مَن كانت زوجتي بالفعل؟ في نظري، كانت وردة امرأة شابّة تتحلّى بالجمال والدّلَع و... وماذا أيضًا؟ للحقيقة، لا شيء آخَر. فباستثناء توافقنا التام بالأمور الحميميّة، هي لَا تتحلَّى بمزايا أخرى. هل رأيتُها مُهتمّة بشيء سوى نفسها، أعني هوايات أم أعمال خَيريّة أو حتّى الاهتمام ببَيتها أو بي؟ للحقيقة، لا. وماذا عن عمَلها؟ صُعِقتُ عندما أدركتُ أنّني لا أعرفُ الكثير عن ذلك الموضوع، عدا أنّها تذهب في الصباح إلى شركة تجاريّة تقومُ فيها بدور المُحاسِبة، لكنّني لَم أسمَعها تتكلّم عن الذي حدَث معها خلال اليوم مع الزملاء أو العملاء، فكلّ ما كانت تقوله في فترة تواعدنا أو بعد زواجنا هو: "أنا تعِبة". حتّى بالنسبة لِراتبها، لَم أكن أعلَم بالتحديد كَم هو، لأنّني لَم أرِد أن أبدوَ وكأنّني أحاسبُها على ما تجنيه، كَوني رجُلًا مسؤولًا عن المصاريف المُتوجِّبة عليّ. بكلمة، كانت وردة إنسانة أنانيّة وغامِضة، بالنسبة لي على الأقلّ. لِذا قرّرتُ أن أعرِف المزيد لأفهَم زوجتي وأعلَم إن هي كانت إنسانة صادِقة أو لا.
ومَن بإمكانه معرفتها أكثر مِن أهلها؟ وبما أنّه كان مِن المُستحيل عليّ التحدّث مع أمّ وردة مِن دون أن تُثير تلك المرأة غضَبي بِكلامها الجارِح واستهزائها الدائم بي، قرّرتُ أن أقصد الأب، وهو رجُل هادئ وصامِت. إنتظرتُ يوم كانت الأم غائبة لأزورَ حمايَ، بحجّة أنّني أُريدُ استشارته في ما يخصّ البيت الذي كنتُ ووردة نُريدُ شراءه بعد فترة، فالجدير بالذكر أنّه كان مُهندِسًا قَبل أن يتقاعد. فرِحَ أب وردة بي، ورأيتُه لأوّل مرّة يبتسِم ويتصرَّف بارتياح، ربّما لأنّه كان لوحده في البيت. جلَسنا سويًّا، وتطرّقتُ لِموضوع البيت، ثمّ نقَلتُ للحديث عن وردة بطريقة جدًّا طبيعيّة، وسألتُه:
ـ عمّي... أخبرِني عن وردة... كيف كانت وهي صغيرة؟ ولماذا لَم تأتِ وزوجتكَ لها بأخ أو أخت؟
ـ وردة... فتاة جميلة ومنذ ما وُلِدَت، واستحَقَّت بالفعل اسمها. أرَدتُ ولَدًا آخَر، إلّا أنّ زوجتي قالَت إنّنا لن نُنجِب أفضَل مِن وردة، فلِما المُحاولة؟ لكنّها في الحقيقة لَم تكن تُحِب الأولاد لأنّهم يتطلّبون اهتمامًا كبيرًا، إهتمامًا اعتبَرت أنّه كان مِن حقّها هي. في الفترة الأولى، كنتُ الذي يهتمّ بوردة لوحدي، فالأولاد بحاجة إلى مَن يرعاهم ويوجّهُهم، لكن بعد بضع سنوات، قرّرَت زوجتي أخيرًا لَعِب دور الأمّ، فاستحوذَت على وردة تمامًا وكبّرَتها على طريقتها، ومُنِعتُ مِن التدخّل بشيء في ما يخصّ ابنتنا. ومع الوقت، صِرتُ رجُلاً غريبًا وسط امرأتَين تتصرّفان وكأنّني غير موجود سوى لِجلَب المال. وهكذا حوَّلَت زوجتي ابنتها إلى صورة مُطابِقة لها.
