هل تدعم التربية الهادئة صحّة الطفل النفسية أم تُضعِف شخصيته؟

في ظل التحوّلات السريعة في مفاهيم التربية، بدأت أنماط جديدة في الظهور، تبتعد عن الأساليب التقليدية القائمة على التوبيخ والعقاب، وتتجه نحو مقاربات تركّز على الفهم العاطفي والتواصل الإيجابي مع الطفل. من بين هذه الأساليب، يبرز مفهوم "التربية الهادئة" أو "التربية الرحيمة" كاتجاه يثير اهتماماً متزايداً في الأوساط النفسية والاجتماعية.
لكن هذه المقاربة، رغم أهدافها النبيلة، تثير أيضاً تساؤلات جدية: هل نحن بصدد بناء أجيال أكثر وعياً وتوازناً؟ أم أننا نغذي جيلاً هشاً، لا يقوى على مواجهة تحديات الحياة؟

 

من العقاب إلى الفهم

تسعى التربية الهادئة إرث إلى خلق بيئة منزلية داعمة عاطفياً، تُمنح فيها مشاعر الطفل مساحة من الاعتراف والفهم، بدلاً من الكبت أو التقليل من شأنها. من منظور علم النفس، يرتبط هذا النمط من التربية بدعم النمو العاطفي والمعرفي لدى الطفل، وتعزيز ما يُعرف بـ"المرونة النفسية" – أي قدرة الطفل على التعامل مع الضغوط ومواجهة التحدّيات دون الانهيار أو الانغلاق. التربية هنا لا تعني التساهل، بل تعني تهيئة الطفل لفهم ذاته والتعامل مع الآخرين بوعي واحترام متبادل.

 

التربية الهادئة والصحة النفسية للطفل

تشير الأبحاث في السنوات الأخيرة إلى أن الأطفال الذين يُربّون في بيئات يسودها التعاطف والتفاهم، يكونون أكثر ميلاً لتطوير مهارات تنظيم الانفعالات، واتخاذ قرارات مستقلة، وبناء علاقات صحية. وهذا ينعكس على انخفاض نسب القلق والسلوكيات العدوانية والمشكلات الاجتماعية.
في المقابل، النماذج التربوية التي تعتمد على العقاب البدني أو الصراخ المستمر، قد تؤدي إلى نتائج عكسية مثل ضعف الثقة بالنفس، وتثبيت أنماط سلوكية دفاعية، واضطرابات في القدرة على التعامل مع الصراع أو الفشل.

 

تحدّيات واقعية في تطبيق التربية الهادئة

لكن، رغم فوائدها، فإن التربية الهادئة ليست سهلة التطبيق. فهي تتطلب من الأهل جهداً مستمراً في ضبط النفس، والقدرة على إدارة الانفعالات الشخصية، ومهارات في الحوار والاحتواء، وهذا ليس متاحاً دائماً، خصوصاً في ظل ضغوط الحياة اليومية، وقلة الدعم النفسي والاجتماعي للوالدين. من جهة أخرى، تُستخدم التربية الهادئة أحياناً بشكل مشوش أو مفرط، فتتحوّل من أداة لبناء وعي ذاتي إلى حالة من الإفراط في الحماية أو التردد في وضع الحدود. وهنا تظهر المخاوف من نشوء جيل غير مهيأ لتحمل الإحباط أو التعامل مع المواجهة.

المزيد
back to top button