بعدما وقعتُ عن السلّم وكسرتُ ركبَتي جلستُ حزيناً في البيت أنتظر أن تتحسّن حالتي التي كانت دقيقة وتستلزم الراحة التامة. وبالطبع أخذتُ إجازة مرضيّة وجاء جميع زملائي لزيارتي وكذلك الأقارب والأصدقاء. ولكن سرعان ما وجدتُ نفسي وحيداً خاصة خلال النهار بعد ذهاب زوجتي إلى عملها وأولادي إلى مدرستهم. ولكي أسلّي نفسي، إستعرتُ مِن صديقي منظاراً وبدأتُ أراقب الطيور التي كانت تأتي مِن الشجر المجاور إلى حافة شرفتي ثمّ تعود لتحلّق عالياً. ولكن سرعان ما سئمتُ مِن مرقابة العصافير ووجدتُ أنّ مراقبة الناس مسلّي أكثر. وبالرغم أنّني كنتُ أدرك تماماً أنّ ذلك لا يجوز وأنّ للآخرين حياة خاصة عليّ إحترامها، فلم أتردّد على النظر إليهم واحداً تلو الآخر. وقلتُ لنفسي أنّني سأتوقّف عن ذلك في حال رآني أحد وطلبَ منّي ذلك. ولكنّ هذا لم يحصل فلم يتصوّر أحد أنّ محامياً محترماً مثلي قد يتجسّس على جيرانه.
أمّا زوجتي وأولادي فلم يكونوا على علم بهوايَتي الجديدة لأنّني كنتُ أخفي المنظار قبل عودتهم وأتظاهر أنّني غارق بالقراءة. وبعد فترة غير طويلة أصبحتُ على علم بِتحرّكات سكّان الحيّ فرداً فرداً لأنّ للناس عادات لا يغيّرونها إلاّ نادراً. ولكن كانت هناك شقّة تستقطب إنتباهي أكثر مِن الأخروات لأنّ جِنان كانت تسكن فيها. وكانت تلك المرأة جميلة جدّاً وكنتُ كلّما ألتقي بها في الشارع أو عند أحد التجّار أشعر بإنجذاب كبير نحوها. وكان هذا الإعجاب مِن طرف واحد لأنّها لم تُعِرني يوماً أي إهتمام رغم وسامتي وأناقتي. ورددتُ هذا التجاهل إلى حبّها ووفائها إلى زوجها خاصة أنّهما كانا قد تزوّجا مِن فترة قصيرة ولا يزالا في فترة حبّ عميق.
وبعد حادثتي وقضائي ساعات طويلة أمام الشبّاَك، إرتأيتُ أنّها فرصة جيّدة لأرى كيف كانت تقضي جارتي الجميلة أيّامها. وهكذا علمتُ في أيّ وقت تستفيق ومتى يذهب زوجها إلى العمل وكيف كانت تبدأ بالأعمال المنزليّة والطهو ومَن مِن صديقاتها كانت تأتي لزيارتها قبل أن يعود الرجل إلى منزله ويجلس معها ويأكلان سويّاً. وزادَ إعجابي بتلك المرأة لأنّ إلى جانب جمالها كانت ربّة منزل كاملة ومتفانية وتمنيّتُ ضمنيّاَ لو كانت زوجتي أنا. فحياتي الزوجيّة لم تكن كما كانت تبدو للعيان بسبب تفارق كبير في وجهات النظر مع زوجتي ومشكلة كبيرة في التواصل معها.
ومع مرور السنين تعلّمتُ أن أسكت تجنبّاً للشجار والمحادثات التي لن تؤدّي إلى شيء وفضّلتُ التركيز على العمل لنسيان حياة عاطفيّة وجنسيّة شبه معدومة. ورغم قلّة سعادتي لم أفكرّ يوماً بالخيانة لأنّ ذلك لم يكن مقبولاً بالنسبة لي ولا حتى في الطلاق وذلك مِن أجل أولادي الذين كانوا عزائي الوحيد. لِذا لم أرَ ضرراً في أن أحلم بأن جِنان تحبّني بدلاً عن زوجها طَالما كان ذلك نسيج خيالي فقط.