أعترِف أنّني خفتُ لدى سماع كلام حمايَ، ربّما لأنّني كنتُ أعلَم أنّه يقول الحقيقة، حقيقة لَم أكن في البدء أريدُ معرفتها. فسألتُه:
ـ لماذا يا عمّي سمَحتَ لذلك أن يحصل؟ فأنتَ رجُل عصاميّ وناجِح!
ـ لأنّني انكسَرتُ أمام زوجتي بطريقة تامّة ونهائيّة.
ـ ماذا تقصد؟
ـ لا أدري إن كان عليّ التكلّم معكَ في هكذا أمور يا بنَيّ... أمور دقيقة وحميمة.
ـ تكلّم يا عمّي، فنحن رجلان ناضِجان.
ـ حسنًا... كانت لدى زوجتي قدرة على إقناعي بأيّ شيء وإسكاتي بـ... بطرُق خاصّة وحميمة في غرفة نومنا، وأعترِف أنّني كنتُ ضعيفًا أمامها، حتّى عندما... عِدني بأنّكَ لن تفشي هذا السِرّ!
ـ أعِدُكَ يا عمّي، تابِع مِن فضلكَ!
ـ حسنًا... فيوم سامحتُ زوجتي على خيانتها لي، فهمتُ أنّني خسِرتُ رجوليّتي إلى الأبد.
ـ ماذا؟!؟ أعذرني يا عمّي، تابِع، أرجوكَ.
ـ لا أدري لماذا أقولُ لكَ هذه الأمور... ربّما لأنّني كبتُّها في قلبي لِسنوات. على كلّ الأحوال، أنتَ بمثابة ابن لي، فلا مُشكلة في التكلّم، أليس كذلك؟
ـ بالطبع!
ـ علِمتُ ذات يوم أنّ زوجتي على علاقة مع رجُل آخَر، فواجهتُها وهدَّدتُها بتطليقها، إلّا أنّها نكرَت وحاولَت إقناعي بأنّني مجنون وأتخيَّل أمورًا غير موجودة، إلى أن أقنعَتني بأنّها بريئة تمامًا، لِتنقلِبَ ضدّي وكأنّني أنا مَن أخطأتُ، وامتنعَت عن مُعاشرتي لفترة طويلة لمُعاقبتي، الأمر الذي لَم أتحمَّله. إنتهى المطاف بي وأنا أعتذِر منها لاتّهامها بالخيانة، مع أنّني كنتُ، على الأقلّ في البدء، واثِقًا مِن الأمر. فهي تتحلّى بقدرة هائلة على الإقناع، ولَم أعُد أثِق بقدرتي على التمييز بين الحقائق. وفي آخِر المطاف، وجدتُ أنّ مِن الأفضل أن أكذِب على نفسي وأُصدِّقها. أعذرني إن كنتُ قد تكلّمتُ عن تلك الأمور.
ـ بالعكس يا عمّي، بالعكس.
ـ هل أبدو لكَ رجُلًا ضعيفًا وعديم الشخصيّة؟
ـ تبدو لي رجُلًا أسير شيطان لَعين! أحترِمُكَ منذ الأوّل لِحدّ كبير ولَم يتغيّر رأيي بكَ. فالرجُل يكون أحيانًا ضعيفًا أمام إغراء نساء بلا ضمير، وصدّقني حين أقولُ لكَ إنّني أعرِف عمّا أتكلّم!
ـ يا إلهي... أنتَ أيضًا؟؟؟ هل أنّ وردة...
ـ لستُ واثِقًا بعد، لكن عليّ أن أتحقّق مِن الأمر. وحديثي معكَ قد يمنعُني مِن أن "أنكسِر" لِوردة. شكرًا يا عمّي!
بعد ذلك، طلبتُ مِن مُديري في العمَل أن يأذَنَ لي بِترك وظيفتي قَبل ساعة مِن انتهاء الدّوام، وبدأتُ أُراقِب زوجتي عن بُعد. ركَنتُ سيّارتي في مكان غير مرئيّ وصبِرتُ، فكان عليّ أن أعلَم ما يدور. فقد كان مِن الواضح أنّ لِوردة عشيقًا، ولن يُقنعِني أحَد بعد حديثي مع عمّي، أنّني كنتُ أحلَم حين سمِعتُ زوجتي تتكلّم على الهاتف مع رجُل آخَر، لأنّ تصرّفها معي كان مُطابِقًا لتصرّف أمّها مع زوجها.
