أسست السيدة جمانة الدرويش Jumana Al Darwish مشروع صندوق السعادة The Happy Box عام 2014، وذلك باعتباره وسيلة بسيطة لقضاء المزيد من الأوقات المميزة مع عائلتها من الأطفال، وقد اتسع نطاق مهمته ليشمل إحداث تغيير إيجابي في هذه العالم.
كان لElle Arabia فرصة لقاء هذه السيدة الشغوفة بعملها، حيث أطلغتنا عن تفاصيل حياتها، عملها ومشور نجاحها..
فكان هذ اللقاء..
حدثينا عن بدايتك وسبب إختيارك هذا المجال؟
قد تبدو إجابتي ضربًا من الخيال، إلا أنه ومنذ نعومة أظافري، لطالما رغبت في إحداث تأثير إيجابي في هذا العالم. وقد تعرّفت على الخدمة المجتمعية لأول مرة عندما كان عمري 5 سنوات، وذلك عندما رافقت والدي الذي كان يعمل دبلوماسيًا لدى الأمم المتحدة في زيارة ميدانية له إلى السودان إلى مدرسة في إحدى المناطق الفقيرة. وأدركت في مرحلة مبكرة من عمري دور التعليم في كسر حلقة الفقر، وأهمية التخلص من جميع العوائق الموجودة وذلك لفسح المجال أمام جميع الفتيات للحصول على فرص تعليم. وهُنا، أود التأكيد أن "في تعليم الفتاة، تعليمٌ للأُسرة بأكملها، ونشأةٌ لمجتمعٍ مُثقّف بأكمله"، وهذه دورة متكاملة حريٌ بنا ألا نغفلها أبدًا.
ومنذ ذلك الحين، أدركت أن ذلك واجبي، وجسّدت ذلك في كل قرار تعليمي ومهني اتخذته، بدءًا من الحصول على درجة الماجستير في تخصص "التدخلات الاجتماعية القائمة على البراهين" من جامعة أكسفورد ووصولًا المناصب التي شغلتها لدى مختلف الحكومات (دولة الإمارات العربية المتحدة والأردن)، حيث كانت كلها تصب باتجاه إحداث أثر إيجابي في المجتمعات النامية. وكذلك كان الحال عندما أسست مشروعي الاجتماعي الأول، "صندوق السعادة"، إذ بدى الأمر بمثابة قوة إيجابية واجتماعية دافعة تتغلغل في المجتمع من خلال حثّ الأُسر على قضاء وقت ممتع مع بعضهم البعض. يمكن أن يلعب كل واحد منا دورًا فعالًا في إحداث التغيير المنشود، إذ تقع على عاقتنا مسؤولية أخلاقية تتطلب بأن نكون دعاة للتغيير الإيجابي في مجتمعاتنا، وعلينا أن ندرك أهمية كل ما نقوم به في هذا الصدد.
ما هو مفهوة مشروع "صندوق السعادة"، وما الذي يميزه عن غيره من المشاريع؟
في عام 2014، أسست "صندوق السعادة"، ليكون بمثابة مشروع اجتماعي تعليمي يوفر الفرصة لمستخدميه من متابعة شغفهم في مجال الفنون والحرف. يتضمن هذا الصندوق تعليمات باللغتين العربية والإنجليزية، إلى جانب كافة المواد المخصصة للصغار، والتي تتيح لهم تصميم الأنشطة الخاصة بهم بأنفسهم. أود هنا الإشارة إلى أن شركتنا هي المنتج الحصري لـ"صندوق السعادة" ومحتوياته، حيث تصمم جميع الأنشطة بشكل نهدف من خلاله إلى تحسين مهارات الطفل المعرفية ونموّه الحركي، وفي الوقت نفسه إضفاء لمسة من المتعة والإبداع.
وقبل خمسة أعوام، كان "صندوق السعادة" هو الأول من نوعه في المنطقة. وتجدر الإشارة إلى أننا نحمل طابعًا مميّزًا من خلال حقيقة كوننا نقوم بأنفسنا بإعداد المحتوى التعليمي وإنتاج المواد التي نضعها في الصندوق. وفضلًا عن ذلك، تصمم جميع الصناديق حسب اسم الطفل ويتم تخصيصها حسب الفئة العمرية والجنس، الأمر الذي يجعل منها تجربة ممتعة وفريدة لا تُمحى من الذاكرة.”
