سألتُ نفسي مراراً لماذا بقيتُ مع منصور بعدما تزوّجَ من غيري. فلمدّة سنتين كنّا نتواعد شبه يوميّاً وكونه جاري في المبنى كنتُ أعرف أهله جيّداً وأحسبُ نفسي فرداً من عائلتهم. لكل هذه الأسباب كنتُ متأكّدة أنني من سيختارها لتمضية بقيّة حياته معها. ولكن في ذات ليلة سمعتُ صوت موسيقى وأصوات أناس يضحكون ويمرحون وعندما فتحتُ بابنا وجدتُ ن أن حفلة تقام عند منصور. تفاجأتُ كثيراً ﻷنني لم أكن على علم بتلك السهرة فطلبتُ رقم هاتف بيته وأجابت إمرأة لا أعرفها وقالت لي بكل بساطة:"منصور لا يستطيع التكلّم الآن فهو مشغول بحفلة زفافه". في البدء لم أصدّقها وظننتُ أنّها لعبة يمارسها عليّ حبيبي فقررتُ الذهاب إلى هناك ﻷثبت له أنّ مزحته لم تمرّ عليّ. وحين دخلتُ الشقة عبر الباب المفتوح على مصرعيه رأيته ببذّة جميلة يراقص فتاة تلبس الأبيض وسط الزغاليط والتصفيق. ورأتني أمّه فركضت إليّ وأخذتني بذراعي إلى الخارج وقالت لي بصوت منخفض:
- أرجوكِ ليال... لا تفسدي علينا هذه اللحظة...
- وحياتي التي أفسدها إبنكِ؟ قولي لي... هل ما أراه حقيقة؟ كيف يكون ذالك فكنّا سويّاً البارحة وكنتُ عندكم في الأسبوع الفائت! ما الأمر؟ ومتى تسنّى له الوقت ليتعرّف عليها ويحبّها ويخطط وينظّم زفافه؟ كنتِ على علم بذلك منذ البداية أليس كذلك؟ كنتُ أحسبكِ أمّي الثانية!
- أجل حبيبتي... كنتُ على علم ولكنني لم أكن موافقة على ما يفعله... فلديّ إبنة ولا أرضى أن يحصل لها هذا... حاولتُ إقناعه بأن يطلعكِ على ما يجري على الأقل ولكن دون جدوى... أعترف أنني فشلتُ بتربيتهِ وأنا آسفة جداً لكِ...
فضّلتُ الرحيل من ذلك المكان الفاسد دون أن أحدث فضيحة ﻷنني إنسانة محترمة وﻷثبتَ لهم أنني أفضل منهم جميعاً. ذهبتُ إلى البيت وأقفلتُ باب غرفتي لكي لا تراني أمّي وأنا أبكي ﻷنني بكيتُ كثيراً تلك الليلة. وفي الصباح أخبرتُ الجميع بما حصل ومنعتهم من التحدّث عن منصور أو لفظ إسمه حتى. أراد أخي الصغير أن يذهب إليه ويلقنّه درساً لا ينساه ولكنني أقنعته بألا يفعل.
ولكن بعد بضعة أيّام بدأتُ أشتاق إليه ومع مرور الوقت أصبح هذا الشوق يزيد حتى أن شعرتُ أنني لا أستطيع العيش من دونه وأصبتُ بكآبة عميقة منعتني من القيام بأي شيء حتى الذهاب إلى العمل. فأخذتُ إجازة مرضيّة وذهبتُ عند خالتي في الجبل آملة أن تتحسّن حالتي في مكان نقيّ وهادىء كالذي أقصده.
ولكن كان من الواضح أنّ القدر شاء أن أتعذّب فبُعيدَ وصولي عند خالتي صادفتُ منصور عند البقّال. كاد قلبي أن يتوقّف لشدّة الوهلة. أما هو فنظر إليّ بحنان وقال لي بصوت يرتجف:
- ليال... ماذا تفعلين هنا؟ أنا وزوجتي نزور أقارب لها... كم إشتقتُ لكِ...
وإقترب منّي وكأنّه يريد تقبيلي ولكنّي إبتعدتُ بسرعة وصرختُ به:
- يا لوقاحتكَ! كيف تجرؤ أن تنظر إليّ حتّى؟ ألا تخجل من كذبكَ وخيانتكَ وإذلالكَ لي ولمشاعري؟
نظرَ إليّ بحزن عميق وأجاب:
- أنا لا أحبّها... لا ألمسها حتى! أنتِ حبّي الأول والأخير...
