أيّهما عريسي؟ يوسف أم وفيق؟

 ما حدث لي بحياتي والطريقة التي تزوّجتُ بها لا تُصّدق والسبب يعود الى الجهل الموجود أحياناً في بعض المجتمعات وبالأخصّ في الضِيَع النائية حيث ولدتُ وترعرعتُ.            

كان هناك شاب بسيط العقل إسمه وفيق وكان أهله محتارين بأمره فلم يكن فالحاً سوى للأعمال البديهيّة بينما باقي أولادهم كانوا يتمتّعون بذكاء خارق وخافوا أن ينتهي به الأمر وحيداً أو منبوذاً من الجميع. فقرّروا تزويجه عالمين أن لا أحد سيقبل به وهو على هذه الحال. وخطرَ على بال أخيه الأكبر يوسف، أخاه الأكبر فكرة شرّيرة كنتُ أنا ضحيّتها . ففي يوم من الأيّام رآني يوسف في الحيّ مع صديقاتي وإختارني لأخيه الأصغر وقرّر تنفيذ مخططه فوراً فإقترب منّي بسيارته الفخمة وألقى التحيّة عليّ :

- صباح الخير يا جميلة ...أراك̗ دائماً هنا وللحقيقة جئتُ اليوم خصّيصاً لألتقي بكِ وأكلّمكِ ... أفكّرُ فيكِ دائماً ... إعذريني إن بدوتُ وقِحاً ولكن كان لا بدّ لي أن أقول لكِ هذا.

ضَحِكت صديقاتي أماّ أنا فإحمرّ وجهي خجلاً. أجبته وصوتي يرتجف:

- شكراً للإطراء ولكن من تكون؟

- إسمي وفيق وأسكن في الضيعة المجاورة .

- أنا وردة وأسكن هناك قرب العين. لم أركَ يوماً مع أنني أذهب مع أبي دائماً إلى بلدتكم وكنتُ لألاحظ سيّارة كهذه.

- هذا لأنني دائماً مشغول بالإهتمامِ بأراضينا وأقضي وقتاً طويلاً في المدينة لبيع محصولنا حتى أنني أفكرّ بالعيش هناك حين أتزوّج.

كان قد قال الكلمة السحريّة: "المدينة" التي كانت حلم كل فتاة فهناك الثياب الجميلة والسيّارات الفخمة.

ثم رَحَلَ وبقيتُ أنا أفكّر بهذا الشاب الوسيم واللطيف الذي لا يخاف من العمل الشاق.

أمّا هو ففَرِحَ أننيّ صدّقتُ أن إسمه وفيق وقرّر المضي بخطّته . وبدأ يأتي كل يوم وكنتُ أنتظرُ مجيئه بفارغ الصبر. وأصبَحَت الضيعة بأكملها تتكلّم عن هذا العريس الذي لا يفوِّتُ يوماً دون أن يرى وردة حتى أننا أصبحنا مثل أبطال القصص الرومانسيّة . ومرّ أوّل شتاء ثم جاء الربيع وقرّر يوسف أن يضرب ضربته فجاء في المساء وطلب رؤيتي على حدىً:

- وردة ... لا أستطيع الإنتظار أكثر من هذا ...أريد كِ أن تكوني زوجتي وبأقرب وقت ...

- هذا ما كنتُ أريد سماعه منكَ ولكن هناك تحضيرات وعليَكَ أن تكلمّ أهلي رسميّاً.

- إنسي التحضيرات وإنسي الأهل... نحن ناضجان ولا نحتاج موافقة أحد. إلاّ إذا كنتِ لا تريدين تمضية باقي حياتِك معي ... أنا أريد فتاة قويّة وعصريّة فلا تنسي أنني أرتاد دائماً الى المدينة وإعتدتُ على عقليّة هناك.

ثم سكَتَ بضعة ثوان وأكمل:

- لا أعتقدُ أنَّكِ مناسبة لي... الأفضل أن أذهب الآن...

عندها صرختُ :

- لا! لا تذهب! ماذا تريدني أن أفعل؟

- أريدكِ أن تأتي معي الآن. سنطلب منهم إرسال أغراضَكِ لاحقاً عندما تصبحين زوجتي.

