عندما تقدَّمَ لي رامز، لم أكن أفكّر بالزواج لأنّني كنتُ أصبّ كلّ اهتمامي على عملي بعدما قضيتُ سنوات أحصّل العلم، وكنتُ فخورة بنفسي إلى أقصى درجة. ولكن ذلك الرّجل أثارَ اهتمامي وعاطفتي، بعدما قصَّ لي ما حَدَثَ له مع زوجته السابقة:
ـ أحببتُها كثيرًا وأصرَّيتُ على الزواج منها بالرّغم مِن معارضة أمّي، وأنا اليوم نادم على عدم السّماع مِن التي تتحلّى بالخبرة والمعرفة. مشكلتنا الأولى كانت عدم قدرتنا على الانجاب بسبب عقم زوجتي. رأينا أطبّاء كثيرين وخضعنا لفحوصات لا تُحصى، وقيل لنا إنّ مِن الأفضل أن نقبل بالواقع، أيّ أنّ رحم زوجتي لم يكن صالحًا للانجاب. أمّا المشكلة الثانية فكانت خيانتها لي، الأمر الذي لم أكن لأقبله. كان مِن المفترض بي أن أعلم أنّها كانت تحبّ الجنس كثيرًا لأنّنا مارسنا الحبّ قبل الزواج، وردَدتُ الأمر آنذاك إلى حبّها الكبير لي. ولكنّها كانت مِن اللواتِي لا تكتفينَ برجل واحد. لِذا أسرعتُ بتطليقها قبل أن تشوّه سمعَتي وسمعة عائلتي الحسنة. واليوم أريد بناء عائلة معكِ يا مُنى ففي قلبي حسرة كبيرة... أودّ أن أتذّوق طعم الأبوّة وأن أسعد زوجتي... هل تقبلين بأن تكوني" تلك الزوجة؟"
وتصوّرتُ نفسي بِدور التي ستتمكّن أخيرًا مِن إعطاء وريث لرامز، وامتلأ قلبي بالفخر.
ولم يخطر ببالي آنذاك أن أتأكّد مِن قصّة ذلك الرجل، عبر سؤال الناس عنه أو اللجوء إلى زوجته الأولى لسماع القصّة مِن منظارها، بل اكتفَيتُ بتلك الرواية الرومنسيّة.
والذي شجَّعَني أيضًا على القبول برامز، كان أنّه انتقَلَ بعد طلاقه للعيش في شقّة مستقلّة عن أمّه وأختَيه، وأنّ لدَيه عملاً محترماً وراتباً كافياً خصوصاً إذا أُضيفَ إلى راتبي.
ولم استاء منه عندما طلَبَ أن يكون المهر محدوداً وخاتم الزواج معتدل الثمن، لأنّني كنتُ أعلم أنّه أنَفَق الكثير على طلاقه بعدما أصرَّت زوجته السابقة على أخذ ما يُمكنها أخذه منه.
إلا أنّ رامز لم يكن رجلاً كريمًا، فلم نخرج إلى الأماكن الجميلة أو إلى المطاعم، ولم يأتِ لي بالهدايا كما يفعل عادة الخطّاب. ولكن أن يأتي إلى بيتنا فارغ اليدَين في كلّ مرّة حتى يوم ذكرى ميلادي! صحيح أنّني كنتُ فتاة متفاهمة ولكن للبخل حدوداً! ولم يكن يكتفي بذلك، بل كان يطلب أن نحضّر له أطباقه المفضّلة وينزعج إن نسينا شيئًا.
كنتُ أعذر له تصرّفاته هذه، لأنّني كنتُ متأكّدة مِن أنّها ناتجة عن ضيق أحواله التي ستتحسّن قريبًا!
ولكنّ رامز قال لي خلال إحدى زياراته لنا:
ـ حبيبتي... أعلم كم تعانين معي، وكنتُ أعتقد أنّ مشاكلي انتهَت وأنّني سأستطيع التعويض لكِ، ولكنّ زوجتي السابقة قرَّرَت أن تنتقم منّي بعدما وصلَها خبر خطوبتنا، فرفعَت دعوى جديدة ضدّي تطالبني بمالٍ لا أملكه.
ـ لا أفهم... أليست هي التي لا تنجب والتي خانتكَ؟
ـ بلى، حبيبتي.
ـ وكيف لها أن ترفَعَ دعاوى ضدّك وربحها؟
ـ هناك مئة طريقة لجلب القانون إلى صفّها ولدَيها محامٍ بارعٍ.
ـ ولِمَ لا تجيء بمحامٍ أبرَع؟
ـ لأنّني لا أملك ما يكفي لدفع أتعابه! لو كان لدَيَّ ولو القليل... آه... أخشى أن نضطرّ إلى تأجيل الزفاف.
عندها عَرَضتُ عليه مساعدته ماليًّا ولكنّه رفَضَ بقوّة.
ولكن بعد أيّام قليلة، عادَ وطلَبَ مبلغًا منّي بحجّة أنّه فكَّرَ بعرضي ورآه مناسبًا، خاصّة أنّه طلَبَ قرضًا مِن المصرف وعند الموافقة سيُعيد لي ما سأعطيه له.
وبدأ يأخذ منّي المال بانتظام... ولم يأتِ قرض المصرف. عندها بدأتُ أنزعج منه، وصِرنا نتشاجر لأنّه كان يُردّد أنّني "فتاة بورجوازيّة لا تشعر بمعاناة الآخرين"، الأمر الذي لم يكن صحيحًا طبعًا.
