الجزء الثاني: ابتزني تلميذي بأني اغتصبته!

لم أستطع أن أتفوّه بكلمة. كيف يجوز أن يحصل لي هذا بعد كل تلك السنين من التفاني والعطاء؟ كنت أظن أنني محبوبة من رئيسي ومن الهيئة التعليمية ومن تلامذتي. ها هم اليوم يلتفون كلهم ضدي. ثم نظر إليّ والد عمر وقال لي بازدراء:
- "كيف تستغلّين ولد قاصر، فقط لإرضاء شهواتك الشاذة؟ كوني شاكرة لهذا الملاك الذي لم يشأ أن يخبر الشرطة . لكن كوني أكيدة أنك لن تقتربي من أيّ ولد بعد اليوم وسأعمل كل ما بوسعي للتأكد من ذلك."

وقبل أن أغادر مكتب المدير قلت لهم:
- "لا بد من أن تظهر الحقيقة. أنا واثقة من ذلك. وعندها كونوا على يقين أنني سأشتكي عليكم جميعاً أمام القانون وأطلب تعويضاً مادياً ومعنوياً. لن يكفيكم الاعتذار!"

شعرت بأن المدير توتر لدى سماع ذلك وساروته الشكوك في أن أكون أنا المذنبة. لكن سرعان ما قال لي والد عمر:
- "أنت تراوغين. لدينا دليل قاطع وهي الصورة. لن تقنعيننا بعكس ذلك!"

خرجت من مكتب المدير لجلب أمتعتي. لم أكن أبكي، ربما لشدة غضبي. كما أنه لم يأتي أحد من زملائي لمواساتي، الأمر الذي أحزنني كثيراً. تركت المدرسة دون أن أنظر ورائي، ولمَ أفعل. فالجميع تخلّى عني، ولم يأتي أحد لسماع ما لدي لأقوله أو سمح لي بالدفاع عن نفسي.

ذهبت فوراً إلى بيتي في الريف. بعثت لأهلي خبراً بأنني أقوم بتجهيز محاضرة وأنني بحاجة للهدوء كي أتمكن من الكتابة. هناك استطعت أن أبكي قدر ما أشاء. بعد ذلك، نظرت إلى الأمور بموضوعية وقررت أن أمارس مهنة أخرى حتى ولو كلّفني ذلك أن أبدأ من الصفر.

كان قد مرّ شهرٌ على الحادث حين وصلتني رسالة على هاتفي: "إصبري قليلاً"، ثم أخرى: "لا تفقدي الأمل". حاولت معرفة صاحب هذه الرسائل لكنني لم أستطع. فعندما طلبت الرقم لم أحصل على إجابة. بقيت تصلني الرسائل كل يوم بانتظام وكلها تحمل معانٍ إيجابية وتقول لي أن كل شيء سيكون على ما يرام. إلى أن تلقيت ذات يوم اتصالاً من مدير المدرسة. تعجبت عندما رأيت رقمه على شاشة الهاتف وفكرت لوهلة أن لا أجيب، فأنا لم أكن أريد سماع الشتائم والاتهامات خاصة أنني قررت المضي قدماً ونسيان هذه الحادثة المشينة. في النهاية، أجبت. فقال لي بصوت خجول:
- "آنسة نادين..."
- "ماذا تريد؟ ألا يكفيك ما فعلته بي؟ أتريد أن تهينني بعد؟"
- "لا، لكن لدينا مشكلة في المدرسة."
- "وما ذنبي أنا؟ هل هناك تلميذ آخر يدعي أنني استغليته جنسياً وتريد إيجاد المذنب؟"
- "لا... لا... ولكن تلاميذك يرفضون دخول صفوفهم."
- "أي تلاميذ؟ أيّ صف تتكلم عنه؟"
- "كلهم! كل الصفوف من الحضانة وحتى الصفوف الثانوية. وهذه مشكلة كبيرة! بدأوا الاعتصام منذ بعضة أيام، اعتقدنا أننا قادرون على احتواء الأمر لأن عددهم كان قليل لكن اليوم جميع التلاميذ أصبحوا خارج صفوفهم."
- "وماذا يريدون؟"
- "يريدون عودتك ويقولون أن لديهم إثبات على براءتك وسيقدّمونه إذا جئت إلى المدرسة."
- "لن أذهب إلى أي مكان! هذا شأنك أنت، أنا مفصولة، أو أنك نسيت الأمر؟ أنا مغتصبة أطفال ومنحرفة." وأقفلت الخط في وجهه.

عاد واتصل بي في اليوم الثاني والثالث. كان على حافة الانهيار:
- "إفعلي هذا من أجلهم، وليس من أجلنا!"

قبلت الذهاب لأنني أحب التلاميذ ولا أريدهم أن يبقوا خارج صفوفهم. عندما وصلت إلى المدرسة، وجدت مئات التلاميذ واقفين في الملعب وعلى مداخل الصفوف. ثم صرخ أحدهم:
- "لقد جاءت! جاءت!"

وصرخ الجميع بدورهم وركضوا لملاقاتي. كادوا أن يوقعونني إلا أنني كنت سعيدة بكل هذا الحب. ثم جاء شاب من الصف الذي كنت أقوم بتدرسيه وطلب من الجميع السكوت. ثم قال:
- "آنسة نادين، لم يصدق أحد قصة عمر، فأنت معلّمتنا، نحن نعرفك تمام المعرفة وفوجئنا عندما علمنا أنك مظلومة وهذا الاعتصام لم يُنظم فقط من أجل عودتك بل أيضاً لإثبات براءتك. كل شخص يعرف عمر يدرك أنه كسول ومدّع وكاذب. فالأمر منذ بدايته بدا لنا واضحاً. على الرغم من أن خطته كانت محكمة جداً، نسي عمر أنه أخبر بعض أصدقائه بالأمر قائلاً لهم: "سترون كيف أُجبرها على إعطائي أسئلة الامتحان، وإذا رفضت سأنتقم منها وأسبب بطردها. أنا عمر وأحصل دائماً على ما أريد". وكان قد أرسل رسائل على هواتف أصدقائه يخبرهم بمجرى الخطة. وها هم موجودون هنا ليشهدوا. نحبك كثيراً آنسة نادين ونأسف لما حصل لك. عودي إلينا!"

نظرت إلى المدير وقلت له مع ابتسامة عرضة:
- "أنصحك بأن تتصل بمحاميك لأن عودتي ستكلّفك غالياً!"

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button