْ كثيراً وقالت لي ان "كريم" قد مارس عليها ضغوطاً كثيرة أيضاً لكي تجاريه بما كان يفعله. ولكنها لم تجرؤ يوماً أن تقف بوجهه كما فعلتُ. وأعطتني رقم محامٍ بارع وأكّدت لي أنه يستطيع أن يُخرِج أكبر مجرم من السجن.
- أُسجنيه، ذلّيه، خذي ماله... إفعلي به ما تشائين حتى ولو دفعتُ أنا الثمن. هكذا رجل لا يستحق إلاّ السجن وإلى أن يوقفه أحد عن اعماله هذه.
إتّصلتُ بالمحامي وقابلته.
- قضيّتكِ سهلة جداً. فالاشخاص مثل زوجك يظنّون بغباء أنهم أذكى من كل الناس، الأمر الذي يدفعهم الى ارتكاب الأخطاء. وخطأه الأول أنه أخذ طفلاً من أمّه. لم أرَ بحياتي أشرس من امرأة أُخِذَ منها ولدها. خطأه الثاني هو أن الطبيب النفسي سيعلم حتماً إنْ كنتِ مريضة أم لا. وخطأه الثالث أن المحكمة لن تقبل أن يهزأ بها هكذا. أنا أكيد أن القاضي سيكون قاسياً معه.
وحضّرنا دفاعي. جئنا بشهادات جيراني وأقربائي بأنني امرأة مسالمة وهادئة، جئنا بطبيب ليفحص صور كدمات وجروح كريم وليقول أن هذه الجروح يمكن أن يُحدثها بنفسه. وقدّمنا تقرير الطبيب النفسي الذي أكّد فيه أن من المستحيل أن أكون قد أقدمتُ على أذيّته أو أحداً آخراً على الإطلاق.
كان قد قدِمَ "كريم" إلى المحكمة وعلى وجهه بسمة الإنتصار، ولكن سرعان ما اختفت البسمة خصوصاً بعدما طلب محاميّ من المحكمة أن يتّهم بالشهادة بالزور والإدعاء الخاطئ وبخطف ولد من أمّه.
وسُجِنَ "كريم". وتفرّجتُ عليه وهم يأخذونه مُكبّلاً في وسط المحكمة. صرخ :
- حبيبتي! لمَ تفعلين هذا بي؟ تعلمين أني أحبك وحدكِ، الأخريات لا تعنين شيئاً بالنسبة لي. إسحبي شكوتك؟ أرجوكِ!
لم أُجبه. إبتسمتُ فقط.
ثم سألتُ المحامي عن أتعابه. ضحك وقال :
- لو علمَ زوجك أنه هو الذي دفع لي أتعابي لكان فقد صوابه. لقد دفعتْ لي زوجته الأخرى، تلك التي أعطتك رقمي، دفعتْ من ماله.
ضحكنا سوياً وذهبتُ فوراً لأسترجع ابني. رافقني شرطي الى منزل الزوجة الثالثة. عندما رأتنا قالت لي :
- أتُصدّقيني إن قلتُ لكِ أنني لست حزينة لما جرى لكريم؟ ما من امرأة ترضى بأخرى أو بزوج لا يحترمها. خذي ابنكِ، لقد اعتنيتُ به وكأنّه لي. هنيئاً لكِ.
عُدتُ إلى البيت حاضنةً "وحيد" بين ذراعيّ. قبّلني بقوّة وقال لي :
- كنتُ أكيد بأنّكِ ستعودين يا أمّي.
حاورتها "بولا جهشان
"
اقرأي الجزء الأول من زوجي أرسلني الى السجن