كان بالي مرتاحاً مِن ناحية ولدَيّ لأنّ أمّي كانت تهتمّ بهما أثناء تواجدي بِعمَلي ولكنّها سافرَت بعيداً إلى كندا لتساعد كنّتها في مولودها الأوّل وقالت لي وهي تودّعني: "لقد ساندتُكِ أعواماً عديدة والآن حان دور أخيكِ". وبالرغم أنّني لطالما رفضتُ فكرة الخادمة كان عليّ أن أختار بين ترك عملي أو إستقبال شخصاً غريباً في بيتي.
وجاء لي زوجي فَريد بمَن يأخذ عنّي أعباء المنزل بواسطة مكتباً أرسَلَ لنا ليلى سيّدة محَلّية في الأربعين مِن عمرها لأنّني كنتُ قد أصرّيتُ ألا تكون مساعدتي مِن جنسيّة أخرى أو فتيّة. وفرحتُ بها لأنّها كانت ستفهم عليّ وتستبق طلباتي دون أن أضطر لترجمة كل ما كنتُ سأقوله لها. وبعد أن جلبَت أمتعتَها وإستقرَّت في غرفة صغيرة أعدتُها لها أخبرَتني قصّتها. قالت لي أنّها فقدَت زوجها منذ خمس سنوات وأنّها لم تنجب يوماً بسبب عقرها وبما أنّ أحوالها كانت سيّئة قرّرَت أن تعمل عند الناس. أكدّتُ لها أنّها ستكون سعيدة معنا وأنّها ستتمكنّ مِن جمع بعض المال لأنّنا كنّا سنؤمِّن لها كل إحتياجاتها. وقدّمتُ لها ولديّ هاني وصونيا اللذان كانا في الخامسة والثالثة مِن عمرهما وطلبتُ منها أن تعتبرهما أطفالها وتهتمّ بهما أكثر مِن أيّ شيء آخر.
وبدأت بالعمل بعد أن أرَيتُها محتويات المنزل وأطلعتُها عن كل ما أريدها أن تفعل وكيف. وإتّضَح لي أنّها جديّة ولديها خبرة لِذا سلّمتُها زمام الأمور. وحين سألَني زوجي عن ليلى قلتُ له أنّها لؤلؤة نادرة وشكرتُه على إختياره. وهكذا إستطعتُ متابعة عمَلي مرتاحة البال على مسار عائلتنا الجميلة فباتَ هناك مَن يبقى مع طفليّ حين أذهب إلى المكتب.
ولكن إدخال غريباً على حياة المرء يتضمّن مخاطرة لا نحسب دائماً حسابها. فإلى جانب فقدان الخصوصيّة بسبب مشاركة هذا الشخص أموراً خاصة يوميّاَ كان هناك الغموض الذي يلفّ ماضيه وعدم القدرة على التحقّق مِن مصداقيّته. فلم أكن أعرف حقّاً ليلى وما فعلَته قبل ان تأتي إلينا وأظنّ أنّ عملي إستحوذَ كل وقتي ومنَعَني مِن التمييز والإستنتاج. وأوّل شيء كان قد لفَتَ إنتباهي بعد بضعة أشهر مِن وصولها إلينا هو أنّني وجدتُ صدفة في غرفتها مبلغاً مِن المال لا بأس به. إستغربتُ للأمر لأنّها قالَت لنا أنّها فقيرة. ولم أشأ أن أسألها عن ذلك المال لأنّني كنتُ سأبدو وكأنّني أفتّش في أمتعتها بينما كنتُ وبكل بساطة أبحث عن لعبة كانت قد أضاعَتها إبنتي وظننتُ أنّها تركَتها في غرفة ليلى. لِذا سكتُّ ولم أخبر حتى زوجي عن الأمر ولكنّني وعَدتُ نفسي أن أراقبها عن كثب. وخطَرَ على بالي أنّها لربّما كانت تسرق أشياء منّا وتبيعها ولكنّها لم تخرج يوماً لوحدها سوى لإنزال القمامة ووضعها في المستوعبات في أسفل المبنى.
وبعد فترة نسيتُ أمر إكتشافي لأنّ لا شيء في تصرّفاتها دلّ على خطب ما. ولكنّني علِمتُ بعد فترة أنّ عليّ السفر إلى أوروبا لِحضور سلساة ندوات فطلبتُ مِن شقيقتي العزباء المجيء إلى البيت والبقاء مع عائلتي. وقبَلت معي بكل سرور فأعطيتُها مفتاح الشقّة والتعليمات اللازمة. ولكنّ ليلى إعترضَت على الأمر قائلة:
ـ لماذا؟ ألاّ تثقين بي؟
ـ بلى يا ليلى ولكن...
ـ ولكن ماذا؟ تريدين وضع رقيب عليّ... هل صدَرَ منّي أي شيء يدّل على عدم كفاءتي؟
ـ أنتِ محقّة... سأقول لأختي ألاّ تأتي.