في البدء لَم أنتبِه لِما يجري، فكل ما رأيتُه خلال مُراقبتي كان أنّ وردة تخرجُ مِن عمَلها بصحبة زملائها وزميلاتها، فيتحدّثون لبضع دقائق مع بعضهم ثمّ يدخلُ كلّ منهم في سيّارته قَبل أن يرحلوا إلى جهات مُختلفة. إلّا أنّني لاحظتُ أخيرًا أنّ أحدَهم، وهو شابّ طويل القامة ووسيم، كان يقِف دائمًا إلى جانبها، بينما يتغيّر مكان الآخرَين في كلّ مرّة. ثمّ رأيتُ كيف ينظران إلى بعضهما قَبل ثوانٍ مِن افتراقهما، ففهِمتُ أنّ شيئًا يدورُ بينهما.
وفي إحدى المرّات، وبعد أن رحَلَ كلّ الموظّفين بمن فيهم زوجتي وذلك الشابّ، دخلتُ الشركة وقلتُ لِموظّف الأمن: "أحَد الموظّفين صدَمَ سيّارتي في الموقف... شابّ طويل ووسيم لدَيه سيّارة صغيرة وسريعة." وأكمَلتُ وصفه وسيّارته للرجُل الذي أجابَ بسرعة: "إنّه زاهي، أجل، زاهي". شكرتُ الموظّف بعد أن أضَفتُ أنّ الأمر بسيط، وقد لا أُطالِب زاهي بتصليح الصدمة. عُدتُ إلى البيت وبسمة على فمي، فكَم هو مُريح للمرء أن يعرفَ أنّه لا يتخيّل الأمور!
عدتُ إلى البيت لأجِد وردة جالِسة على الأريكة والهاتف بين يدَيها، فسألتُها إن كان بإمكاني استعارته لأنّ هاتفي لا يعمَل، فرفضَت قطعًا بحجّة أنّ هاتفها هو ضمن الأمور الخاصّة بها. عندها قلتُ لها:
ـ ألأنّكِ لا تُريدين أن أرى مُحادثاتكِ مع زاهي؟
ـ زاهي؟ ومَن يكون؟
ـ زميلكِ في العمَل، هو نفسه الذي كنتِ تتكلّمين معه حين كنتُ نائمًا في تلك الليلة.
للحقيقة ذكرتُ اسم زاهي لرؤية ردّة فعلها، فلَم يكن لدَي دليل حسّيّ، بل فقط شبهات. لكنّها أجابَتني على الفور:
ـ كنتَ تحلم يا عزيزي، وزاهي هو فقط زميل لي... وليس لدَي ما أُخبِّئه لكنّ هاتفي هو خطّ أحمَر. ولا أُحِبّ طريقتكَ بالتعامل معي، على الاطلاق! هل بدأتَ تفقِد عقلكَ؟!؟ أظنّ أنّ مِن الأفضل لو تنام الليلة على الأريكة، ولا تنتظِر منّي أيّ تقارب جسديّ إلى حين تُقدِّم لي اعتذارًا صادقًا!
ـ لا، يا سيّدتي، لن أنامَ على الأريكة، فلدَيّ غرفة نوم جميلة وسرير مُريح. يُمكنُكِ أنتِ النوم على الأريكة إن شئتِ.
نظرتَ وردة إليّ بتعجّب تام، وتلبّكَت كثيرًا لأنّها لَم تنتظِر ردّة فعل كهذه، ثمّ أضَفتُ:
ـ ولا تنتظري منّي أن أُحضِّر الفطور بعد اليوم، أو أن أقومَ بأيّ شيء آخَر طالما لا تتصرّفين كزوجة وفيّة وسيّدة منزل. نومًا هنيئًا!
