شعرتُ بالأمان لحظة ما فتحتُ عيوني على الدنيا ليس فقط لوجود أبويّ، بل لأنّني كنتُ محظوظة أن يكون لديّ أخاً أكبر منّي ليرعاني ويهتمّ بي إن ضاقَت الأيّام بي. ولكنّ فؤاد لم يكن لِيصبح الشاب المسؤول والحنون الذي توقّعتُه أن يكون بل عكس ذلك تماماً. كانا مِن الأوّل غريب الأطوار يؤذي أولاد الحيّ مِن دون سبب ويبكي إن لم يحصل على مراده. وكان يجد فيّ الفريسة المثاليّة لأنّني كنتُ أصغر بأربع سنوات ولأنّني كنتُ أكنّ له إحتراماً كبيراً. فإمتنعتُ عن إخبار والدَينا عن إساءاته لي خوفاً مِن أن يعاقَب. وعلى كل حال كان فؤاد يحظى بحماية أمّي التي كانت تسمح له بكل شيء على عكس أبي الذي كان يردّد لها دائماً:"كُفّي عن إعطاءه أعذاراً... الولد سيّء... علينا أن نقسى عليه أكثر... ألا تريدينه أن يصبح رجلاً؟" وهي كانت تجيبه:"هذا إبني وأنا حرّة به... أنتَ لا تحبّه... إهتمّ أنتَ بالبنت وأنا سأهتمّ بالولد."
وهكذا مرَّت الأيام حتى أن مات والدي بحادث سيّارة، فوجدتُ نفسي مِن دون حماية. وإلتجأتُ إلى أمّي التي لم تعِرني أهميّة لإنشغالها بإرضاء طلبات فؤاد التي كانت تكثر سنة بعد سنة. ولأنّ أخي لم يكن يحبّ المدرسة ولم يرِد إيجاد عملاً، أصبحَت أمّي معيلتنا الوحيدة وكانت تذهب في الصباح للعمل في معمل قماش وترجع منهمكة في المساء غير مستعدّة لِسماع شكواتي مِن أخي الذي كان ينتظرني حتى أعود مِن المدرسة لينكدّ عيشتي. كنتُ أتمنّى لو يجد شيئاً يفعله لأتنفسّ بعض الشيء، فإلى جانب مضايقاته لي كان يكره صديقاتي ويزعجهنّ عندما تأتَين لزيارتي لأنّه لم يكن لديه اصدقاء. وهكذا لم أعد أرى أحداً إلاّ عندما كانت تأذن لي والدتي بالخروج شرط أن أصتحِب فؤاد معي. وكانت أمّي الإنسانة الوحيدة التي رأت فيه شيئاً إيجابيّاً ولم تصدّق أيّ شيء مِن الذي كان يقال عن إبنها. وصبِرتُ لأنّني أصبحتُ في الخامس عشر مِن عمري وإعتقدتُ أنّني سألتقي يوماً بمَن أحبّه ويأخذني بعيداً وأنسى هذه العائلة الغريبة ولكنّني لم أحسب حساب ما جرى في تلك الفترة وتأثيره على باقي حياتي. فمساوئ فؤاد كانت أكبر مّما تصوّرتُها لأنّه إلى جانب أذيّته لي كان يكنّ لي بمشاعر غير أخويّة. ولا أدري إن كان السبب هو مرض نفسيّ أو أنّه وجدَ فيّ الشخص المناسب لتلبية رغباته الجنسيّة ولكنّه أرادَ وبكل جوارحه إقامة علاقة معي.
كل شيء بدأ عندما كنّا وحدنا كالعادة في المنزل. كنت جالسة على المائدة أكتب واجباتي المدرسيّة حين وقفَ فؤاد ورائي ووضعَ يداه على كتفيّ. عندها صرختُ له:
ـ لا تؤذيني أرجوك! ألَن تكبر يوماً؟
ـ كبرتُ بالفعل وكذلك أنتِ... ولقد أصبحتِ فتاة جميلة...
ـ ومنذ متى تجاملني؟ تقول لي دائماً أنّني قبيحة وسمينة.
ـ كنتِ قبيحة ولكنَّكِ صرِتِ جميلة.
ـ شكراً للإطراء.
وبدأ يدلّك كتفيّ وخفتُ أن يكون يخطّط ليؤذيني لاحقاً. ولكنّه لم يفعل وشكرتُ ربّي. وبدأ يفعل ذلك كل يوم أثناء قيامي بوجباتي. لم أقل له شيئاً خوفاً مِن أغضابه ولكن عندما صارَ يمسدّ شعري ويشمّه طلبتُ منه أن يتوقّف. عندها سألَني:
ـ لماذا؟ ألاّ تشعرين بلّذة عندما ألمسكِ؟
ـ أبداً! دعني أكمل واجباتي مِن فضلك!
ـ رائحتكِ ذكيّة... دعيني أشمّكِ بعد.
ثمّ إقتربَ أكثر ووضعَ قبلة عميقة على قفا عنقي فإقشعرّ بدني وأزَحتُه عنّي وصرختُ له أن يبتعد عنّي. نظرَ إليّ بِغضب ودخلَ غرفته. ولم يعد يأتي ليزعجني وخلتُ أنّه فهمَ الرسالة ولكنّني كنتُ مخطئة.