فكرّتُ قليلاً ثم صعدتُ بسيّارته وأخذني عند خالته حيث قضيتُ الليلة.

وفي الصباح الباكر جلبوا لي فستاناً أبيضاً لم يكن على مقاسي ووضعوا طرحة طويلة على رأسي وبعض المساحيق على وجهي وأخذوني بالسّيارة إلى الكنيسة. لم أكن مرتاحة للوضع فلطالما حلِمتُ بعرس كبير محاطة بأهلي وأصدقائي وها أنا أَتزوّج بسرعة ومن دونِ أحد. ولكن فكرة الزواج من حبيب قلبي طَغَت على كل مخاوفي.

دخلتُ كنيسة شبه فارغة فلم يكن هناك سوى بضعة أشخاص من عائلة عريسي وكان هو بإنتظاري مع الكاهن وعندما إقتربتُ منهما إنسحبَ وأخذ محلّه شاب لا أعرفه .

سألتُ الكاهن:

- من هذا الرجل وأين وفيق؟

أجابني بإستغراب:

- هذا هو وفيق... ألا تعرفين عريسكِ؟

ونظرتُ إلى الرجل الذي كنتُ أواعده منذ أشهر فرأيته يبتسم ثم نظرتُ إلى الرجل الواقف إلى جانبي وعلمتُ فوراً من ملامحه أنّه إنسان بسيط.

وعندها صرختُ للكاهن:

- لقد غشّوني! أنا لم أرَ هذا الشَخص من قبل بل كنتُ أواعد ذلك الواقف هناك وقال لي أنّ إسمه وفيق وطلب منّي الزواج خطيفة.

أوقف الكاهن مراسيم الزواج على الفور وطلب أن يتحدّث إلى يوسف على إنفراد وكان صراخهم يُسمع من وراء الباب.

ثمَّ خرجا ورأيتُ الغضب على وجهيهما. أمّا وفيق الحقيقي فلم يكن مدركاً ما كان يحدث وكان مشغولاً بربطة عنقه ومبهوراً ببذّته الجديدة.

وقال لي المحترم:

- يا إبنتي... لن أسمح بزواجِكِ من هذا المسكين وفيق فهو لا يدري حتى لما هو هنا ولأنك ضُلّلتِ وبما أنّكِ خرجتِ من منزل أبويكِ أرى أن الحل هو أن تقبلي بهذا الغشاش يوسف. بالطبع لا أنصحكِ به ولكن هذه هي الطريقة الوحيدة لإنقاذ سمعتكِ.

أخذتُ بضعة دقائق لأفكّر بالأمر ثم أجبتُه:

- لن أعود إلى البيت عزباء فلو قبِلَ بي والديّ ستبقى عند أهل الضيعة شكوك ولن أتزوّج من محتال لَعِب عليّ دور العاشق فكيف لي أن أعلم حقيقة مشاعره؟ لذا أُفضّل إنساناً بسيطاً على الأقل هو صادق ببساطته.

وهكذا تزوّجتُ من وفيق والحزن في قلبي. لم يكن زواجاً بكل معنى الكلمة فالمسكين لم يكن يعلم شيئاً عن الأمور الزوجيّة ولكن كان يساعدني في المنزل ويضحكني بحركاته.

 وربما لتقصير مدّة عذابي ولأنّ ذنبي والوحيد هو أنني أحببتُ كذّاباً شاء القدر أن يلقى زوجي حتفه بعد سنة حين وقع في الوادي. حزنتُ كثيراً عليه ولبستُ الأسود إحتراماً له وإنتقلتُ مجدداً إلى ضيعتي حيث إستقبلوا الأرملة المفجوعة بأذرع مفتوحة.

لا أحد يتحدّث عن زيجتي أو على الأقل ليس أمامي ولكن أنا متأكّدة أنّهم يدركون أنني لو كنتُ أعيش في مكان آخر لَعُدتُ في ذاك النهار المشؤوم من الكنيسة في دون أن يكون عليّ أن أختار إنساناً بسيطاً لأنفقظ سمعتي.

 حاورتها بولا جهشان          

المزيد
back to top button