في السنوات الأخيرة، انتشرت اختبارات حساسية أو تحسّس الطعام التي تُسوَّق كوسيلة سريعة لمعرفة سبب الأعراض المزعجة التي يعاني منها كثيرون بعد تناول بعض الأطعمة. لكن ما مدى دقة هذه الاختبارات وهل يمكن الاعتماد عليها فعلاً لتشخيص الحالة؟
الحقيقة أن الموضوع أعقد بكثير مما يبدو، إذ إن التمييز بين عدم تحمّل الطعام، التحسس الغذائي، والحساسية الحقيقية ليس بالأمر البسيط، خصوصاً مع تشابه الأعراض وتداخلها.
لماذا لا يمكن الوثوق باختبارات تحسّس الطعام؟
تعتمد غالبية هذه الاختبارات على قياس مستوى بعض الأجسام المضادة في الدم، مثل IgG وIgG4، بعد التعرّض لمكوّنات غذائية مختلفة. لكن الدراسات العلمية أوضحت أن وجود هذه الأجسام المضادة لا يعني بالضرورة وجود تحسّس، بل قد يكون جزءاً طبيعياً من استجابة الجسم عند تناول الطعام.
الأمر لا يتوقّف هنا، فالكثير من الأبحاث التي تُستخدم لتسويق هذه الفحوصات قديمة أو منشورة في مجلات علمية غير مرموقة، بينما جمعيات طبّية كبرى مثل الجمعية الكندية للحساسية والمناعة والأكاديمية الأمريكية للحساسية والربو والمناعة، صرّحت بوضوح أنها لا توصي بالاعتماد على هذه الفحوصات لتشخيص الحالات.
متى تكون المشكلة حساسية غذائية؟
في حال ظهور أعراض واضحة بعد تناول طعام محدّد، مثل الحكة، الطفح الجلدي، التورّم، أو حتى صعوبة التنفس، يصبح من الضروري التفكير في احتمال وجود حساسية غذائية حقيقية. هذه الحالة تختلف جذرياً عن التحسّس أو عدم التحمل، وقد تصل أحياناً إلى مستوى خطر يهدّد الحياة.
التشخيص هنا يعتمد على اختبارات دقيقة يشرف عليها الطبيب، مثل اختبار الوخز الجلدي، فحص الدم لقياس الأجسام المضادة، أو تحدّي الطعام الفموي تحت إشراف طبي صارم.
أسباب أخرى قد تفسّر الأعراض
كثيراً ما تُنسب مشكلات الجهاز الهضمي أو التعب والصداع إلى "تحسّس الطعام"، بينما قد يكون السبب مختلفاً تماماً. من بين هذه الأسباب:
- متلازمة القولون العصبي أو التهابات الأمعاء، التي قد تعطي أعراضاً مشابهة.
- التوتر والإجهاد، اللذان ينعكسان مباشرة على الهضم والمزاج.
- الجفاف وقلة النوم، وهما عاملان رئيسيان في الشعور بالإرهاق واضطرابات التركيز.
- الأدوية، التي قد تسبّب آثاراً جانبية تشبه أعراض التحسّس.
- العادات الغذائية، مثل الإفراط في تناول المنبّهات أو المضافات الغذائية، التي قد تؤدي إلى الانتفاخ والاضطرابات الهضمية.
- عدم تحمّل بعض الأطعمة مثل اللاكتوز أو الكافيين، وهو أمر مختلف عن التحسّس المناعي.