الخطيب...

وقَعَ خلاف بين أختي مروة وزوجها، فجاءَت تسكنُ عندي وابنها الصغير إلى حين يتحدَّد مصيرها، بعد أن رفَضَ أهلي استقبالها لأنّها لَم تكن المرّة الأولى، وهم سئموا مِن ذلك الوضع. فالحقيقة أنّ أختي وزوجها تشاجَرا منذ أوّل شهر مِن زواجهما ومرّات لا تُحصى بعد ذلك، وفي كلّ مرّة كانت تحزم حقائبها وتخرج مِن البيت الزوجيّ... لتعودَ إليه بعد فترة. وكان مِن الواضح أنّ هذَين الشخصَين لا ولن يتوافقا أبدًا. لكن بعد مجيء ابنهما إلى الدنيا، ظنّ الكلّ، بمن فيهم أنا، أنّ الأمور ستهدأ ويتحمَّل كلّ منهما مسؤوليّاته فيُحافظان على عائلتهما الصغيرة. لكنّنا كنّا على خطأ، فذلك الصغير لَم يؤثِّر على شيء، بل العكس، لأنّ مروة صارَت تستعمِله كرهينة ضدّ زوجها.

بيتي كان يتّسِع لهذَين الضَيفَين، لأنّني كنتُ أعيشُ لوحدي فيه مع ابنتي الصغيرة بعد وفاة زوجي الحبيب، ووجَدتُ أنّ قدوم أختي وابنها سيملأ فراغ مسكننا، ويجلِب بعض السلوى لصغيرتي. وكنتُ على حقّ، على الأقلّ في ما يخصّ ابنتي، لأنّها استقبلَت ابن خالتها بفرَح كبير وركَضا سويًّا إلى الغرفة ليبدآ باللعِب. أمّا بالنسبة لأختي، فبدَت لي مُرتاحة بالرغم مِن ظروف قدومها. وهكذا بدأَت حياتنا نحن الأربعة. وكان كلّ شيء يجري على ما يُرام، إلى حين سألتُ مروة عن الذي تنوي فعله في ما يخصّ زواجها. وهي قالَت:

ـ لَم أعِد أُريدُ ذلك الرجُل البغيض! فليذهب إلى الجحيم!

 

ـ لا تتكلّمي هكذا عنه أمام ابنكِ، حذارِ، فهذا أبوه.

 

ـ هذا لا يهمّ فسيكون له أب آخَر قريبًا!

 

ـ ماذا تعنين؟ لا تقولي لي إنّكِ...

 

ـ بلى! لدَيّ رجُل جديد في حياتي!

 

ـ منذ متى؟ فأنتِ جالِسة في البيت منذ مجيئكِ.

 

ـ هو مُسافِر، لكنّه سيعود بعد أيّام قليلة وسأُعرّفُكِ عليه.

 

ـ هذا يعني أنّكِ تعرفينَه مِن قَبل... منذ متى؟

 

ـ منذ أشهر طويلة.

 

ـ مروة! هل خنتِ زوجكِ معه؟!؟

 

ـ أنا لا أُسمّيها خيانة بالمعنى التقليديّ لأنّها ليست علاقة عابِرة، بل جدّيّة للغاية، فسنتزوّج حالما يُعطيني ذلك الفاشل الطلاق! سترَين، عندما أُعرّفُكِ على مجد، ستعرفين لماذا فضّلتُه على زوجي.

 

ـ لستُ موافِقة على ما تفعلينَه يا أختي! على الإطلاق!

 

ـ رأيكِ، للصراحة، لا يهمُّني.

 

إستأتُ كثيرًا مِن أختي ولَم أعُد أتبادَل معها الكلام إلّا للضرورة، ولولا ابنها، لطلبتُ منها أن ترحَل مِن بيتي! وبعد ثلاثة أيّام، دقَّ بابنا رجُل في الثلاثين مِن عمره وقدَّمَ نفسه قائلًا:

ـ أنا مجد... خطيب مروة... هل هي موجودة؟

 

تفاجأتُ أنّه سمّى نفسه خطيبها، لكنّني أدخلتُه لأنّه كان بالفعل مُهذّبًا ومُحترَمًا. ركضَت أختي لِمُلاقاته، فعانقَته صارِخة "لقد اشتقتُ لكَ يا حبيبي!"، وجلسَت معه في صالوني مُمسِكة بيَدَيه طوال الوقت. دخَلتُ المطبخ لأتركهما لوحدهما، ولأنّني لَم أكن موافِقة على ما يجري، عندما طلبَت منّي مروة أن أجلِسَ معهما قائلة:

ـ تعالي يا حبيبتي... وأخبري مجَد عن زوجي المرحوم وكيف أنّكِ وقفتِ إلى جانبي بعد محنتي الصعبة!

