أخافَتني بدانة زوجتي (الجزء الأول)

كَم كانت أماني جميلة آنذاك! فكلّ شبّان المنطقة أرادوا الحصول عليها والزواج منها، ليفتخروا بها ويُنجِبوا منها أولادًا جميلين أيضًا. لكنّها اختارَتني أنا، ولَم أُصدِّق مدى حظّي. فالحقيقة أنّني لَم أفعَل الكثير، بل بقيتُ أتصرّف على طبيعتي، وهذا بالذات ما أعجَبَ أماني. تزوّجنا ووعدتُها طبعًا بأن أصونَها وأحبّها مدى حياتي. وبما أنّ راتبي كان كافيًا لنا، لَم أطلُب مِن زوجتي أن تعمَل لمُساعدتي، بل أردتُها ملِكة وحسب على عرش قلبي وبيتنا.

لكن بعد اقتراننا بقليل، بدأَت زوجتي تسمَن. في البدء كانت فقط كيلوات معدودة، الأمر الذي زادَ مِن جمالها وجعلَها جذّابة أكثر، إلّا أنّ وزنها بدأ يتزايَد مِن دون توقّف. وبالطبع خلتُ أنّ هناك مُشكلة صحّيّة بها، وبعد مُشاورتها، أخذتُها عند طبيبة وصفَت لها تحاليل هرمونيّة لترى إن كانت الغدَد تعمَل بشكل طبيعيّ. تغافَلتُ الأكل غير الصحّيّ الذي كانت تبتلِعه أماني على مدار النهار... وأحيانًا الليل، وعدَم مُبارحتها الأريكة الموضوعة أمام التلفاز، والهاتف الذي لَم تتركه زوجتي ولو للحظة. أيّ كلّ المُعطيات التي تجعل الانسان يفقِدُ رشاقته وقوامه.

وطبعًا جاءَت نتائج التحاليل سلبيّة، إذ أنّ لا مُشكلة في أماني... بَعد، فسُمنتها لَم تكن تُبشِّر بالخير إن لَم تتراجَع وبأسرع وقت. لَم أوذِ زوجتي كلاميًّا، بل قلتُ لها بهدوء ومحبّة إنّ عليها تغيير نمَط حياتها وإلّا أصابَتها الأمراض. لَم أقُل لها إنّ شكلها الجديد كان يُخيفُني ويُقلقُني كرجُل كَي لا أجرَح مشاعرها. لكنّني لفتُّ انتباهها إلى تأثير سُمنتها على حَملها المُستقبليّ، فكنّا ننوي انجاب ولَد أو بنت إلى الدنيا. أمّا هي، فارتمَت على علبة الجيلاتو التي كانت قد خبّأتها في الثلاجة، وأكلَتها في لحظة وهي تبكي مِمّا أسمَته "تنمّري". سكتُّ لأنّ حديثي كان على ما يبدو يقَع في آذان صمّاء، وقرّرتُ التحدّث مع أمّها.

وافقَتني حماتي الرأي، إذ أنّها لَم تعُد تتعرّف على ابنتها الجميلة التي افتخَرَت بها لسنوات، ووعدَتني بأنّها ستُقنِع أماني بالانتباه لقوامها. لكنّ زوجتي بدأّت تسمَن أكثَر يومًا بعد يوم، فسجّلتُ نفسي وأماني في نادٍ ريّاضي، وحثّيتُها على الاستعداد للذهاب معي إلى هناك لنُحافظ على رشاقتنا. لَم أستعمِل كلمات توحي بالوزن الزائد كَي لا أجرَح شعورها، وهي وعدَتني بأنّها ستلتزِم معي. للحقيقة، رافقَتني زوجتي مرّة واحدة إلى النادي، ثمّ بدأَت تخترِع الحِجَج في كلّ مرّة، إلى حين فهِمتُ أنّ لا جدوى مِن الاصرار على الموضوع. وصِرتُ أتفرَّج على تلك الصبيّة الجميلة تتحوّل إلى إنسانة ضخمة فوق التصوّر. وباتَ مِن المُستحيل عليّ الاقتراب منها بشكل حميم.

