ماذا عسانا نفعل في العلاقة القائمة بين الجيل الشاب والهواتف الذكيّة؟ منع ستيف جوبس، مبتكر شركة أبل، أولاده من استخدام الهاتف الذكيّ، ربما علماً منه بالمخاطر المنتظرة وبالتأثيرات السلبيّة لهذا الاختراع عليهم. لنترك جانباً تأثير هذه الآلة على صحّة الأولاد الجسديّة ولنتعرّف إلى تأثيرها على السلوك من خلال رأي الطبّ النفسي.
تدرس الباحثة الأميركيّة جين م. توينج، وهي أستاذة في علم النفس في سان دييغو، منذ عشرين عاماً، سلوك الشباب الاجتماعي والعاطفي. وقد لاحظت خلال السنوات الأخيرة ظهور كارثة لم تكن ملحوظة قبلاً تؤدّي إلى خلل نفسي كبير عند الشباب. وفي مقالة عنوانها "هل دمّرت الهواتف الذكيّة جيلاً كاملاً؟"، صدرت في أيلول/ سبتمبر 2017 في صحيفة The Atlantic واسترجعتها رسالة Santé Nature Innovation (JM Dupuis)، تشرح توينج أنّ المسألة برمّتها تبدّلت منذ عام 2012. في تلك السنة، أكثر من مراهق من اثنين صار يحمل هاتفاً ذكيّاً، واليوم وصلت النسبة إلى أربعة على خمسة!
هل تعانين من رهاب فقدان الهاتف الذكيّ؟
ما رأيك بالعيش بلا هاتف ذكيّ؟ هذا الأمر غير وارد البتّة لدى غالبيّة المستخدمين الشبّان، ما يؤدّي إلى مرض جديد نشأ في العالم اسمه رهاب فقدان الهاتف الذكيّ أي الخوف من العيش بلا هاتف (Nomophobia). "وهذه ليست ظاهرة تطال الأقلية بل على العكس إذ أظهرت دراسة بريطانية أجريت في عام 2012 (أي قبل خمس سنوات بالتالي فإنّ الظاهرة قد تفاقمت منذ ذاك الوقت) أنّ 66 في المئة من المستخدمين المشاركين في الاستفتاء قد صرّحوا بأنّهم مصابون برهاب فقدان الهاتف الذكيّ!
زلزال اجتماعي
خلال هذه الفترة حدثت التطوّرات التالية وهي تطال كلّ طبقات المجتمع، أغنياء وفقراء:
- ازدادت مؤشّرات الإرهاق بنسبة 50 في المئة لدى الفتيات و21 في المئة لدى الشبّان، من 2012 إلى 2015.
- زاد عدد حالات الانتحار ثلاث مرّات لدى الفتيات بين 2007 و2015، ومرّتين لدى الشبّان.
- تدنّى عدد الشبّان الذين يقابلون أصدقاءهم يوميّاً بنسبة 40 في المئة بين سنتيْ 2000 و2015. حالياً، يخرج الشباب في السادسة عشرة من عمرهم أقلّ ممّا كان يفعله الشباب في الثانية عشرة من العمر في عام 2009. تدريجاً، يكفّون عن الخروج واللهو في الحدائق العامّة وغيرها لأنّهم يبقون وحدهم في منازلهم مع الهواتف الذكيّة.
- في عام 2015، وحدهم 56 في المئة من طلاّب الصفوف الثانويّة الأخيرة يخرجون مع شخص ما، مقابل 85 في المئة من الشبّان قبل عشرة أعوام، وقد كان هذا الرقم ثابتاً منذ الستينيّات. كما ازداد عدد الأولاد الذين يفتقرون إلى النوم بنسبة 57 في المئة بين 1991 و2015.
- في الولايات المتّحدة الأميركيّة حيث كان الحصول على رخصة سوق حلم كلّ الشباب إذ كان بمثابة جواز سفر للحرّية بنظرهم، نشهد اليوم غياباً كبيراً لهذا الاهتمام لدى المراهقين إذ إنّهم يفضّلون البقاء في غرفهم برفقة هواتفهم الذكيّة والتنقّل في السيّارات مع الأهل.
وسيلة غير اجتماعيّة
في المرّات القليلة التي يخرج فيها الشباب ينشرون بكثافة تحرّكاتهم على سنابتشات وإنستغرام أو فايسبوك، ممّا يُشعر أولئك الأشخاص غير المدعوّين بأنّهم مهملون ومنبوذون إذ ازداد عدد الفتيات الشابات اللاّتي يشعرنَ بأنّهنّ مهمّشات ومبعدات بنسبة 48 في المئة من 2010 إلى 2015، أمّا عدد الشبّان فازداد بنسبة 27 في المئة.
في الواقع، حتّى لو اجتمع الشباب معاً جسديّاً فإنّ وظيفة الهاتف الذكيّ لا تنقطع البتّة. "أحاول التكلّم معهم عن شيء ما وهم لا ينظرون إليّ بل إلى هواتفهم أو ساعة أبل"، حسب ما قالته شابّة في المقالة المذكورة أعلاه. كم من مرّة شاهدنا مجموعة من الشباب جالسين في مقهى يبدأون حديثهم معاً وينتهون بالنظر إلى هواتفهم الخاصّة. فهل يُسمّى ذلك تواصلاً؟
د. سميرة سامر