 

نظرتُ إلى أختي باندهاش وهي غمزَتني، لكنّني لَم أدخُل لعبتها فعُدتُ إلى المطبخ غاضِبة إلى أقصى درجة. المسكين، هو يظنُّها أرملة، لذلك قبِلَ أن يخرج معها وأنّ "يخطبها"! يا للماكِرة! وبعد رحيل الضيف، وبَّختُ مروة بشدّة، وألمَحتُ لها أنّ على بقائها عندي أن يكون قصيرًا لأنّني لن أتحمَّل مُطوّلًا مكائدها.

بعد أيّام، إتّصَلَ بي زوج مروة ليسألني عن ابنه وعن زوجته، فهو كان يشعرُ بالوحدة بدونهما وأرادَهما أن يعودا إليه. عندها طلبتُ منه أن ينتظرَ فترة مِن الزمَن لتعودَ إليه أختي بطيبة خاطرها. سألتُه عن سبب تركها البيت الزوجيّ وهو أجابَ: "ظننتُها تخونُني مع أحَد ما... أنا أغارُ كثيرًا عليها وأتصوَّر أمورًا غير موجودة، ففي قرارة نفسي أعلَم أنّ مروة زوجة وفيّة وشريفة".

أخبَرتُ أختي عن مُحادثتي مع زوجها وهي قالَت: "يا للمُغفَّل!"، وضحِكَت عاليًّا قَبل أن تُضيف: "خطيبي يموتُ بي ولدَيه مال وفير، ولا مُقارنة بين الإثنَين!". ذكّرتُها بأنّها لن تستطيع الزواج مِن "خطيبها" إن لَم يُطلِّقها زوجها أو ترفَع هي دعوى طلاق ضدّه، وهي لَم تُبالِ. بقيَ العريس يأتي ويصطحِب مروة ويتصرّفان على سجيّتهما، لكن ما لَم نكن نعرفُه، هو أنّ زوج أختي أتى يومًا إلى بيتي ليُصالِح مروة ورآها خارجة مع رجُل، فلحِقَ بهما لكنّه أضاعَ أثَرَهما بسرعة. ومنذ ذلك اليوم، عادَ صهري ليُراقِب زوجته، حتّى أن تأكَّدَ أخيرًا مِن أنّها على علاقة مع ذلك الرجُل.

عندها جاءَ صهري يدقُّ بابي غاضِبًا، وعندما فتحتُ له كنتُ لوحدي وخفتُ كثيرًا مِن نظراته المليئة بالشرّ وصوته العالي عندما بدأ يصرخُ بي، ويتّهمُني بأنّني مَن عرَّفَ مروة على عشيقها، وصارَ يشتمني. ولولا أنّني فتحتُ الباب وطلبتُ منه أن يخرج، أظنّ أنّه كان قد ضربَني. لَم أقُل له أنّ علاقة زوجته مع عشيقها بدأَت قَبل وصولها إليّ، فخفتُ أن يؤذيها بسببي. وحين عادَت مروة، تشاجرتُ معها بعدما ضحِكَت لدى معرفتها بما حصَل بيني وبين زوجها وقالَت: "أعجبَتني الفكرة أنّكِ مَن عرَّفتِني على حبيبي! أجل، فكرة مُمتازة!". ثمّ أمهلتُها حتّى الصباح لترحَل مِن بيتي ولا تعود، فكان يكفيني ما جرى!

وفي اليوم التالي، أخذَت مروة ابنها ورحَلا، على صوت بكاء ابنتي التي لَم تتقبَّل أن تجِد نفسها لوحدها بعد أن اعتادَت على وجود ابن خالتها الدائم معها. لَم أسأل أختي أين ستذهب بعد أن تترُك بيتي، فللصراحة لَم أكن أريدُ أن أعلَم شيئًا عنها. فالطريقة التي تعيشُ حياتها، وكَونها أرادَت أن تلصِقَ بي تهمة تعريفها على عشيقها، كانا يُمثّلان انتهاكًا لسُمعتي التي أرَدتُها دائمًا نظيفة.

لكنّني لَم أتوقّع ما حصَلَ بعد ذلك، فلقد اعتقدتُ أنّ صهري قد يؤذي أختي انتقامًا لِشرَفه، إلّا أنّ اتّضَحَ أنّه لَم يفعَل، بل شخص آخَر. وحين ركضتُ إلى المشفى بعد أن تلقّيتُ اتّصالًا مفاده أنّ أختي نُقِلَت إلى قسم الطوارئ، بعد أن وقعتُ ضحيّة ضَرب مُبرَح، قلتُ للطبيب:

ـ أنا أعرِفُ الجاني!

