كيف علمتُ أنّ زوجي سامر تركَني؟ من مخابرة أجراها معي من المطار قبل دقائق من رحيله إلى بلد بعيد. فقال لي بكل بساطة:
- أنا في المطار
- في المطار؟ إلى أين ؟ لم أكن أعلم أنّ لديكَ سفرة!
- أنا في المطار وأنا راحل... دون رجعة. لم أعد أريدكِ أو أريد الأولاد... لم أعد أريد هذه الحياة كلّها...
- أليس الوقت مبكراً للمزاح؟ أين أنتَ؟
- أنتظر الطائرة... سأرحل مع صديقة لي... هي تفهمني ومعها كل شيء أبسط... لا إلتزامات ولا واجبات...
- لا أفهم ما الذي تقوله... سنتكلّم بالموضوع على الغداء.
- لن أرجع إلى البيت أو حتى إلى البلد كلّه.
وأقفل الخط ورحل.
جلستُ في المطبخ أحاول إستيعاب الأمر وفظاعته. لم أفكّر بنفسي، بل بالأولاد وبالذي سأقوله لهم عندما يعودون من المدرسة. كيف كنتُ سأخبرهم أنّ أباهم تركهم من أجل إمرأة وغادر من دون رجعة؟ بكيتُ مطوّلاً، ثم مسحتُ دموعي وإتصلتُ بصديقتي الحميمة لأخبرها بالذي أصابنا. لم ألجأ إلى أمي إلا بعد حين، لأنّها لم تحبّ سامر يوماً ولطالما نبّهتني منه وبالطبع لم أسمع منها.
لم تحبّه، لأنّه منذ اللقاء الأوّل، أبدى تجاهها تجاهلاً قريباً من قلّة التهذيب. بالكاد ألقى عليها التحيّة، ثم أدار وجهه ولم يتكلّم معها بل مع الأشخاص الباقين. عندما سألتُه لاحقاً لماذا فعَلَ هذا، أجاب أنّه لا يريد أن تتدخّل حماته المستقبليّة بحياته الزوجيّة وكان عليه أن يضع حدّاً لها من البداية. لم أكن مسرورة بتصرّفه هذا ولكنني قبلتُ به. حاولتُ أن أبرهن لوالدتي أنّ سامر إنسان لطيف ومحبّ ولكنّها لم تقتنع ونصحتني بألا أتزوّجه. ولكنني بقيتُ مصّرة وللأسف لم أعمل بنصيحتها. وبعد زواجنا بقليل، إتصلَت بي أمّي وقالَت لي أنّ زوجي يواعد بإنتظام إمرأة غيري وأنّها علِمَت بالأمر من جارتها، التي تكون قريبة تلك المرأة. غضبتُ من والدتي كثيراً، لأنني إعتقدتُ أنّها تحاول تخريب زواجي، فقط لأنّها لم تحب سامر وطلبتُ منها عدم التدخّل بحياتنا.
لا بل قاطعتُها لفترة لكثرة إمتعاضي منها. وبالطبع كانت محقّة، فزوجي كان ومنذ الأوّل، خائن غشاش يركض وراء نزواته دون أن يحاول حتى أن يختبئ. وأنا لكثرة سذاجتي، كنتُ أعتقد انّه رجل وفيّ ومحبّ.
وأنجبتُ منه ثلاثة أولاد وأعطيتهم كل إهتمامي وعمِلتُ على تربيتهم أفضل تربية. وها هو يخبرني أنّه راحل مع عشيقته وأننا لن نراه أبداً. ومرّت الأيّام ومع الوقت تعودنا على العيش من دونه. في البدء ساعدتني أمّي، بإعطائي المال لكي نأكل وأدفع أقساط مدارس أولادي، حتى أن وجدتُ عملاً. وبعد سنة إستطعنا الوقوف على أرجلنا ولأنني قمتُ بدور الأم والأب معاً بدأ الأولاد ينسون هذا الرجل الأناني والقبيح. وبدأتُ أخرج مع فارس زميل لي في الشركة وكان محبّاً ولطيفاً. وبعد أن زارنا في البيت، أحبّ أولادي كثيراً وهم وجدوا به صورة الأب الصالح والحنون. وحظيتُ ببركة أمّي وهذه المرّة هنأتني على إختياري.