- ولما تزوّجتها إذاً؟؟؟
- بسبب مالها... ووالدها هو مالك الشركة التي أعمل فيها... ولم أكن قادراً على إعطائك الحياة التي تتمنيها فكما تعلمين أنا لستُ غنيّاً... أقسم لكِ أنني أفكّر فيكِ كل لحظة.
وبدل أن أقول له أنني لا أريد رؤيته مجدداً لأنّه غشاش وكاذب وماكر، صدّقته وإقتنعتُ أنّه فعل هذا رغماً عنه وأنا هي التي يحبّها فعلاً.
وعدنا نتواعد كالأوّل ولكن في السرّ هذه المرّة لكي لا تعلم زوجته بالأمر ويُطرد منصور من الشركة. لم أفكّر للحظة واحدة بنفسي وكيف كان يتلاعب بأحاسيسي مرّة ثانية ويشبع غرائزه معي وينعم بحب إمرأتين. ولكن رغم فرحتي برجوعنا إلى بعضنا لم أشعر بالسعادة ﻷنّ في قرارة نفسي كنتُ أعلم أن ما أفعله ليس مقبولاً وأنّ عليّ وضع حدّ لهذه المهزلة. ولكنني لم أكن قادرة على تركه وكأنّه يسيطر عليّ كليّاً.
ولولا تدخّل أمّه لبقيتُ هكذا لسنين طويلة وأفسدتُ أجمل أيّام حياتي. فكانَت تلكَ المرأة تراقب تصرّفات إبنها عن كثب وبعد أن تركني ليتزوّج من أخرى أحسّت بذنب كبير تجاهي. وعندما عَلِمَت أننا نتواعد مجدداً قرّرَت أن تتدخّل ﻹنقاذي. فجاءت لزيارتي بعدما تأكّدَت أنني وحدي في البيت. في البدء بَدَت محرجة ثم قالت لي:
- عزيزتي... جئتُ أطلبُ منكِ الكفّ عن رؤية منصور... أقول هذا لمصلحتكِ طبعاً فأنا لستُ بصدد أن أعطيكِ دروساً في الأخلاق.
- أشكركِ على إهتمامكِ ولكن إتضحَ لي أننا ولدنا لنكون سويّاً فحبّنا أقوى من كل شيء فبالرغم من أنّه تزوّج غيري فأنا من يجبّ فعلاً.
- حتى لو علمتِ أن زوجته حاملاً؟
رغم وقوع هذا الخبر عليّ كالصاعقة أجبتُها:
- هذه أشياء تحدث... أتخيّل أنّها أصرّت كثيراً عليه كي يمارس الجنس معها وحمِلَت منه. قال لي أنّه يكره حتى لمسها لأنني المرأة الوحيدة التي تثيره.
- وإن قلتُ لكِ أنّه يرى إمرأة غيركِ؟ ولا أعني بهذا زوجته طبعاً. فلديه عشيقة... أخرى.
- أنتِ تكذبين!
- لا يا إبنتي... يعرفها منذ زمن بعيد هي الأخرى ولم يكفّ عن رؤيتها كما فعل معكِ. إبني ليس شخصاً صالحاً رغم أنني بذلتُ جهدي ﻷلقّنه مبادئ وثوابت جيّدة. أرجوكِ... أنتِ أفضل من ما جعلك تصبحين عليه... هناك أناس آخرون يستطيعون حبّكِ بطريقة أفضل ﻷنّ هذا ما تستاهلينه.
وخرجَت وبقيتُ لوحدي أفكّر وأسأل نفسي إن كانت تقول الحقيقة أم أنّها أرادت فقط إبعادي عن إبنها وزوجته. عندها قررتُ مواجهة منصور بما علِمتُ به دون إخباره عن المصدر. وردّه كان واضحاً:
- لمذا تعقّدين دائماً الأمور هكذا؟ ألا أعطيكِ الوقت والإهتمام والحنان الذي تحتاجين؟ فما المشكلة في أن أكون مع غيركِ؟ لا تفسدي كل شيء بسبب أنانيّتكِ!
وفي تلك اللحظة بالذات جفّ حبّي له وكأنّه لم يكن وإختفَت كل المشاعر التي رافقَتني سنين عديدة. لم أقل شيئاً. أدرتُ له ظهري ورحلتُ. ورغم محاولاته العديدة بالإتصال بي لم أردّ عليه ولم أره مجدّداً. لزمني الكثير من الوقت لآخذ قراري هذا ولكنني في آخر المطاف إستطعتُ التخلّص من سيطرته عليّ.
حاورتها بولا جهشان