مع مشاركتها في برنامج ذا فويس The Voice فرنسا، تدخل اللبنانيّة شانا فصلًا جديدًا سيقودها إلى الأضواء العالميّة. وفي هذه المقابلة الحصريّة مع مجلة ِElle Arabia، تتحدث عن مصدر إلهامها وراء قرارها المشاركة في البرنامج، وتطور فنها، والتزامها الراسخ باستخدام الموسيقى كقوة للتغيير. بقصة متجذرة في الصمود والهوية، وإيمان راسخ بقوة الأحلام، تُشارك شانا اللحظات التي شكّلتها والرسالة التي تأمل في إيصالها إلى معجبيها في لبنان وخارجه.
ما الذي ألهمك للتقدّم لتجربة أداء برنامج The Voice فرنسا؟
لطالما حلمت بالمشاركة في برنامج The Voice فرنسا منذ صغري، وكان من برامجي المفضلة. فعندما بدأت مسيرتي الموسيقيّة عام ٢٠٢١، تحوّل تركيزي إلى بناء اسمي كفنانة، لكن هذا العام، شعرتُ أن الأمور تسير على ما يرام، واستقرّ كل شيء. لقد عرّفتني ألين لحود، فنانة موهوبة، ومشاركة لبنانيّة سابقة في برنامج The Voice فرنسا، وصديقة عزيزة، عليّ مدير اختيار المواهب، والذي بمجرّد أن تلقيتُ المكالمة منه، أدركتُ أنني يجب أن أخوض التجربة. إنه أمرٌ مرتبطٌ ارتباطًا وثيقًا بالموسيقى، شيءٌ لطالما حلمتُ بفعله. لقد شعرتُ وكأنه تحدٍّ، مثل الخروج من منطقة الراحة، والمخاطرة بكل شيء من أجل مسيرتي المهنية ونفسي، وهذا ما أحبّه في الموسيقى والحياة. أنا شغوفةٌ بالمخاطرة والقيام بأشياء لم أتوقع القيام بها. كنتُ أعرف أنني لا أستطيع تفويت هذه الفرصة؛ وأنّني سأندم إن قمتُ بذلك. مهما كان الأمر، كنت أعلم أن رحلتي ستلهم الآخرين ليكونوا متفائلين ويؤمنوا بأنفسهم، ويخطوا خطوات كبيرة، ويحتضنوا التغييرات التي ستجعلهم ينمون فقط.
ما الذي تأملين تحقيقه من خلال برنامج The Voice فرنسا، وما الرسالة التي تريدين توجيهها إلى جمهورك في لبنان وخارجه؟
من خلال برنامج The Voice فرنسا، آمل أن أذهب إلى أبعد ما يمكن في هذه الرحلة، ولكن بالنسبة لي، الأمر لا يتعلق فقط بالمنافسة، إنّما باتّباع حدسك، والمخاطرة، والإيمان بنفسك، حتى عندما يكون الطريق أمامك غير مؤكّد. بصراحة، كان هناك وقت اعتقدت فيه أنّه قد فات الأوان لي للمشاركة في برنامج The Voice، لكنّني أدركت أنّ الوقت ما زال مبكرًا لاتباع شغفي، وأحيانًا، تأتي أكبر الفرص عندما لا يتوقعها المرء. وعلى الرغم من أنّني مغنيّة محترفة، شكّل اختيار المشاركة في هذا البرنامج مسؤولية كبيرة لي، فالأمر لا يتعلّق بي فقط؛ إنّما بتمثيل بلدي وثقافتي وجميع أحلام أولئك الذين يدعمونني. كذلك، يتعلّق الأمر باحتضان التحدّي، والخروج من منطقة الراحة، وإظهار للآخرين أنّه مهما كانت حالك في الحياة، لا يزال بإمكانك اتخاذ خطوة جريئة وتغيير كل شيء. إلى جمهوري في لبنان وخارجه، أودّ أن أرسل رسالة أمل ومثابرة وشجاعة، وهي أنّه مهما كانت أصولنا أو التحديات التي نواجهها، لدينا القدرة على السعي وراء أحلامنا. يتعلق الأمر بالتمسك بشخصيتك الحقيقية، واغتنام كل فرصة للنمو، والتحلّي بالقوة اللازمة لتخطي العقبات التي تواجهك. هذه الرحلة ليست لي وحدي، بل لكل من يشكّ في نفسه، وله أقول: استمرّ في المضي قدمًا، ولا تخف أبدًا من اتخاذ الخطوة الجريئة.