بعد 5 أعوام هل ترين أن المشروع حقق مبتغاه؟ وما هي نظرتك لهذا المشروع بعد 5 أعوام أخرى؟"
وتطوّرت الفكرة التي كانت في البداية عبارة عن تجربة اجتماعية لتغدو لاحقًا الأساس الذي ترتكز عليه أخلاقياتنا في التشجيع على بث روح السعادة والتغيير الإيجابي والترابط الأسري وغرس حُب الفن والإبداع بين الأطفال وأفراد المجتمع ككل. وعلى مر السنين، أخذت المهمّة التي حملناها على عاتقنا تنمو لتشمل دول مجلس التعاون الخليجي، وتطوّر المشروع الذي بدأته من غرفتي ومن ثم إلى مرآبي ليغدو الآن "استوديو السعادة". "استوديو السعادة" هو مساحة مجتمعية مقرها في مركز الفنون في دبي، وتحديدًا في شارع السركال (مستودع رقم 73) ويضم مصنع "صندوق السعادة" ومكاتبنا، حيث نستضيف العديد من الفعاليات والتصاميم الفنية المجتمعية التفاعلية التي تخدم جميع الأعمار بمن فيهم البالغون. آمل حقًا أن يصل كل من "صندوق السعادة" و"استوديو السعادة" إلى مناطق جديدة على مستوى العالم في السنوات الخمس المقبلة. كما آمل أيضًا أن تنجح "قلوب السعادة العالمية"؛ وهي مؤسستنا الجديدة التي نعمل على تسجيلها في المملكة المتحدة، في تحقيق مزيد من التوسع لتعمل صوب تقديم المساعدة لآلاف الأطفال ليتسنّى لهم الحصول على التعليم في شتّى أرجاء المعمورة. هناك شيء وحيد ظل ثابتًا طول السنين الماضية وهو سعينا اللامحدود لتحقيق أحلامنا وتحقيق المزيد من الابتكارات والنمو!
ما هي مشاريعك الجديدة؟
أنا الآن بصدد إطلاق مشروعي الثالث وهو: "قلوب السعادة العالمية"، وهي خاصة تعود لأسرتي وتتخذ من لندن مقرًا لها حيث تعمل تحت إشراف ورقابة مفوضية الأعمال الخيرية في المملكة المتحدة. في بدايته، مثل مشروع "قلوب السعادة" برنامج المسؤولية الاجتماعية لشركتنا، عملنا من خلاله على إهداء الأطفال في مختلف أنحاء العالم صناديق تحتوي على مواد وأدوات تعليمية. ومنذ ذلك الحين، قدمنا الآلاف من هذه الصناديق لأطفال في أحد عشر دولة. وفي هذا العام الذي نحتفل فيه بالذكرى الخامسة لتأسيس شركتنا، شعرت أن الوقت قد حان لتحقيق حُلمي الذي طالما راودني وهو إنشاء مؤسستي الخاصة. وعليه، شرعت في تجسيد هذه العملية بشكل رسمي في المملكة المتحدة.
ما رأيك بالمرأة العربية اليوم، وما الذي يميزها عن المرأة الغربية؟
بلا شك، النساء هن المستقبل، إذ يشكّلن نصف عدد سكان العالم تقريبًا. وفي هذا الصدد، تعي الحكومات أكثر فأكثر بالمساهمة القوية التي يمكن أن تقدمها المرأة للنسيج الاجتماعي والاقتصادي لبلدها. ومن هُنا، يستمر الحديث حول جهود تمكين المرأة والمساواة والإنصاف منذ سنوات ولغاية الآن، وخصوصًا في العالم العربي.
عندما أفكر في المرأة العربية، ترد في خاطري والدتي، وجدّتي، وابنتي، وشقيقتي، وبنات شقيقاتي، وعمّاتي وخالاتي، وصديقاتي، وشريكاتي في العمل وزميلاتي في المجتمع وما لديهن من إمكاناتٍ وقدراتٍ. ويتملكني شعور بالفخر والاعتزاز بهن؛ وأوقن بأن لدينا القوة والقدرة على الصمود والتعامل مع جميع الظروف المحيطة والتخطيط الشامل. انظروا فقط إلى عدد النساء اللائي يضعن بصماتهن حيثما حللن، وينجحن في كسر الحواجز على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والشخصية محليًا وعالميًا. فعند تمكين المرأة، سيكون بمقدورها تجاوز كل العراقيل مهما صعبت وستكون أنموذجًا لغيرها من النساء.
من خلال مركزك ما هي النصيحة التي تحبين توجيهها للمرأة العربية؟
عندما كنت طفلة، أخبرني والدي أن التعليم هو أهم منجز في حياتي، أن أكون سيدة مثقّفة، وقد كان محقًا. وخلال نشأتي، حرص والدي على دعمي وتشجيعي في رحلتي نحو تحقيق أحلامي. تمتلك المرأة بطبيعتها قدرات وإمكانات هائلة، وعزمًا على تحقيق كل ما تصبو إليه، شريطة أن تثق بما لديها وألا تتوقف أبدًا عن التعلم.