وبدَلًا مِن أن تبذُل أماني أيّ جهد لاستعادة رغبتي بها، بدأَت تشكّ في وفائي، وفسّرَت عدَم مُعاشرتي لها بأنّني أحصلُ على مُرادي خارج البيت. وبتُّ مُراقَبًا ليلًا نهارًا، وأسمَع تلمحيات مفادها أنّها تعرفُ تمامًا ما الذي أفعله سرًّا، وأنّ عليّ أن أخجَل مِن نفسي لأننّي إنسان ماكِر ووضيع! أقسمتُ لها مئة مرّة أنّني لا أخونُها على الاطلاق، فكيف لي أن أفعَل ذلك في حين لا أذهب مِن دونها إلى أيّ مكان سوى للعمَل. عندها أكّدَت لي أنّني أخونُها مع إحدى زميلاتي في الشركة، وبدأَت تُعطيني أسماءً غير موجودة. طفَحَ كَيلي للصراحة، فحياتي تحوّلَت إلى جحيم دائم، ولَم أعُد أحبّ التواجد مع أماني على الاطلاق. وكي لا أزيد مِن شكوكها تجاهي، صبَبتُ اهتمامي على الألعاب على الحاسوب التي كان مِن شأنها التمويه عن الذي أمرّ به. لكنّ زوجتي رأَت في هوايتي الجديدة سببًا إضافيًّا لاتّهامي بالخيانة، فحسَب قولها، أنا أتواصل مع نساء أخريات عبر الانترنِت.

وأمام ذلك الوضع الصعب، لَم يكن هناك مِن حلّ سوى الطلاق، فكان مِن حقّي أن أعيشَ سعيدًا. لكنّ عائلتي لَم تقِف معي، فكيف لي أن أترك زوجتي مِن أجل سُمنتها؟!؟ ألَم أكن أُحبُّها؟ لقد نسوا أن يسألوا زوجتي إن كانت هي تُحبّني بالفعل؟ فأماني لَم تقُم بأيّ جهد لانجاح زواجنا، بل العكس. إذًا لماذا صرتُ أنا السيّئ بيننا؟ ألانّني رجُل؟

لكن قَبل أن أتّخِذ قراري، حمِلَت زوجتي منّي، فوقَعَ الخبَر عليّ كالصاعقة! إذ استحالَ بعد ذلك تركها وجنينها وإلّا عذّبَني ضميري إلى الأبد. في تلك الفترة بالذات، وكأنّ القدر أرادَ أن ينصبَ لي أبشَع فخّ، جاءَت إلى الشركة موظّفة جديدة اسمها منال، وكانت بالفعل لا تُقاوَم. أنا لا أجِدَ لنفسي أعذارًا، لكن تصوّروا حالتي بعد انقطاع طويل عن مُعاشرة زوجتي، وبعد تصادمات عديدة معها حول الموضوع نفسه وعنادها على البقاء بوزنها وخمولها واندفاعها إلى الأكل مِن دون توقّف! ولَم تمضِ أسابيع قليلة حتّى صِرتُ مهووسًا بمنال، لدرجة أنّني لَم أعُد قادِرًا على نَزعها مِن بالي وأحلام أُصِفُها بالحميمة. وباتَت أماني بمثابة عثرة في درب تحقيق هذه الأحلام، خاصّة أنّ منال بادلَتني ذلك الافتتان وبدَت لي غير مُمانِعة على التعاطي معي.

وبدأت بيني وبين منال علاقة مليئة بالشغَف والكذِب على زوجتي والتخطيط للخروج في أيّ وقت مِن النهار والليل. لَم يكن الأمر صعبًا للحقيقة، فزوجتي لَم تعُد تُبالِ كثيرًا لغيابي المُستمرّ، طالما لَم أكن موجودًا لِمنعها عن الأكل، خاصّة أنّها صارَت لها حجّة شرعيّة بسبب حَملها. فلتأكل قدر ما تشاء!

مرَّت الأشهر وسمنَت أماني لدرجة غير معقولة، وأُصيبَت بداء السكّري وارتفاع في ضغط الدم، اما إستدعى في أحَد الأيّام نقلها إلى المشفى، حيث قال لها الطبيب إنّها والجنين بخطر إن لَم يخفّ وزنها وبسرعة. نظرتُ إلى الطبيب بيأس، فكَم مِن مرّة نبّهتُهاَ! فإبني، ذلك المخلوق البريء لا دخل له بشراهة أمّه. عندها أمسكتُها مِن كتفَيها وصرختُ بها:

 

ـ إن حصَلَ أيّ مكروه للجنين سأقتلُكِ بيدَيّ أيّتها البلهاء! ماذا تفعلين بنفسكِ وبي وبابننا؟!؟

 

أزاحَني الطبيب بسرعة عن أماني وأخذَني جانبًا قائلًا:

 

ـ يا سيّدي، هدّئ أعصابكَ! الصراخ ليس الحلّ ولا التهديد.

