إذا كنتُ اليوم مخطوبة لشاب لا أحبّه ولا يُحبّني ولا أنوي الزواج منه يومًا ولا هو، فذلك لأستطيع العيش بكرامة أنا وأختي وأولادها. فالمشكلة هي زوجة أخي التي لا يعرف قلبها سوى البغض والطمع. كيف استطاعَت تلك الأفعى قلب أخينا ضدّنا هكذا؟ لم أجد الجواب حتى الآن، ولكنّني أتكهّن أنّها استعملَت أساليب أنثويّة، أي جنسيّة، للوصول إلى عقله وتخديره.
لو كان أبوَينا لا يزالان على قيد الحياة لما حصَلَ شيء مِن كل ذلك ولكن عندما يتحطّط الحظ السيّء علينا لا يتركنا بسهولة.
وما زادَ مِن صعوبة حالتنا كان هجر زوج أختي لها بعدما أنجَبَت منه ثلاثة أولاد، وحتى الساعة لا نعرف أين هو وإن كان ينوي العودة يومًا.
تزوَّجَ أخي سالم مِن جمانة بسرعة فائقة، فلم يتسنَّ لنا أن نتعرّف إليها قبل الزفاف وإلا كنّا ربما قد رأينا المكر الموجود بوضوح في عَينَيها. ومِن لحظة دخولها المنزل، نظَرَت إليّ وإلى أختي بازدراء مع أنّها لم تكن تفوقنا جمالاً أو مالاً أو علمًا.
إعتبرَتنا تلك المرأة حجر عثر في طريقها، وعمَدَت على إزاحتنا مِن دون انتظار. وإلى جانب تأثيرها الواضح على زوجها، كانت جمانة أكبر منّا سنًّا ممّا أعطاها نوعًا مِن السلطة علينا وبات كلامها هو المسموع في البيت.
وأوّل شيء فعَلَته، كان منعنا مِن الخروج تحت ذريعة أنّ أختي امرأة لا تزال متزوّجة ولدَيها أولاد وسمعة عليها الحفاظ عليها، وأنا كنتُ لا أزال "تحت نصيبي" ولا يجدر بي إثارة كلام الناس بتحرّكاتي. بالطبع حاولنا التمرّد على هذا القرار، ولكنّ "رجل الدار" رأى أنّ زوجته على حق وأنّ علينا الانصياع إلى أوامر "زوجته الحكيمة التي لا تريد سوى مصلحتنا".
وهكذا مكثنا في البيت لنخدم جمانة وزوجها، وخلنا صدقًا أنّها مرحلة مؤقّته وأنّ تلك المرأة ستسأم منّا. ولكنّ ذلك لم يكن سوى البداية.
فبعد فترة قصيرة، أدركَت جمانة أنّ معظم مال أخي يُصرَف على أختي وأولادها وعليّ، واستاءَت كثيرًا فأعلنَت أنّ علينا إيجاد عمل وبسرعة لنصرف على أنفسنا.
للحقيقة لم أكن ضدّ العمل، ولكنّ أخي كان قد طلَبَ منّا عدم التفكير حتى بالأمر لأنّه كان مسؤولاً عنّا. ولكن ذلك كان في ما مضى...
وبما أنّ أختي لم تكن قادرة على ترك أولادها لوحدهم، قدّمتُ نفسي لأكون معيلتها وإسكات صراخ وعتاب جمانة، أمّا هي فأصبحَت الخادمة الخاصّة لزوجة أخيها.
وجدتُ عملاً في شركة لطيفة بفضل شهادتي بالسكرتيريا وكنتُ سعيدة بالتخالط أخيرًا مع الناس. ولكن طيلة النهار، كنتُ أفكّر بالمسكينة أختي التي كانت تتحمّل طغيان جمانة ولا مبالاة سالم. وأبشع ما في الأمر أنّ جمانة أخَذَت منّي راتبي في آخر الشهر وقالت لي:
ـ إن بقيَ معكِ فستصرفانه بسرعة ولن يبقى منه شيء بعد أيّام، ويعود سالم ويعيلكما كمّا في السابق... معي سيكون بأمان.
بأمان... صحيح... فلم نرَ منه قرشًا واحدًا، وبقينا أنا وأختي نأكل الفضلات ونلبس الملابس نفسها.
حاولتُ أن أشتكي عند أخي على ما تفعله زوجته، ولكنّه أجابَني: "جمانة امرأة واعية وناضجة وتعلم ما تفعله... أنظري إلى أختكِ التي تزوّجَت مِن رجل فاشل وكاذب وانظري إلى نفسكِ... لا منفعة منكِ".