ما رأيك بالمرأة الأم الزوجة العاملة؟ وما نصيحتك لها لتوفق بين جميع أعمالها؟
على الرغم من أنني أمضيت سنين طوال من شبابي أسعى إلى الكمال، أدركت أخيرًا أن الجمع بين الكمال والتوازن أمر بعيد المنال؛ لأنه تقع على عاتقنا مسؤوليات كبيرة وكثيرة، حيث يتوقع منا أن نؤدي جميع الواجبات سواء كنا زوجات أو أمهات أو موظفات أو مسؤولات. وقد ينعكس ذلك سلبًا علينا لأن حجم التوقعات تفوق قدراتنا وتدفعنا للعمل بشكل متواصل على حساب رفاهنا. هناك أيام أكون فيها حاضرة أكثر كأم وهناك أيام أخرى أكون فيها أكثر حضورًا في مساحة عملي. وفي واقع الأمر، تتلخص المسألة في إيجاد نوع من التوازن، وأتعامل مع كل يوم بحسب ظروفي فحسب. أحاول أن أكون شخصًا أفضل كل يوم وأغتنم كل لحظة في أوانها بدون وضع توقعات بعيدة عن الواقع في تحقيق كل ما أريده.
مواقع التواصل الإجتماعي باتت أمر أساسي في حياة أي شخص. ما هي تأثيرها السلبي والإيجابي على حياتنا وعلى أطفالنا؟ وكيف نتعامل معها؟
إننا نعيش حاليًا في عصر تُهيمن فيه التكنولوجيا على حياتنا. وبالطبع، لا يمكننا التقليل من قدر قوّتها وتأثيرها. والأساس في كل الأمور هو توخّي الاعتدال والتوازن. كانت وسائل التواصل الاجتماعي عاملًا مساهمًا في نمو "صندوق السعادة" في مراحله الأولية وأداة رائعة لتسويق منتجاتنا وخدماتنا الجديدة. وبدروها، تتيح لنا هذه القناة التواصل مباشرة مع الجمهور العام، والحصول على تعقيباتهم ومساعدتنا على تحسين / إطلاق منتجات وخدمات جديدة تلبي احتياجات العملاء على نطاق أوسع. ومع ذلك، فإننا نستخدمها بحذر ومن منظور استراتيجي، إذ تتم صياغة جميع الرسائل بعناية، حيث نضع نصب أعيننا أن نكون خير مثال وقدوة للمجتمع. ومن الناحية الشخصية، أستخدم هذه الوسائل بحذر كذلك، خصوصا من ناحية المعلومات التي أنشرها حول عائلتي والأمور الشخصية. وأسعى لأكون خير قدوة لابنتي وأضع حدودًا لاستخدام تلك الوسائل.
مثلك الأعلى وقدوة تتمثلين بها؟
لقد حظيت بحب ودعم العديد من الشخصيات النسائية والأصدقاء والشركاء الزملاء طوال حياتي. ومع ذلك، تظلّ والدتي أعظم مصدر إلهام لي، فهي امرأة قوية وعلى مستوى عالٍ من اللباقة والأناقة. تزوجت والدتي وهي في السادسة عشرة من عمرها وأنجبت 6 أطفال، في وقت كان يعمل والدي كدبلوماسي في الأمم المتحدة، مما يعني أنها اضطرت إلى تدبير شؤون منزلها في ظروف صعبة نوعًا ما في الدول النامية، وقبل الحرب والفترة التي تلتها، وفي كل الأوقات التي اضطر فيها والدي للسفر كثيرًا. لقد غرست في داخلي قيم القدرة على التكيف والصمود وعلى رؤية الأشياء من منظور مختلف وأكثر إشراقًا، فالسعادة هي حالة ذهنية وتتمحور في الحقيقة حول تقدير الأشياء الجميلة وأحيانًا الصغيرة التي نصادفها في حياتنا.
ما هو مفتاح النجاح بالمطلق؟ وما كانت نقطة التحول بحياتك؟
خلال رحلتنا، مررنا بالعديد من المراحل، ومثّلت كل واحدة منها نقطة تحوّل. وبالتأكيد، حققنا العديد الإنجازات وتعلمنا الكثير من الدروس.. وما ظل ثابتًا هو قدرتنا على التطوّر والإبداع باستمرار، وخصوصًا سعينا المتواصل صوب تحسين منتجاتنا وخدماتنا، فالنجاح بالنسبة لنا هو رضا عملائنا وشركائنا عن كل ما نقدمه، فضلًا عن قدرتنا على التأثير على حياتهم بصورة إيجابية.
كلمة أخيرة لقراء المجلة؟
أؤمن أن على كل إنسان السعي وراء تحقيق أحلامه وطموحاته وإلا سيمضي بقية حياته نادمًا ودائم التساؤل عما ما كان سيحدث لو أنه سعى خلف تحقيق تلك الأحلام.
قد نضطر أحيانًا إلى تأجيل أحلامنا من أجل أسرنا ولكن قد نخسر الكثير نتيجة لذلك.
إذا كان لديك حلم تسعين لتحقيقه ولديك القدرة على ذلك، فما الذي يحول بينك وبينه؟