تغيّر زوجي كثيرًا بعد خروجه مِن الغيبوبة

لم أصدّق أذنَيّ عندما سمعتُ زوجي يقول لي إنّه يريد الطلاق، فنحن لم نواجه يومًا أيّة مشكلة أو نتشاجر حتى. وكنتُ أعتقد فعلًا أنّ المرحلة الصّعبة التي اجتزناها ستقرّبنا مِن بعضنا ولكن كان مِن الواضح أنّني أخطأتُ التقدير.

 

الجدير بالذكر أنّ يوسف وقَعَ ضحيّة حادث مروّع حين اصطدمَت شاحنة مع سيّارته حين كان عائدًا إلى المنزل ليلًا. وبعد أن حملوه إلى المشفى، غَرِق بسبات عميق وقال لي الأطباء إنّه قد لا يستفيق منه أبدًا. ولكنّني لم أستسلم. تركتُ عملي لأبقى إلى جانبه، وقضيتُ أيّامي كلّها وأنا أمسك بيده وأكلّمه متأمّلة أن يُؤثّر صوتي عليه وعلى حالته. وبعد أشهر طويلة، نصحني الأطبّاء أن آخذه إلى البيت لأنّ حالته لن تتغيّر إلّا في حال حدوث معجزة. أظنّ أنّهم شفقوا عليّ وعلى الوقت الذي كنتُ أمضيه في غرفة زوجي مِن دون فائدة.

 

وجئتُ بيوسف إلى المنزل وبسرير ماء وبكلّ ما يحتاجه رجل في الكوما. ولأتمكّن مِن دفع تكلفة كلّ تلك التجهيزات، عدتُ إلى العمل ونسّقتُ وقتي مع أمّي التي كانت تأتي لتبقى مع يوسف والأولاد.

 

وخلال تلك الفترة، كنتُ أتصل بوالدتي كلّ ساعَتين لأسألها إن كان زوجي قد استفاق أو حتى تحرّك. عشتُ مشدودة الأعصاب خلال خمسة سنوات. أقسم أنّني لم أتذوّق شيئًا في الحياة ولم أنعم بأية غفوة صغيرة. كلّ همّي كان أن أستعيد حبيبي وأب أولادي الذين كانوا هم أيضًا يقضون ساعات قربه يحثّونه على الإستفاقة. نصحَني الأصدقاء بإراحته مِن عذابه بنزع آلة التنفّس عنه ولكنّني بقيتُ أرفض. حتى أمّه حاولَت التدخّل لإجباري على" تركه يذهب بسلام".

كنتُ واثقة من أنّ يوسف سيفتح عينيَه يومًا ما وهذا ما حصل. ففي ذات يوم، تلّقيتُ اتصالًا مِن إبنتي الصّغيرة:

ـ ماما... تعالي... بسرعة!

ـ ما الأمر؟ هل حصل مكروه؟ هل أنتِ بخير؟ أين جدّتكِ؟

ـ نحن بخير يا ماما... تعالي... فتحَ البابا عينَيه".

لا أذكر كيف قدتُ سيّارتي ووصلتُ إلى المنزل بتلك السّرعة الفائقة. كدتُ أصطدم بكلّ السيّارات على طريقي. وعندما وصلتُ وجدتُ يوسف محاطًا بالأولاد يتكلّمون ويضحكون معه. وعانقته وهو في سريره وبدأتُ بالبكاء. واتصلتُ بالطبيب الذي جاء بسرعة هو الآخر غير مصدّق الذي حصل:

ـ لم أتوّقع أن يستفيق زوجكِ... أنتم فعلًا محظوظون... دعيه يرتاح كثيرًا ولا تكثري الكلام معه... فبعد خمس سنوات فَقَد

 


 

زوجك رابطه مع الواقع... لا تخبريه عمّا فاتَه فذلك قد يُؤثّر على معنويّاته... سأعطيكِ رقم معالج نفسيّ... على يوسف أن يدخل بهدوء حياته.

 

وكانت فترة تعافٍ طويلة وبطيئة ولكنّني كنتُ أسعد إمرأة في العالم. حتى الأولاد شعروا بفرحة لا تقاس لاستعادة أبيهم، وتحسّنَت علاماتهم في المدرسة بشكل ملحوظ.

 

وبعد سنة، إستطاع يوسف العمل مِن جديد وفي الشركة نفسها. فكان مديره إنسانًا طيّبًا ومتفهّمًا واستقبله بذراعين مفتوحين.

 

ولكنّنا لم نستطع إستعادة حياتنا الزوجيّة. كان الأمر وكأنّني كنتُ انسانة غريبة بالنسبة إلى زوجي. ولكنّ المعالج بقيَ يُطمئنَني ويطلب منّي أن أعطي يوسف الوقت الكافي ليستعيد نفسه.