 

ـ ونحن أيضًا نعرفُه، فلقد قالَت لنا أختكِ إنّ الفاعل هو خطيبها ولقد أبلَغنا الشرطة.

 

ـ خطيبها وليس زوجها؟!؟

 

ـ أختكِ مُتزوّجة؟!؟ لكنّها مخطوبة!

 

ـ أنّها قصّة طويلة.

 

دخلتُ غرفة مروة ورأيتُها مُغطّاة بالكدمات والكسور، وهي قالَت لي عندما رأتني:

ـ إبني... إنّه مع المُمرّضات، خذيه إلى بيتكِ! المسكين رأى كلّ ما جرى ولا بدّ أنّه مصدوم.

 

ـ ما الذي حصَل؟!؟

 

ـ لقد وجَدَ زوجي أين يسكُنُ خطيبي بعد أن لحِقَ به، فتكلَّمَ مُطوّلًا معه بشأني، وفُضِحَ أمري، يا أختي!

 

ـ لكنّ خطيبكِ إنسان هادئ ومُهذَّب! على الأقلّ هكذا بدا لي وهكذا وصفتِه لي!

 

ـ هذا ما ظننتُ أيضًا... لكن اتّضَحَ أنّه وحش مُفترِس! لو رأيتُه! لَم أتصوّر أنّ أحَدًا قادِر على هكذا وحشيّة! وأمام ابني!

 

ـ أين كنتما؟ عنده في البيت؟

 

ـ أجل، فلقد التجأتُ إليه بعد أن طردتِني.

 

ـ أنا آسِفة لكن...

 

ـ أعلَم، أعلَم، أنا لا ألومُكِ يا أختي.

 

ـ ستعودين إلى بيتي لدى خروجكِ، لكن إيّاكِ أن تُكلّمي أحَدًا على الاطلاق، وإلّا رمَيتُكِ خارجًا مُجدّدًا! بيتي مكان شريف وسُمعتي فوق كلّ اعتبار. وعليكِ أنتِ الأخرى الحفاظ على سمعتكِ، على الأقلّ مِن أجل ولَدكِ.

 

ـ أنتِ على حقّ.

 

عادَت مروة إلى بيتي، وطلَّقَها زوجها بعد أن اشمأزَّ منها إلى أقصى درجة، ودَخَل "الخطيب" السجن لفترة طويلة، خاصّة بعد أن اتّضَحَ أنّه ضرَبَ سابقًا امرأة أخرى واشتكَتَ عليه. فكان مِن الواضِح أنّه إنسان غير مُتوازِن على الاطلاق، لكنّه يعرفُ كيف يُخفي وجهه الحقيقيّ.

ومنذ ذلك الحين، عاشَت أختي حياة هادئة تمامًا، تُربّي ابنها بتفانٍ. وهي وجَدت عمَلًا في أحَد المحلّات وتعودُ إلى البيت لتمكثَ فيه حتّى اليوم التالي.

مضَت خمس سنوات على هذا النحو، حتّى عرّفتُها بواسطة إحدى صديقاتي على إنسان مُحترَم جدًّا، ووقَعَ الاعجاب بينهما... فتزوّجا! هو لَم يعرِف بقصّة "الخطيب" على الاطلاق، فنحن لَم نقُل له شيئًا خاصّة أنّه أخَذَ مروة وابنها إلى الخارج حيث يعيش، واتّضَحَ أنّ زواجها ناجِحًا للغاية، وأنّ زوج مروة الثاني يُحِبّ ابنها كثيرًا ويعتبِره بمثابة ابنه. أعطَته أختي ابنة جميلة، ولقد سافَرتُ مع ولَدي لزيارتهم جميعًا أكثر مِن مرّة.

مِن ناحيتي، لَم أحاوِل بناء حياتي مِن جديد، فذكرى زوجي لا تزال تسكنُ قلبي.

أنا أؤمِنُ بالفُرَص الثانية، ومروة هي خَير مثال على ذلك. فأحيانًا يُخطئ المرء لأسباب عدّة، لكنّه يستعيد صوابه، إن كان أصله طيّبًا وتربّى على أُسس سليمة. فلقد غرَّ "الخطيب" أختي بِوعوده الزهريّة اللون وبِماله، لأنّ زواجها لَم يكن ناجِحًا منذ البدء، وخالَت أنّها وجدَت الرجُل الذي تحلُم به منذ صغَرها. أنا لا أعذر خيانتها لزوجها، بل أُركِّز على أهمّيّة اختيار الشريك بشكل جيّد، لأنّ الزواج هو مسيرة طويلة وأحيانًا شاقّة.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button