هل قمّة الحبّ هي الموت؟ أم أنّ الأمر عائد إلى مشاكل نفسيّة تؤدّي إلى الإستهتار بالذات وبالآخرين؟
هذه قصّة مُحسِن أخي، الذي أحبّ زينة كثيراً. وعندما أخبرَني بأنّه تعرّف إلى فتاة جميلة وذكيّة، فرِحتُ له وتمنيّتُ له بالتوفيق، خاصة أنّه كان صغيرنا و الوحيد الذي بقيَ عازباً. وأذكر أنّني شعرتُ بإنزعاج بسيط حين جلبَها إلى منزلي للعشاء ولم أستطع إستلطافها رغم الجهد الذي بذلتُه. ربما شعرتُ أنّها متشاوفة بعض الشيء مع أنّها لم تكن مِن عائلة ثريّة أو حتى معروفة ولكن حركاتها كانت تدلّ على تصنع وإبتذال. وكنتُ قد حضرّتُ لها مائدة شهيّة ولكنّ زينة لم تأكل الاّ القليل متحجّجة بأنّها تتبع حمية للمحافظة على قوامها وحين سألتُها عن أهلها قالت:
ـ دادي يُغرقني بالهدايا والمامي لا ترفض لي طلباً
ومع أنّها كانت في الثامنة والعشرين مِن عمرها، شعرتُ أنّها فتاة صغيرة ومدلّعة. ولكنّني لم أقل شيئاً لِمُحسِن لأنّني رأيتُ كم كان فرحاً بها وأملتُ أن تكون في الحقيقة غير ما كانت عليه عندنا على الأقل لكي يستطيع أخي إيجاد السعادة معها. وعندما سألَني مُحسِن عن رأيي بها، قلتُ له:
ـ أنّها لطيفة... لا أقدر أن أحكم على إنسان مِن أوّل لقاء ولكنّني أتمنّى لكَ السعادة.
ـ شكراً أختي العزيزة... لطالما كنتِ المفضّلة لديّ... أفكرّ جديّاً بالزواج مِن زينة...
ـ ولِما العجلة؟ خذ وقتكَ... عندما تتأكدّ مِن مشاعركَ ومِن مشاعرها نحوكَ ستتمكّن مِن أخذ قراركَ... الزواج ليس لعبة بل إلتزام لِمدى الحياة.
ـ أنا متأكدّ مِن كل شيء...
ـ لما لا تعلن خطوبتكما؟ وبعد بضعة أشهر أو سنة يمكنكما الإقتران.
ـ ولِما الإنتظار؟ هذه مضيَعة للوقت.
ـ كما تريد يا حبيبي.
وبعد حديثنا، أحسستُ بقلق قوي ولكن سرعان ما نسيتُه عندما عدتُ إلى إنشغالاتي مع عائلتي. ولم يأخذ أخي بنصيحتي وذهبَ يتقدّم لِزينة عند أهلها الذين قبلوا به بعد أن تأكدّوا مِن أنّه سيستطيع تقديم لها الأفضل لأنّها وحسب قولهم "صعبة الأرضاء".
وحُدِّد موعد الزفاف وبدأتُ أحضرّ الفستان الذي سأرتديه وأخذتُ موعداً عند مصفّف شعر مشهور وإنتظرتُ بفارغ الصبر ذلك اليوم الجميل. ولكن قبل أقل مِن أسبوع على عقد القران، دقّ مُحسِن بابي بقوّة. فتحتُ له وعندما رأيتُ وجهه علمتُ أنّه ليس بخير. أدخلتُه بسرعة وجلسنا في غرفة النوم لكي لا يسمعنا زوجي أو أولادي وسألتُه ما به، فقال وهو يرجف مِن الغضب:
ـ زينة... تلك الأفعى...
ـ ما الأمر؟ لماذا تتكلّم عنها هكذا؟
ـ الساقطة! وذلك الندِل!
ـ مَن الندِل؟
ـ صديقي أيمَن!
ـ لا أفهم شيء مِن الذي تقوله! خذ نفساً عميقاً وإبدأ مِن الأوّل!
ـ حسناً... زينة تخونني مع أيمَن!
ـ هذا لا يُعقل! هل أنتَ متأكدّ مِن الذي تقوله؟ أحياناً نتصوّر أموراً لا وجود لها.