ففي ذات يوم عدتُ مِن المدرسة لأجده جالساً على الأريكة في ثيابه الداخليّة. نظرَ إليّ وقال:
ـ تعالي وإجلسي بقربي.
ـ لا أريد ذلك! قُم وإرتدي ثيابكَ!
ـ الجوّ حار جدّاً... تعالي... لا تخافي منّي...
ـ لا أريد الجلوس بقربكَ! ما الأمر؟ لماذا تتصرّف معي هكذا؟ أنا أختكَ!
ـ صحيح إنّكِ أختي ولكنّني أجدكِ جميلة و... جذّابة... أحلم بكِ ليلاً... تعالي لأريكِ كم أنا مشتاق لكِ.
وفتحتُ باب المنزل وركضتُ أختبئ عند جارتنا وإنتظرتُ هناك موعد عودة أمّي. ولكنّني لم أفضح أمر فؤاد لأنّني حتى ذلك الحين كنتُ أعتقد فعلاً أنّه يغيظني. ولكنّ الأمور لم تقف عند ذلك الحد بل تفاقمَت بِسرعة. ففي ذات ليلة، شعرتُ وكأن أحد يلمسني أثناء نومي وعندما فتحتُ عيوني رأيتُ فؤاد ويده في قميص نومي. عندها صرختُ بأعلى صوتي وركضَت أمّي كالمجنونة. وعندما أخبرتُها بالذي جرى قالت:
ـ لا تختلقي الأكاذيب عن أخيكِ! كنتِ نائمة ولا بدّ أنّكِ كنتِ تحلمين... ولو كنتُ مكانكِ لما إفتخرتُ بهكذا أحلام! ألاّ تخجلين مِن نفسكِ؟
وبدأتُ بالبكاء وعاد فؤاد إلى غرفته وكذلك فَعَلت أمّي. وبدأتُ أخاف أن أنام وأصابَني أرقاً وإنتكسَت صحّتي ولكن كل ما كنتُ أريده هو أن يبتعد عنّي أخي. ولكنّه لم يكن مستعدّاً للتراجع كما قال لي في ذات نهار:
ـ لن تفلتي منّي... أنتِ لي... أنتِ اللعبة التي جاء بها أهلنا لي... أمّكِ لن تحميكِ فهي مفتونة بي... إستسلمي ولا تطيلي عذابي.
ونظرتُ إلى عينه حين قال ذلك رأيتُ جنوناً أفزعَني. عندها قرّرتُ ألا أتواجد معه لوحدنا. في النهار كان ذلك سهلاً، فكنتُ أتحجّج بالدرس لأذهب عند صديقاتي ولكنّ الخطر الكبير كان خلال الليل. لِذا قرّرتُ أن أنام إلى جانب أمّي التي حاولَت إبعادي عنها ولكنّني أصرّيتُ قائلة:"أنتِ والدتي ومِن واجباتكِ أن تحميني... حتى لو كان ذلك مِن أخي... وحتى لو لا تحبّيني."
عندها قَبِلَت معي ولكنّها لم تأخذ أي إجراء بحقّه ولم تكلّمه حتى. وبعد حوالي شهرَين قالَت لي والدتي:
ـ هناك شاب... لديه مستقبلاً لامعاً... رآكِ وأُعجِبَ بكِ... يريد الزواج منكِ وقلتُ لوالدته أنّني موافقة.
ـ ولكن يا ماما! لا أزال صغيرة! ولا أعرفه! كيف تزوّجينني هكذا؟
ـ إمّا الزواج أو الرجوع إلى غرفتكِ.
وشعرتُ حينها بوحدة عميقة وتمنّيتُ لو أبي كان لا يزال حيّاً فلم يكن قد حصَلَ أيّ مِن ذلك. ووجدتُ أنّ كل شيء أفضل مِن أخ يريد معاشرتي وأمّ تغطيّ عليه. لذا قبلتُ أن أتزوّج وأرحل بعيداً عن عائلتي المريضة. وربمّا لأنّني إنسانة صالحة ومحبّة أرسلَ لي الله زوجاً حنوناً وسرعان ما بدأتُ أحبّه. سكنّا بعيداً بعدما طلبتُ منه ذلك دون أن أطلعه على السبب. وبقيَت أمّي مع فؤاد وكِدتُ أن أنسى أمرهما لولا الخبر الذي وصَلَني بعد 3 سنوات. فعلِمتُ أنّ أخي قَتَل والدتي وسرقها ومِن ثمّ فرّ إلى جهّة غير معروفة. وبدأ البحث عنه وخفتُ كثيراً أن يأتي إليّ ويؤذيني ويؤذي زوجي وعشتُ فترة مِن القلق لم أذق النوم خلالها.
ولكن بعد شهر على إختفائه عُثِرَ أخيراً عليه مختبىء في كهف في أعلى الجبل وقيِدَ للتحقيق وسُجِنَ. عندها إرتحتُ كثيراً وإستطعتُ متابعة حياتي. ولكنّ فؤاد لم يكن مستعدّ لِيتوبَ ولقيَ مصرعه في السجن بعدما تشاجرَ مع سجين آخر. وهكذا إنتهى كابوسي إلى الأبد. وحين حمِلتُ وأنجبتُ بنتَين تؤامتَين قلتُ لزوجي أنّني لا أريد المزيد مِن الأولاد خوفاً مِن أن آتي لهنّ بأخ.
حاورتها بولا جهشان