لَم تنَم وردة على الأريكة، بل هي ذهَبت على الفور إلى أهلها وأنا لَم أزعَل، بل نمتُ نومًا عميقًا في تلك الليلة. لكن كان عليّ أن أتأكّد مِن شكوكي، كَي لا يأتي يوم وتُقنِعني زوجتي بأنّني ظلمتُها. ففي اليوم التالي رحتُ أنتظِر زاهي أمام الشركة، وحين هو كان على وشَك الصعود في سيّارته، قلتُ له مِن دون مُقدِّمة:
ـ أعرفُ الحقيقة... أعرِفُ ما يدورُ بينكَ وبين وردة. لا بدّ أنّها أخبرَتكَ بما جرى البارِحة، أليس كذلك؟
ـ لا أعرِف عمّا تتكلّم سيّدي. دَعني أذهب.
ـ لا تخَف، لن أؤذِيكَ، فلَم آتِ لأتشاجَر معكَ. مَن يريدُ زوجة خائنة على كلّ الأحوال؟ يُمكنكَ الاحتفاظ بها إن شئتَ!
ـ أنا أيضًا مُتزوِّج ولا أُريدُها... كانت مُجرَّد نزوة ولا أكثر. أنا آسِف سيّدي، لكنّ وردة عرَفَت كيف تُقنِعني، فلدَيها أساليب...
ـ أعلَمُ ذلك.
ـ هل ستُخبِر زوجتي بالأمر؟!؟ أرجوكَ ألّا تفعل!
ـ لا دَخل لي بحياتكَ الشخصيّة. عُد إلى زوجتكَ وانهِ علاقتكَ بوردة، فالخيانة هي إثم كبير. شيء آخَر، إبعَث الآن أمامي رسالة إلى وردة لتقولَ لها إنّنا واقفان سويًّا ولقد اعترفتَ لي بالحقيقة. وقُل لها على لساني إنّني سأبعَث لها أمتعتها والمال الذي دفعَته لِشراء البيت... وأوراق الطلاق! هيّا، إمتثِل!
فعَلَ زاهي ما طلبتُه منه فرحَلتُ وأنا أبتسِم. لا، يا وردة، لن تحوّليني إلى شبيه لأبيكِ! فالحبّ لا يعني أن نقبَل بالإهانة والكذِب والخيانة! حاولَت أم وردة أن تُعيدَ لي ابنتها، وأمام رفضي القاطِع، هي شتمَتني وأهانَتني بطريقة سوقيّة بشِعة. ضحِكتُ عاليًا وأجبتُها: "خذَلَتكِ ابنتكِ؟ تلميذة فاشِلة، أليس كذلك، جِدي لها مُغفَّلًا آخَر وبسرعة، قبَل أن تبقى عندكِ حتّى آخِر أيّامكِ. هنيئًا لكِ بها!".
إرتاحَت أمّي كثيرًا يوم طلّقتُ وردة، لأنّها كانت تتألَّم مِن أجلي بصمت. بقيتُ أجمَع المال لِشراء بيت أحلامي... وجلَبتُ كلبًا جميلًا وظريفًا ليُعطي دفئًا لِقلبي. بعد فترة، قبِلتُ أن تجِد لي والدتي عروسًا تُشبهُني بتربيَتها ومبادئها، وتمَّ اختيار صبيّة آتية مِن عائلة مُحِبّة ومتوازِنة وابنة سيّدة خلوقة وهادئة. فالبِنت سرّ أمّها، باستثناء بعض الحالات طبعًا.
اليوم أنا زوجٌ سعيد، ولدَيّ طفل جميل ونعيشُ سعداء في بيت أحلامي مع كلبنا العزيز. أمّا بالنسبة لوردة، فهي مخطوبة الآن لِرجُل ثريّ يعيشُ في الخارج، أيّ أنّه لا يعرفُ بعد ما ينتظرُه، المسكين! لا أزال على تواصل مع أب وردة، وصِرنا مُقرّبَين جدًّا، ولن أشكره كفاية لأنّه فتَحَ لي قلبَه وعَينَيّ في آن واحِد.
حاورته بولا جهشان