 

ولكنّني لم أكن أعلم أن سبب ابتعاد زوجي عنّي لم يكن نفسيًّا أبدًا. الحقيقة أنّه كان يُغازل زميلاته طوال النهار وكأنّه استعاد عزوبيّته مع استفاقته مِن سباته. فبالنسبة إليه أصبحتُ أنا وأولادي غرباء أو مجرّد أناس يراهم في بيته عندما يعود مِن عمله في المساء.

 

وحاول مدير زوجي لفت انتباهي إلى ما يحصل في العمل. فقد كنّا مدعوَّين إلى حفلة أقامتها الشركة عندما جاء إليّ الرجل وقال لي:

ـ يوسف رجل مميّز... خاصة بعد الذي حصل له.

ـ أجل... لا أزال لا أصدّق أنّه عادَ إلينا.

ـ أظنّ أنّه لم يستوعب بعد كم هو محظوظ... لدَيه زوجة رائعة... لِما لا تذهبان في رحلة إلى الخارج... أنتما الإثنان فقط... يُمكنني إعطاؤه عطلة خاصة.

ـ هذا لطف منكَ... ولكنّ يوسف يشعر بسعادة تامة منذ أن بدأ بالعمل ولا أريد أن أحرمه من هذه السعادة".

سكتَ المسكين واستسلم.


وبدأ زوجي بالتغيّب متحجّجًا باجتماعات ليلّية، وأنا لم أنتبه إلى شيء أو أشك بنواياه. وكيف لي أن أفكّر أنّ الرجل الذي انتظرته سنوات عديدة قد يخونني؟ كنتُ الوحيدة التي آمنَت بعودته، ولولاي لكان الأطبّاء قد أطفأوا الآلات التي أبقته حيّاً. وها هو يشكرني بأبشع طريقة في العالم.

 

وذات مساء، وبعدما ذهب أولادنا إلى فراشهم، طلَبَ يوسف أن يُكلّمني بموضوع هام. لم أتصوّر أبدًا أنّني سأسمع ذلك الكلام مِن فمه:

ـ لا أعلم مِن أين أبدأ... لاحظتِ بالطبع أنّني تغيّرتُ منذ عودتي.

ـ أجل حبيبي ولكنّ الأمر طبيعيّ... قال المعالج...

ـ لا دخل لحالتي النفسيّة بالموضوع.

ـ سأنتظر الوقت الكافي لِـ...

ـ لا أريدكِ أن تنتظري... لقد فعلتِ الكثير مِن أجلي.

ـ أحبّكِ ولا يزعجني الأمر.

ـ ولكنّني لم أعد أحبّكِ... آسف لقول ذلك بهذه الطريقة ولكنّني لم أجد غيرها... لم أستطع التأقلم مع عائلتي منذ أن خرجتُ مِن الكوما... وكأنّ الأولاد ليسوا لي ولا أشعر شيئًا تجاهكِ... سامحيني.

ـ أتفهّم الأمر تمامًا حبيبي... أنا متأكّدة أنّ مع الوقت...

ـ هذا لن يحصل لأنّني واقع في الغرام... فتاة تعمل معي في الشركة... بيننا شعور قويّ ومتبادل.

ـ ماذا؟؟؟ تخونني؟؟؟

ـ أجل ولستُ فخوراً بنفسي، خاصة بعدما الذي عانَيتِه معي، ولكنّني لم أعد أستطيع الكذب ولم أعد أريد أن أفوّت شيئًا مِن حياتي. فلقد أضعتُ سنين منها وأودّ الإستمتاع بما تبقّى... ولكن مِن دونكِ أنتِ والأولاد... أنا راحل... آسف".

 

وعلِمتُ أنّ لا جدوى مِن الإصرار أو التوسّل، إذ كان مِن الواضح أنّه أتّخَذَ قراره. كلّ ما أضفتُه كان:

ـ سأترك لك عناء إخبار الأولاد برحيلكَ".

 

ورحل للمرّة الثانية ولكن مِن دون عودة.

وللحقيقة لم نتأثّر كثيرًا مِن دونه، لأنّنا كنّا قد اعتدنا تدبّر أمرنا لوحدنا خلال غيبوبته.

ولكنّني حزنتُ كثيرًا عندما علِمتُ أنّه تزوّج بعد شهرَين، وفكرّتُ أن أجد أحدًا أنا الأخرى. ولكنّ الأمر لم يكن سهلًا بعد أن نسيتُ كيف أبدو جذّابة وأثير اهتمام رجل. ولكن بمساعدة أولادي الذين أصّروا على أن يكون لدَيّ حياة عاطفيّة، وجدتُ خليل، رجلاً ممتازاً عَرِفَ كيف يُنسيني تجربتي، ويُعيد إليّ ضحكتي ويملأ قلبي بالأمل.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button