 

ـ لَم أعُد أطيقُها! كنتُ على وشك تطليقها لولا حَملها! تصوّر حياتي يا دكتور مع هكذا إنسانة!

 

ـ تحاليلها تُثبِتُ شيئًا واحِدًا وهو أنّ مُشكلتها ليست جسديّة، بل نفسيّة.

 

ـ هذا ليس مِن شأني! أُريدُ أن أعيش! لقد حاولتُ معها كثيرًا وحثّيتُها على التوقّف عن الأكل والقيام بنشاط جسديّ، بلا جدوى. ماذا تُريدُني أن أفعل أكثر مِن ذلك؟

 

ـ أن تأخذها إلى طبيب نفسيّ.

 

ـ أبدًا! أنا أستسلِم! وحين يولَد ابني سأُطلّقها وأتزوّج مِن تلك الصبيّة الحسناء التي أُريدُها مِن كلّ جوارحي.

 

ـ لكنّ زوجتكَ، حسب قولكَ، كانت أيضًا حسناء.

 

ـ أجمَل الجميلات!

 

ـ وما أدراكَ أّنّ التي تتكلّم عنها لن تصبحَ مثلها بعد الزواج؟ لا تُدمِّر عائلتكَ، بل حاوِل لآخِر مرّة، فقد تندَم إن لَم تفعل، خاصّة أن وزنها صارَ يُشكّل خطرًا عليها وعلى ابنكَ.

 

قبِلتُ على مضض، وفقط مِن أجل الجنين الذي سيولَد. وأوّل ما رآها الأخصّائيّ، هو أعطاني بعض التعليمات عن كيفيّة التعامل مع زوجتي. بقيتُ أواعِد منال سرًّا لأنّها كانت الوحيدة التي بإمكانها جَلب الراحة لبالي وجسَدي.

بعد بضع أسابيع مِن بداية الجلسات، قالَ لي المُعالِج عندما طلبَني لوحدي إلى عيادته:

 

ـ لدى زوجتكَ خلَل في الصورة الذاتيّة... أيّ أنّها قضَت طفولتها ومراهقتها والسنوات التي تلَت تحت ضغط هائل في ما يخصّ مظهرها وقوامها وتصرّفاتها مع الناس والرجال، وذلك بسبب إصرار أمّها على أن تبدو أجمَل ما يُمكن. وذلك ولّدَ في نفسها صراعًا قويًّا إلى درجة أنّها لَم تعُد تعلَم مَن هي بالفعل، بل فقدَت أيّ اعتبار لنفسها وكيانها. إنّ ما تشكو منه زوجتكَ اسمه في مجالنا "اضطراب الشراهة" وبإمكاننا مُساعدة المريض في تخطّيه.

 

ـ هل النتائج مضمونة؟

 

ـ ليس هناك مِن شيء مضمون في مجال عِلم النفس، فذلك يتوقّف على مدى تعاون زوجتكَ معي... ومدى تعاونكَ. علينا الاسراع، فعلى السيّدة أماني أن تخسَر مِن وزنها قَبل موعد الولادة بأشهر. ومِن دونكَ ومُساندتكَ لها، لن تستطيع زوجتكَ تجاوز مِحنتها.

 

مرّة أخرى فكّرتُ بإبني، فقبِلتُ. للحقيقة، شيء آخَر ساعدَني على القبول، وهو معرفة أنّ سبَب سُمنة أماني لَم يكن شراهة طبيعيّة وقلّة اكتراث لشكلها وطلَباتي، بل حالة نفسيّة لا سيطرة لها عليها. أوكَلتُ أمري لله وأخذتُ تعليمات جديدة مِن المُعالِج. لكن ماذا أفعَل بمنال؟ فلقد كنتُ قد وعدتُها بالزواج بعد ولادة ابني وتطليق أماني... وكما أعرفُها، هي لن تُسَرّ أبدًا عندما تعرِف أنّني أعطَيتُ لزواجي فرصة ثانية... ولَم أكن مُخطئًا في مخاوفي.

 

يتبع...

المزيد
back to top button