ـ أقول لكِ أنّهما على علاقة! هل تظنّينني غبيّاً؟
ـ لا... أبداً... وكيف علِمتَ بالأمر؟
ـ في البدء لا حظتُ النظرات التي كانا يتبادلانها وإنتابَتني الشكوك... وومِن ثمّ لفتَ شيء إنتباهي... فعندما كنتُ أدعو زينة للخروج وكانت ترفض تحت حجّة أنّ لديها إرتباط مُسبق، كنتُ أكلّم أيمَن لِنلتقي وكان هو الآخر يعطيني أعذاراً حتى أن قررّتُ أن أتأكدّ مِن الأمر. ففي ذات ليلة إنتظرتُ قرب منزل صديقي ولحقتُ به عندما اخذَ سيّارته وحين وصلَ إلى فندق مشبوه، رأيتُ زينة بإنتظاره أمام المدخل... تعانقا وتبادلا القُبل ثمّ دخلا سويّاً.
ـ يا إلهي! مِن حسن حظّكَ أنّكَ إكتشفتَ الحقيقة قبل أن تتزوّج منها...
ـ الذنب ذنب أيمَن... إنّه صديقي الحميم... تعرفين كم أنّنا مقرّبَين مِن بعضنا.
ـ والذنب أيضاً يقع على خطيبتكَ... كان بإمكانها رفضه لو أرادَت ذلك.
ـ لابدّ أنّه أغراها
ـ لا تقل لي أنّك تجد لها أعذاراً لما فعلَته... قل لي... ألا تزال تحبّها؟
ـ أجل... واجهتُها بالذي عرفتُه وقلتُ لها أنّني مستعدّ لمسامحتها.
ـ ماذا؟ هل فقدتَ عقلكَ؟؟؟
ـ لا تخافي فهي لم ترضى... لا تريدني...
ـ هكذا أفضل
ـ كل هذا بسبب أيمَن... سأنتقم منه!
ـ لا! لاتفعل شيء... عليكَ فقط الإبتعاد عنه... ولا تنسى أنّ لولاه لما عرفتَ حقيقة زينة... حبيبي... أنّها سيئة الأخلاق ولو رجَعِت إليكَ ستخونك مع شخص آخر... صدّقني.
وبعد ذلك الحديث، غابَ أخي عنّي لأيّام وإنشغلَ بالي عليه وأخبرتُ زوجي بما حصل له ووافقَني الرأي بما قلتُه. وبعد فترة قصيرة رأيتُ أخي مُحسِن صدفة بسيّارته بِرفقة أيمَن فناديتُه وأخذتُه جانباً لأسأله كيف يمكنه أن يبقى صديقه بعد الذي حصل، فأجابني:
ـ لا تخافي يا شقيقتي العزيزة... أخبّئ له مفاجأة لن تُنتسى أبداً... مِن جرّاء ما فعلَه بي لم تعد تريدني حبيبتي زينة... وإكتشفتُ أنّهما لا يزالان يتقابلان... لن أدَعه يأخذها منّي... لن ينالها أبداً!
ـ إنسى أمرها... هناك فتيات كثيرات وأصدقاء آخرين... وهذه أمور تحصل... عليكَ تقبّل الأمر... أرجوكَ يا أخي.
ولكنّه أدارَ ظهره لي وصّعد في سيّارته وإلى جانبه صديقه. وقبل أن يدير المحرّك نظرَ مُحسِن إليّ مطوّلاً وشعرتُ بأن مصيبة كبيرة كانت ستحصل. وإختفيا بلحظة عن نظري. وفي المساء رنّ جرس هاتفي وأخبروني أنّ أخي وصديقه لقيا مصرعهما بحادث مروّع بعدما خرجَت السيّارة عن الطريق دون سبب وجيه وتدهورَت في الوادي. لم يجدوا أثار لِمكابح أي أنّ أخي لم يحاول حتى إيقاف المركبة. وإحتارَت الشرطة لِشدّة الغموض الذي لفّ الحادث وكنتُ الوحيدة التي علِمَت بالضبط ما حدث. فكان مُحسِن قد أدركَ أنّ صديقه كان قد فاز بقلب زينة وقرّرَ أنّه لن يدعهما يستمتعا بهذا الحب لوحدهما بعدما حرماه مِن السعادة. وكان قد ضحّى بنفسه ربمّا خوفاً مِن العقاب إن قُبِض عليه بعد قتله أو لأنّه لم يكن مستعداً للعيش مِن دون حبيبته زينة. ولكنّني لم أقل شيئاً لأحد حتى لِزوجي. وأثناء مراسيم الدفن، فتّشتُ عن زينة لأقول لها حقيقة ما حصل، لكي تعرف ما سببَّته مِن أسى ولكنّها لم تأتي. كانت قد فضّلَت طوي تلك الصفحة مِن حياتها ونسيان حبَيبها في آن واحد.
وبعد شهرَين على الحادث، وصلَني خبر زواجها مِن رجل غني. كان أخي قد قتلَ نفسه وصديقه مِن أجل إنسانة أنانيّة ومعدومة الضمير.
حاورتها بولا جهشان