كنتُ قد وافقتُ خجلاً منها دون أن أدري أنّ إصرارها على البقاء لوحدها كان يخبّئ أشياء رهيبة لا تخطر على بال أحد. ولكن كيف لي أن أعلم ما كان يجري كلّما كنتُ أذهب إلى المكتب؟ وكان الأمر سيستمرّ طويلاً لولا شقيقتي التي لم تقبل أن تهتمّ إمرأة غريبة بأولادي.
فبعد أن إطمأنَّت أنّني وصَلتُ ألمانيا بِخير توجّهتُ فوراً إلى منزلنا لرؤية هاني وصونيا واللعب معهما. وبما أنّ لديها مفتاحاً فلم تدقّ على الباب بل دخَلت فوراً. وحين نادَت ليلى ولم تحصل على جواب فتّشَت عنها ووجدَتها مع الطفلَين في الحمام. كانا عاريان تماماً وكانت ليلى تأخذ لهما صوَراً بواسطة هاتفها وتطلب منهما أن يقبّلان بعضهما على الفم وأن يلمسان بعضهما.
وصرَخَت أختي بأعلى صوتها:" ما الذي تفعلينَه؟؟؟" وإرتعَبت المرأة وأقعَت هاتفها على الأرض وأخَذَت بالركض وخرجَت مِن المنزل. عندها ألبسَت أختي ولديّ وإتصَلَت فوراً بزوجي الذي أتى بأسرع وقت ممكن.
وبعد أن عانقَ هاني وصونيا وأخذَهما إلى منزل أمّه العجوز وذهَبَ مع أختي إلى قسم الشرطة وأراهم الصوَر الموجودة على الهاتف. وتبّين بسرعة أنّها كانت ترسل الصوَر الإباحيّة إلى ناطور المبنى المقابل. وحين قبضوا عليه إعترف أنّه يبيع الصوَر إلى أحد سكاّن مبناه الذي كان يهوى الأطفال ويتقاسم المال مع ليلى حين كانت تنزل القمامة. ولم يخبرني أحد بما حصل لأنّني وبِسبب بُعدي كنتُ حتماً سأموت مِن الهم لو علِمتُ ما كانت تفعله تلك السافلة بولدَي.
وعندما إتصلتُ بالمنزل ولم أجد ليلى قال لي فريد أنّها تركَتنا وذهبَت تهتمّ بِخالتها المريضة وأنّ ولدَيَنا سيبقيان مع والدته. ولم يكن زوجي مستعدّ أبداً أن يترك ليلى تفلت مِن عقابها فوَكَّلَ أحداً بالتقصّي عنها وإيجادها بأيّ ثمَن بينما كانت الشرطة مِن جانبها تبحث عنها أيضاً لأنّ تلك المرأة كانت خطرة ومِن المؤكدّ أنّها كانت ستعيد الكرّة مع عائلة أخرى بعدما رأت كم الأمر مربح.
وبعد بحث مكثّف دام أسبوعاً ووعود بِمكافأة جاء إخبار عن مكان وجودها. حينها قصَدَ فريد السلطات التي وكّلَت مفتّشاً مختصّاً بالإعتداءات الجنسيّة على الأولاد وراقبوها ووجدوا أنّها تعمل عند عائلة لدَيها ولد صغير وأنّها قابلَت سّراً رجلاً في مقهى مجاور وأعطاها ظرفاً كدفعة مُسبقة. عندها قبضوا على الإثنين معاً وأخذوهما إلى التحقيق. وكما فعَلَت معنا كانت ليلى تنوي تصوير الطفل وهو عارٍ وبأوضاع مغرية لِبيعها لذلك الرجل الذي كان بدوره كان سيرسلها إلى زباءنه. وهكذا إستطاعَت الشرطة تفكيك شبكة مِن المنحرفين ومعاقبتهم.
وحين عدتُ مِن السفر روى لي زوجي كل ماحصل. في البدء لم أصدّقه وقلتُ له أن تلك المزحة ثقيلة جداً ولا يجدر به أن يتكلّم هكذا عن ولدَينا ولكنّه أقسمَ لي أنّه جديّ. عندها شعرتُ بالخوف والخذل والغضب الشديد وبدأتُ بالبكاء أسأل كيف يمكن لأحد أن يفعل هكذا أشياء لأطفال بريئين وهل سيترك ذلك أثراً عليهما. ولكنّ زوجي طمأنَني أنّه أخذَ هاني وصونيا عند طبيب نفسيّ الذي أكّدَ له أنّهما سيكونان بخير.
والشيء الإيجابي الوحيد الذي برَزَ مِن تلك التجربة البشعة هو أنّني عمِلتُ جهدي لأوفّقَ بين عملي وطفليّ وأهتمّ بهما دون الإتّكاّل على غرباء عديمي الأخلاق لا يأبهون سوى لِجمع المال بأيّة طريقة.
حاورتها بولا جهشان