ولكن في ذاك يوم رأيتُ جِنان توضّب حقيبة وبدأ قلبي يدقّ مِن الخوف فلم أعد قادراً على العيش ولو يوماً واحداً مِن دون أن أراها. ومِن ثمّ أخذَها زوجها بسيّارته وعادَ مِن دونها. كنتُ قد نظرتُ جيّداً إلى ملامحهما فلم أرَ أيّ دليل على غضب ما بل كانا يضحكان ويتكلّمان بشكل طبيعي. فإستنتجتُ أنّها ذاهبة عند أحد أقاربها لقضاء فرصة ما وأنّها ستعود إليّ. ولأنّني لم أكن أعلم متى ستعود بقيتُ أشدّد في مراقباتي على منزلها آملاً أن تطلّ عليّ مجدّداً.
وفي اليوم التالي على رحيلها تفاجأتُ بالزوج يعود إلى منزله قبل موعده المعتاد برفقة إمرأة شقراء لم أرَها مِن قبل عندهم. كانت ترتدي معطفاً طويلاً ونظّارات شمسيّة ما يدل على رغبتها في الإختباء ودخلا فوراً إلى غرفة النوم وأقفلا الستائر. وصحيح أنّني لم أستطيع رؤية شيء ولكنّني علمتُ ما كان يفعلان في الداخل. وبقيتُ مسمّراً أراقب أيّ تحرّك لمدّة ساعة قبل أن تخرج المرأة بسرعة مِن الغرفة ومِن ثمّ مِن الشقّة لتختفي عن أعيُني بعدما وصَلَت آخر الشارع. كنتُ جدّ غاضب مِن الزوج لأنّه كان يخون جِنان ويتظاهر أنّه يحبّها وإنتظرَ حتى غابَت لِيَجلبَ عشيقته إلى المنزل ويمارس الحب معها على السرير الزوّجي. ولو لم تكن رجلي مكسورة لقصدتُه ووبّختُه شارحاً له أنّ زوجته إنسانة رائعة يتمنّاها أيّ رجل. ولكنّني كنتُ أسير كرسيّ ولم أكن أستطيع فعل أي شيء سوى النظر إلى ما كان يحدث.
وفي اليوم التالي وفي نفس الموعد عادَت المرأة وعاودا ما فعلاه قبل يوم ما زاد مِن إشمئزازي وإستنكاري. ورجعَت جِنان في اليوم الثالث وعانقَها زوجها وقبّلَها بحرارة ممثّلاً دور العاشق المشتاق. هززتُ رأسي بحزن وتمنيّتُ أن تكون هذه نزوة عابرة وأنّه سيستوعب بِسرعة مدى روعة زوجته. وفي هذه الأثناء تحسّنَت حالتي وبدأتُ أمشي على ركائز خاصة وقرّرتُ أنّه حان الوقت لأعود إلى عملي وتأسّفتُ أنّني لن أعود قادراً على متابعة أحداث حياة جارتي التي اصبحَت جزءً مِن حياتي وتفكيري.
وبما أنّني لم أكن قادراً بعد على القيادة طلبتُ مِن زوجتي أن توصلَني في طريقها إلى عملي وأن تأخذني منه. لم تُسَر لهذا الخبر لأنّها لم تكن تريد أن تغيّر مسارها خوفاً مِن أن تتأخرّ على دوامها ولكنّني أقنعتُها بأن ذلك سيوفرّ عليّ تكاليف سيّارة أجرة وأنّني بذلك المال سأشتري لها هاتفاً خليويّ جديد كما كانت طلبَت منّي أن أفعل منذ فترة. وبدأنا نذهب إلى أعمالنا سويّاً ورأيتُ بذلك فرصة لأتكلّم معها بشأن مشاكلنا. ولكنّها وكالعادة لم تكن مستعدّة لِسماعي وأسكتَتني قائلة:"أرجوك... هذا ليس الوقت أو المكان المناسب لذلك."