لقد قادتك رحلتك الموسيقيّة من العزف في دبي إلى مهرجانات موسيقية مرموقة مثل ساوندستورم. كيف ساهمت هذه التجارب في تشكيل فنّك وثقتك بنفسك على المسرح؟
كل تجربة مررت بها، كبيرة كانت أم صغيرة، علّمتني شيئًا قيّمًا. من العزف في دبي إلى المشاركة في مهرجانات موسيقية مرموقة مثل ساوندستورم، ساهمت كل لحظة في تشكيل شخصيّتي الفنيّة التي أنا عليها اليوم. بالنسبة لي، الاحتفال بالإنجازات الصغيرة لا يقلّ أهمية، إن لم يكن أكثر، من الإنجازات الكبيرة. فكل خطوة صغيرة تعلّمني شيئًا جديدًا، سواءً كان ذلك تعلّم كيفيّة التواصل مع الجمهور أو ببساطة تعزيز ثقتي بنفسي. لم أمرّ بصعوبات كبيرة، لكن الرحلة كانت صعبة في بعض الأحيان، فكانت مليئة بالصعود والهبوط، والعمل الجاد، ولحظات تساءلت فيها عن كل شيء. لكنّني أدركت أنّه لولا تلك التحدّيات، ولولا اللحظات التي لم تسر فيها الأمور كما خططت لها، لما استطعت تقدير كلّ ما أملكه الآن. إنّ الدروس التي تعلّمتها على طول الطريق هي التي صقلتني فنيًّا وعزّزت ثقتي بنفسي، وكل تجربة كانت فرصةً لي للتطور، ولصقل صوتي، ولفهم ذاتي بشكل أفضل كفنانة. ما يمنحني الثقة على المسرح هو معرفتي بأنني أحظى بدعم كبير من عائلتي وأصدقائي وجمهوري، ومعرفتي بأنّني على طبيعتي تمامًا، فأنا لا أحاول أن أكون سوى شانا، وأفعل ما أحب، ومن كل قلبي، وأُركز على رؤيتي وهدفي، وإنّ ثقتي تأتي من كوني أصيلةً وصادقةً في عملي. لكن قبل كل شيء، أؤمن بالله، فهو من يمنحني القوّة والشجاعة والثقة بالنفس للمضي قدمًا، ولولاه، لما كان كل هذا ممكنًا. لذا، ثقتي على المسرح لا تنبع فقط من تجربتي، بل أيضًا من إيماني ويقيني بأنني وصلتُ إلى المكان الذي أريده تمامًا.
صدر ألبومكِ الأول "أزمة هوية"، في أغسطس ٢٠٢٤. هل يمكنكِ إخبارنا المزيد عن مفهومه وكيف يختلف مشروعكِ العربي القادم عنه؟
كان "أزمة هوية" أول ألبوم لي، وهو يُمثّل بحق فترةً من العمل الجاد والتفاني والنمو، وقد كانت رحلة إنتاجه مليئةً بالنجاحات والإخفاقات، وكلٌّ منها علّمني دروسًا قيّمة. إنه مشروعٌ دفعني إلى ما هو أبعد من حدودي، وقد حظيتُ بشرف العمل مع أشخاصٍ رائعين مثل وايت كيد ريكورد، ودانيال كوركوف، ووارنر ميوزيك الشرق الأوسط، وغي مانوكيان، وغيرهم الكثير ممّن ساهموا في تجسيد رؤيتي. كانت كلّ خطوةٍ من خطوات العمل شخصيّةً، وهذا ما يجعله مميزًا بالنسبة لي، فهو انعكاسٌ لشخصيّتي في تلك اللحظة. أما مشروعي العربي المقبل، فهو مختلفٌ تمامًا لأنه شيءٌ لم أستكشفه من قبل. لم أنشأ في بيئةٍ تعرّفت فيها على الموسيقى العربية، ولم تكن اللغة التي استخدمتها للتعبير عن نفسي إبداعيًا، بل كانت الإنجليزية أكثر طبيعيةً بالنسبة لي. ولكن هذا هو جمال الموسيقى، فهي بلا حدود، وبلا تاريخ انتهاء صلاحية. مع هذا المشروع الجديد، أردتُ التواصل مع جذوري كفنانٍ لبناني وتجربة شيءٍ جديد، إذ لطالما أثارت الموسيقى العربية اهتمامي، والآن أرغب في احتضانها. هذا المشروع هو أكثر من مجرد استكشاف، فهو اكتشاف جانب مختلف من ذاتي وثقافتي، جانب لم أعبّر عنه من قبل. إنها رحلة شخصيّة للتواصل بشكل أعمق مع تراثي، وأنا متحمّسة لمشاركة ذلك مع جمهوري. يمثّل كلا المشروعيْن جوانب مختلفة من هويّتي، لكن تجمعهما رغبتي في البقاء وفيّة لنفسي ومشاركة قصّتي من خلال لغة الموسيقى العالمية.