وأراد فارس أن يربط حياته بحياتي وهذا ما كنتُ أريده أيضاً ولكنني كنتُ ما زلتُ متزوّجة من سامر، فهو رحل دون أن يطلّقني. فذهبتُ إلى المحكمة لأسأل عمّا يمكن فعله في هذه الحالة، فقالوا لي أن المسألة ستتطلب وقتاً طويلاً جداً، كون زوجي غائباً ولا أحد يعلم مكان تواجده. شرحتُ الوضع لفارس وطلبتُ منه أن ينساني ولكنّه أصرّ على البقاء، لأنّه كان يحبّني ولا يتصوّر العيش من دوني. وفي هذه الأثناء ولا أدري تماماً كيف ولكنّ زوجي علِمَ بأنني أنوي الإرتباط مجدداً وشعَرَ أنني سأفلت من قبضته، شيء لا يمكنه قبوله حتى لو لم يكن يحبّني. وفي ذات نهار رجِعَ إلى البيت أثناء تواجدي في العمل. وعند عودتي وجدته جالساً مع الأولاد يلعب معهم ويقبّلهم وكأنّ شيئاً لم يحصل. ولكثرة إندهاشي، لم أستطع التفوّه بكلمة واحدة. نظَرَ إليّ بحنان وقال لي:
- حبيبتي... إشتقتُ إليكِ... وإلى أولادي... لَعِبنا سويّاً وأخبرتهم عن أسفاري... أنظري ما أتيتُ به لكِ ولهم... أنتم دائماً في بالي... وها أنا قد عدتُ...
طلبتُ حينها من أولادي أن يذهبوا إلى غرفهم وصرختُ به بأعلى صوتي:
- ماذا تظنّ نفسكَ تفعل؟؟؟ كيف تجرؤ حتى على العودة والجلوس على الأريكة وكأنّكَ لم تغادر؟
- أذكّركِ أنّ هذا ما يزال بيتي وأنتِ ما زلتِ زوجتي وهم سيبقون أولادي إلى الأبد. أنا ها قد عدتُ ولن أرحلَ مجدداً وسنفتح صفحة جديدة سويّاً... إقترفتُ خطأً كبيراً وأقرّ بذلك وأعلم أنّكِ سموحة ويهمّكِ قبل كل شيء الحفاظ على عائلتكِ... أعدكِ بأن أكون زوجاً صالحاً... أحبّكِ... لم أكفّ عن حبّكِ يوماً...
ولا أدري كيف ولماذا ولكنني صدّقته. أظنّ أن رؤيته مع الأولاد وفرحتهم به عندما جلس معهم، كان السبب الرئيسي لقبولي به. وبلّغتُ فارس بأنني لن أتزوّجه ولن أراه مجدّداً. غضِبَ كثيراً وأصابه حزناً كبيراً حمله على تركه البلد. ولكن قراري لم يكن صائباً رغم تنبيهات أمّي وكل من عرفَني وعرف سامر. فبعد بضعة أشهر، رجع زوجي إلى عادته القديمة وبدأ يخرج علناً مع نساء أخروات. وبالطبع لم يكن عندي خياراً غير القبول بالذي يحصل، فالذنب كان ذنبي وبعد أن أبعدتُ خطيبي وأمّي عنّي لم يعد لي أحداً ألجأ إليه. فسكتُّ وتحمّلتُ خياناته المتكرّرة، حتى أن جاء يوم ولم يعد إلى البيت. في البدء ظننتُ أنّ مكروهاً حصل له ولكن سرعاناً شعرتُ أنّه رحل وتأكدّتُ من إحساسي عندما إتصل بي قائلاً:
- أنا آسف... ولكنني حاولتُ... للحقيقة لا أستطيع العيش معكِ ولا مع الأولاد... أحبّكم ولكن ليس كفاية... أحبّ حرّيتي أكثر... لن أعود... كوني أكيدة من ذلك...
ولم أره مجدداً. لم يعطيني الطلاق لكي أبقى معلّقة به ولم أطلبه، لأنني لم أكن أريد رجلاً آخراً. ولم أعد أجرؤ على الحب مجدداً فمصيري كان أن أبقى وحيدة طوال عمري ككل اللوات التي تسمح لرجل كاذب وغشاش بأن يخربَ حياتهنّ.
حاورتها بولا جهشان