وكالعادة أيضاً فضّلتُ السكوت لكي لا نتشاجر. فصارَت رحلاتنا ملفوفة بالسكوت نستمع إلى صوت المذياع لنتسلّى.
ولكن في أحد الأيّام تعطلّ المذياع وسادَ صمت رهيب في السيّارة أزعجَ كلانا وعرضتُ على زوجتي تصليحه فأجابَتني:"إفعل ما تشاء طالما هذا يسرّكَ." وأخذتُ أفحصه لأرى ما به ووجدتُ أنّ كل شيء على ما يرام فخطرَ على بالي أن أتأكّد مِن مكبرّات الصوت الموجودة في الأبواب وفي صندوق التابلوه. ولكن عندما فتحته وجدتُ بداخله شعر مستعار لونه أشقر ونظّارات سوداء. وشعرتُ بدقّات قلبي تتسارع وإستطعتُ بصعوبة لفظ السؤال الذي عرفتُ مسبقاً جوابه:
ـ ما هذا؟؟؟
نظرَت زوجتي إلى الأغراض التي كنتُ أمسكُ بها وصرخَت وكادَت أن تفتعل حادثاً. ثمّ ركنَت السيّارة جانباً وقالت:
ـ إنّها... أنّها لِحفلة تنكرّية تقيمها إحدى صديقاتي... ألم أخبركَ بالأمر؟
ـ لا...
ـ الآن صِرتَ تعلم.
وبينما كانَت تستعّد للإقلاع قلتُ:
ـ لقد رأيتُكِ عند جارنا...
ـ ماذا تقول؟
ـ أصمتي! رأيتُكِ تدخلين غرفة نومه أثناء غياب زوجته! لديّ منظار ورأيتُكِ به! إيّاكِ أن تكذبي! كم مضى مِن الوقت على علاقتكما؟
ـ مِن قبل أن يتزوّج... ولكنّها مجرّد نزوة!
ـ نزوة دامت سنتَين على الأقل؟ إلى متى ستظلّين تكذبين عليّ؟ وإلى متى كنتِ ستستمرّين بخيانتكِ لي؟ تحملّتُ مزاجكِ البشع مِن أجل أولادنا ولكنّني لن أقبل بالخيانة! خذيني إلى المنزل! هيّا!
ورفعتُ دعوى أطلب فيها الطلاق مِن زوجتي الخائنة وإنفصلنا بعدما إتفقنا على تقاسم حضانة الأولاد لكيّ نحافظ على توازنهم النفسيّ. ولكن كان هناك شيئاً بعد عليّ فعله. إنتظرتُ أن يكون جاري قد عادَ مِن عمله وأن تكون جِنان موجودة أيضاً وذهبتُ أقرع بابهما. وقبلَ أن يدعوني الرجل للدخول توجّهتُ إلى الصالون وجلستُ على الأريكة. عندها نظرَ إليّ الإثنَين بِتعجّب وقال لي الزوج بِغضب: "مَن أذنَ لكَ بالدخول؟". إبتسَمتُ وأجبتُه: "ومَن أذنَ لكَ بممارسة الجنس مع زوجتي؟".
كادَ الرجل أن يختنِقَ مِن شدّة إرتباكه وعندما طلّبَت زوجته تفسيراً قلتُ لها: "زوجكِ يخونكِ مع زوجتي... وحين تأكّدتُ مِن الأمر طلّقتُها وأنصحكِ أن تفعلي ذلك أيضاً... لا تتوقّعي منه أن يندم أو يتوب فالذي يخون امرأة مثلكِ هو غبيّ ووضيع... وإن أردتِ يوماً إيجاد مَن يعرف كيف يحبّكِ ويصونكِ فأنا أسكنُ في المبنى المقابل."
حاورته بولا جهشان