وحين رأى أنّه قد يخسرني، جاء بالمهر المتّفَق عليه والذي كان رمزيًّا، ولكنّه اعتذَرَ عن شراء خاتم الزواج. وعندما سألتُه عن الخاتم بدأ يصرخ ففضّلتُ السّكوت. لكنّ أمّي اتصلَت بوالدة رامز لتشتكي لها منه، فأجابَتها المرأة: "إبنتكِ تتطلّب كثيرًا وذلك دليل على سوء تربية". وجنّ جنون أمّي التي قرَّرَت أنّها تفضّل شراء خاتم الزواج بنفسها على سماع مثل هذا الكلام المهين. ولكن عندما قال خطيبي إنّه لن يدفع سوى نصف ثمن قالب الحلوى، عادَت أمّي تتصل بأمّه لتريها أنّ ابنها هو البخيل وأنّنا لا نطمع بأحد. واشتكَت والدة رامز مِن اتصالات والدتي المتكّررة لها، ورايناه آتياً والشرّ في عَينَيه يطلب منّا أن نَدَع أمّه وشأنها.
واشترَيتُ غرفة النوم الزوجّية، لأنّ كان على أحدنا أن يشتريها، وبقيَ خطيبي يطلب المال منّي.
بالطبع كنتُ مدركة أنّ رامز ليس الرجل الذي حلِمتُ به وأنّه يستغلّني، وصمَّمتُ على تركه ولكن ليس قبل أن أجد دلائل لتبرير فسخ الخطوبة، كي لا يقول أحد إنّني تركتُه وهو في مرحلة دقيقة.
ومَن أكثر مِن الزوجة السّابقة بإمكانها إنارتي؟ فتّشتُ عن رقم هاتفها إلى أن وجدتُه. وعندما قلتُ لها إنّني خطيبة رامز، بدأت المرأة تصرخ وتهدّد لأنّها لم تكن على علم بأنّ رامز قرَّرَ الزواج مِن جديد. وحين كانت على وشك أن تقفل الخط، قلتُ لها:
ـ أرجوكِ لا تفعلي! أنتِ امرأة مثلي ومِن واجبكِ الوقوف في صفّي إن كان رامز كاذبًا وينوي استغلالي! أرجوكِ! أخبريني عن سبب طلاقكما وأعدكِ بأنّكِ لن تسمعي صوتي مجدّدًاً.
سَكَتَت المرأة مطوّلاً وخلتُ للحظة أنّها أقفلَت الخط ثم قالَت:
ـ أعلم أنّ رامز يُروّج أخبارًا كاذبة بشأن سلوكي، ويقول إنّني عاقر وإنّ رحمي غير صالح للانجاب... كيف يكون ذلك عندما أحمل لمدّة أشهر وأجهد بسبب حادث مؤسف... كان زوجي عاطلاً عن العمل عندما تعرَّف إليّ، وكنت أنا التي وجَدَت له الوظيفة التي يشغلها الآن... أحبَبتُه وأردَتُه أن يكون الأفضل... عانَيتُ كثيرًا مِن أمّه وأختيه ومِن معرفتهنّ بكلّ كبيرة وصغيرة حتى بالذي يدور بيننا في السّرير... كنّا نعيش معهنّ، وكانت والدته تأخذ نصف معاشي بذريعة أنّها تحضّر لنا الأكل وتنظّف البيت، وهو كان يأخذ النصف الآخر لأنّه كان بحاجة دائمة إلى المال. وحين طَفَحَ كَيلي، أجبَرتُ زوجي على الانتقال إلى شقّة اشترَيتُها بنفسي بعدما وعَدَني بأن يُرجع لي المال الذي صَرَفتُه... وعندما أدرَكتُ أنّني سأهدر أيّامي على انسان يطمع بي ويستفيد منّي بدون أن يُعطيني ولو بعض الحنان، قرَّرتُ تطليقه واسترجاع الشقّة أو ثمنها لأكمل حياتي لوحدي أو مع انسان يستحّقني فعلاً... إسمعيني جيّدًا... أهربي منه قبل أن يأخذ كلّ ما لدَيكِ.
ـ هذا ما أنوي فعله ولكنّني كنتُ أودّ سماع الحقيقة منكِ.
ـ سيتحجّج بأنّني كاذبة ولكن لدَيَّ اثباتات على كلّ ما قلتُه لكِ.
ـ أصدّقكِ، فكلّ ما قلته ينطبق على الذي رأيتُه منه... أشكركِ، سيّدتي.
وعندما أقفَلتُ الخط، طلبتُ رامز وقلتُ له بكلّ بساطة إنّني أريد فسخ الخطوبة. لم يسألني عن السّبب ولم يُجادلني. توقّعتُ منه أن يتوسّل لأغيّر رأيي، ولكنّه اكتفى بطلب استرداد المهر وخاتم الزواج الذي اشترَته أمّي. حتى آخر لحظة حاوَل ذلك الفاشل أن يستفيد منّي. رفضتُ طبعًا إعطاءه الخاتم أو حتى المهر الضئيل الذي لا يُساوي شيئًا لأنّه مدين لي بالكثير مِن المال، وحتى خاتم الخطوبة البشع بقيَ معي. ولم أنسَ أن أقول له قبل أن أقفل الخط:
ـ أريد مالي.
ـ أيّ مال؟ هل لدَيكِ إثبات على ذلك؟
ـ لا ولكنّني اتحلّى بذاكرة جيّدة ولن أنسى كم أخَذتَ منّي... أعلم أنّكَ لن تعيد لي ولو قرشًا واحدًا ولكنّني أنبّهكَ: إيّاكَ أن تظهر في حياتي مجدّدًا وإلا سجنتُكَ... كيف أفعل ذلك؟ بمساعدة طليقتكَ التي وجدتُها لطيفة جدّاً ومتعاونة. أفهمتَ؟
حاورتها بولا جهشان