لقد شاركت بنشاط في القضايا الإنسانية، بما في ذلك العمل مع لاكروا روج بعد انفجار بيروت. كيف يؤثر هذا الجزء من حياتك على موسيقاك؟
لطالما كانت مساعدة الآخرين والمشاركة في القضايا الإنسانية جزءًا لا يتجزأ من شخصيتي، وذلك قبل وقت طويل من أن أصبح فنانّة، فهذ أمر وُجِدَ في قلبي منذ ظفولتي. نشأت في لبنان، ورأيت بنفسي قوّة المجتمع والتضامن، وخاصّة خلال الأوقات الصعبة، ولذا لم يكن التطوع والعطاء شيئًا يجب أن أفكر فيه، بل كان مجرد جزء طبيعي من حياتي. حتى قبل أن أبدأ مسيرتي الموسيقية، كنت بالفعل منخرطة بعمق في العمل الإنساني، فقد تطوّعت مع منظمة أوفري جوي ومنظمة فرسان مالطا، وهما من المنظمات غير الحكومية اللبنانية، ثمّ قبل عام من بدء ممارسة الموسيقى بشكل احترافي، بدأت العمل مع الصليب الأحمر، وخاصّة بعد انفجار بيروت، إذ كان وقتًا عصيبًا، لكن شغفي بمساعدة الآخرين لم يتزعزع أبدًا. وعلى الرغم من متطلّبات رحلتي الموسيقيّة المبكرة، واصلت تكريس وقتي لهذه القضايا. لم يكن تحقيق التوازن سهلًا دائمًا، لكنني حرصت باستمرار على بذل جهدي في العمل التطوّعي بقدر جهدي في الموسيقى، فكليْهما منحني شعوراً بالرضا التام. عندما كنت في الخامسة عشرة من عمري، أتيحت لي فرصة الجمع بين حبّي للموسيقى والعطاء من خلال الغناء في حفل «نبض القلب»، وهو حدث سنويّ يُقام في لبنان، حيث يُحيي فنّانون لبنانيّون حفلات لجمع التبرعات للأطفال المصابين بأمراض القلب. علّمتني هذه التجربة كيف يمكن للموسيقى أن تكون أداة فعّالة للتغيير، وأظهرت لي أنّه من خلال الموسيقى، لا يمكننا فقط الترفيه، بل أيضاً الإلهام والشفاء ونشر الوعي بقضايا مهمة، وشكّلَت نظرتي لما هو مهم حقًّا. عندما أغنّي، لا أشارك الألحان أو الكلمات وحسب، بل أيضًا مشاعري وتجاربي والدروس التي تعلمتها على طول الطريق. أعتقد أن الناس يتواصلون بشكل أعمق مع موسيقاي لأنهم يشعرون بالأصالة الكامنة وراء كل كلمة، فصوتي هو وسيلة لنقل الرسائل المهمة، وبالنسبة لي، الموسيقى ومساعدة الآخرين ليسا منفصلين، بل هما متشابكان. إنهم يغذيون بعضهم البعض، ومن خلال كليهما، أسعى جاهدًا لإحداث تأثير. للموسيقى القدرة على الوصول إلى قلوب الناس والمساعدة في نشر رسائل الأمل والوحدة والحب، تمامًا كما يفعل العمل الإنساني، وكلما أعطيت أكثر في كلا المجاليْن، كلما نضجت كشخص، وكلما أملت في العطاء للعالم وإلهام الآخرين للقيام بذلك أيضًا. أراها أداة قوية، تمامًا مثل الفنانين الأسطوريين الذين سبقوني، مثل مايكل جاكسون، والعديد من الفنانين العرب مثل: زياد الرحباني وفيروز ومن جيلنا: زين ومروان خوري، وغيرهم ممّن استخدموا منصتهم لنشر رسائل الأمل والتغيير والعدالة، وإنّني أسعى جاهدة للقيام بالأمر نفسه. من خلال صوتي، أريد زيادة الوعي وإلهام التغيير الإيجابي وتذكير الناس بالأشياء المهمة حقًا، والأشياء التي يمكن أن تشفي العالم. فمساعدة الآخرين متأصلة في شخصيتي، والموسيقى تعزز ذلك، إذ تمنحني منبرًا أوسع لمشاركة تلك الرسائل، سواءً كان ذلك دعمًا للقضايا الإنسانية، أو تشجيعًا للناس على تحقيق أحلامهم، أو تعزيزًا للوحدة في وجه الشدائد. كل نغمة أغنيها هي فرصة لنشر المزيد من الحب، والمزيد من الأمل، والمزيد من الوعي. هذه هي القوّة الحقيقيّة للموسيقى، قدرتها على تجاوز الحدود والتغيير، تمامًا مثل العمل الإنساني الذي أعشقه.