كنتُ أودّ اجابته بأنّ لا دخل لأختي بما حصَلَ لها، وأنّني لا أشكو مِن شيء أبدًا، ولكنّني فضّلتُ السكوت كي لا يستاء منّي سالم ويرمينا خارج ممّا كان يُسمّيه "بيته".
وتابعنا حياتنا إلى أن حصَلَ الأبشع: ذات مساء عندما عُدتُ مِن عملي إلى البيت لم أجد أختي ولا أولادها ولا أمتعتنا. وعندما بدأتُ أصرخ مِن الخوف والهمّ أجابَتني جمانة بكلّ هدوء:
ـ لا داعٍ للصّراخ... أختكِ وأولادها وكلّ ما يخصّكما في بيت... الحديقة.
ـ أيّ بيت في الحديقة؟ تقصدين ذلك الكوخ؟؟؟
ـ أجل
ـ ولكنّه لا يُصلح لأنّ يعيش فيه حيوان! لماذا فعلتِ ذلك؟
ـ ينزعج أخوكِ مِن أصوات الأولاد.
ـ بل أنتِ التي تنزعجين منهم! ما صنفكِ؟ لم أصادف بحياتي امرأة مثلكِ! ماذا فعلنا لكِ كي نستحق هذه المعاملة السيّئة منكِ؟ ماذا؟؟؟
ـ إخرسي وإلا طلبتُ مِن سالم رميكم جميعًا في الشارع! هيّا اخرجي إلى الحديقة ولا تدخلي هذا البيت مجدّدًا!
وأبشع ما في الأمر أنّني رأيتُ أخي مختبئًا وراء باب الصالون. كان الجبان قد تَرَكَ زوجته تقوم بالعمل الوسخ بدلاً عنه.
وافيتُ أختي وأولادها في الكوخ، وبكينا سويًّا، وأخذتُ قرارًا بأن أفعل ما بوسعي للإفلاة مِن مخالب جمانة. الحلّ الوحيد كان أن أجمع ما يكفي مِن المال للانتقال مع أختي إلى مكان آخر ولكنّ كيف أفعل وكنتُ أعطي كامل راتبي للأفعى. لِذا خَطَرَت ببالي خطّة نفَّذتُها في اليوم التالي فور وصولي إلى الشركة.
أخذتُ زميلاً لي جانبًا ورويتُ له القصّة مِن أوّلها. إستاءَ كثيرًا وسألَني إن كان هناك ما يُمكنه فعله فأجَبتُه:
ـ إخطبني
ـ ماذا؟؟؟ لم أفهم قصدكِ!
ـ إخطبني!
ـ ولكن... أعني أنّكِ فتاة جميلة ولطيفة ولكن...
ـ صُوَريًّا! لا تخف فأنا أيضًا لا أحبّكَ... عندما نخطب سيكون لدَيَّ عذر للاحتفاظ براتبي بذريعة أنّني أنوي صرفه على جهازي... أرجوكَ... ستنقذنا مِن ورطتنا.
ـ عليّ التفكيّر أوّلاً... لا أعدكِ بشيء... لم يخطر ببالي أن يأتي يوم وأخطب فيه فتاة عن كذب.
صلَّيتُ كثيرًا كي يقبل ذلك الشاب عرضي واستجابَ الله لي. وهكذا جاء جاد ليزور أخي وزوجته طالبًا يدي، وخضَعَ لاستجواب دقيق وطويل حصَلَ مِن بعده على موافقتهما. صحيح أنّ جمانة كانت تريد الاحتفاظ براتبي، ولكنّ فكرة التخلّص مِن "النمرودة" كانت أقوى.
ومنذ ذلك اليوم أضع قسمًا كبيرًا ممّا أجنيه جانبًا حتى يأتي يوم نرحل مِن هنا.
وفي هذه الأثناء لا نزال نعيش في مكان ضيّق ورطب، ويمرض أولاد أختي باستمرار ولكنّنا نعلم أنّ الفَرَج بات قريبًا وأنّنا سنحصل على حياة كريمة قريبًا.
ما تعلّمتُه مِن تلك التجربة هو أنّ على الانسان الاتكال على نفسه واستعمال ذكائه والمنطق، فالحلول دائمة موجودة حتى لو كانت معقّدة أو طويلة الأمد والاستسلام مرفوض لأنّ الناس البشعة كثيرة وموجودة حولنا.
سيأتي يوم ويفيق أخي مِن "غيبوبته" ويُدرك أنّ تلك المخلوقة التي تزوّجها أبعَدَته عن عائلته بأبشع الطرق وسيندم. هل سأسامحه حين يفعل؟ هذا يتوقّف على كميّة العذاب التي سنكون قد عانينا منها.
حاورتها بولا جهشان