يقع استوديو كاتب الأغاني ومنتج التسجيلات الإيطالي، داردست Dardust، في ميلانو، في حي سيتا ستودي، ويتميّز بنافذة كبيرة خلف بيانو، حيث يُعدّ الضوء الطبيعي أساسيًا لعمله الإبداعي. ربما ينبع ذلك من طفولته في بلدة ريفية صغيرة قرب أسكولي بيتشينو، والتي لطالما شعر أنّها ضيقة جدًا على أحلامه الواسعة. في التاسعة من عمره، بدأ العزف على البيانو ليُنافس شقيقته، والتي توقّفت في النهاية، لكنّه عزم على الاستمرار، وأصبح العزف على البيانو الكلاسيكيّ في المعهد الموسيقيّ، وسيلته لتلوين الأيام داخل فقاعة تلك البلدة الصغيرة. يقول: "للفن بُعدٌ مُطهّر. الموسيقى تُساعدك على التطور، حتى في خضم الصدمات. إنّها مثل الكينتسوغي، وهي تقنيّة تسلّط الضوء على إحفاء شقوق الأشياء المكسورة بالذهب، ممّا يجعلها أكثر جمالًا، وهذه الفكرة تُلازم جميع ألبوماتي".
بعد سنوات من التدريب الكلاسيكي، اكتشف داريو فايني، وهو الاسم لداردست، الموسيقى الإلكترونيّة، والتي قد يُطلق عليها البعض خيانة؛ بينما يُطلق عليها هو الفضول والانفتاح. إنّه فنان في حال تغيّر مستمر: عازف بيانو، ملحن، ومنتج، وتكمن قوّته الدافعة في تحدّي الحدود. لقد تعاون مع جوفانوتي وإليزا وصامويل بيرساني وماركو مينجوني وإيما وإيلودي ولازا ومدام ولا رابريسينتانتي دي ليستا، والقائمة لا حصر لها. كذلك، شارك في كتابة أغنيتين حائزتين على جائزة سانريمو، وهما أغنية محمود سولدي وأغنية أنجلينا مانجو لا نويا، وقد ألف أيضًا للمسرح والسينما (ماني نود لماورو مانشيني)، وزيّنت موسيقاه كلًّا من سوبر بول والألعاب الأولمبية. والآن، يقوم داردست بجولة مع أحدث ألبوماته على البيانو Urban Impressionism، والذي أُطلقَ أخيرًا في إصدار فاخر يضمّ ستة مسارات جديدة، بما في ذلك أربع مقطوعات غير منشورة. في 14 مارس، عزف في قاعة أوديتوريوم ديلا نوفولا بروما بعد ظهوره لأوّل مرة في قصر Seven Heavenly Palaces المذهل في ميلانو في بيريللي هانجار بيكوكا، وسيتابع جولتها بعد ذلك عبر عشر مدن أوروبية، من برشلونة إلى لندن.
ما هو ألبوم Urban Impressionism، ولمَ تشير إلى جماليّات الفنّ من خلاله؟
وُلد الألبوم في باريس، التي تعدّ مهد الانطباعية، لكنني انجذبت إلى ضواحيها، إلى البيئات الوحشية. فالمناطق المهجورة تمثّل صدماتنا الشخصيّة وجروحنا، ولكنها تُرمز أيضًا إلى بزوغنا في ضوء جديد. استوعبتُ تلك الأشكال الهندسية القاسية، والخطوط الملموسة، وترجمتُ أنفاسها إلى موسيقى، وأعجبتني فكرة تلوين الأسود والأبيض لمحيطنا العاطفيّ كرسام انطباعي.
هل يحدث هذا التنفيس عن العواطف في كل مرة تعزف فيها؟
علّمني العظماء أن أعزف كل مقطوعة كما لو كانت المرة الأولى، حيث عليك أن تدع نفسك تُفاجأ، كما لو أن اللحظة وُلدت للتوّ، وهذا يُجلب الحقيقة، وهذا بمثابة تمرين أساسيّ عندما يُشلّك الخوف من الفشل. في هذه الجولة، أردتُ تجريد كل شيء: لا مرئيات، لا ألوان، لا إخراج، فقط أضواء بيضاء، ليكون حفلًا موسيقيًّا أساسيًّا، يخلو من أي مُشتتات. في المركز: أنا، موسيقاي، وقصتي.
هل تتذكر أول مرة صعدت فيها على المسرح بمفردك؟
ارتجفت يداي، وبالكاد استطعت التنفس، وكان الأمر أشبه بالغرق تحت الماء، وظلّ هذا الشعور يلازمني حتى مضى عاميْن. لطالما كان عدم تخرّجي من المعهد الموسيقي نقطة ضعفي، لكنّني أدركت حينها أنّ ذلك في الواقع نقطة قوّتي: وإلا لكنت متشبثًا بزمام الأمور، ولم أتوقف عن التعلم أبدًا.
ما الذي تقوم به قبل العرض؟
التأمل... فذلك يساعدني على العودة إلى الحاضر، وتبديد الغيوم والقلق. إنّ عيش اللحظة يسمح لك بإعطاء كل شيء، ويمنحك الطاقة، والصدق، والوضوح، ويجردك من الأنا والتظاهر، لتشعر بأنّك أنت وحدك.
كثيرًا ما يثير كسر الحدود الشكوك. هل حدث لك هذا؟
كثيرًا ما أشعر بسوء الفهم، لكن لا بأس، لأنّ الناس يحتاجون إلى وضعك في قالب خاص ليشعروا بالراحة. "كيف يمكنك أن تكون جيدًا في العزف على البيانو الكلاسيكي، وأن تستمع إلى إيقاعات موسيقية عصرية، وأن تكتب أغنية بوب ناجحة؟" لم لا؟ ثم يسألونني حتمًا: "هل ستذهب إلى سانريمو هذا العام؟"
من هم الأشخاص الذين تتجنّبهم؟
أتجنّب أي شخص مغرور جدًا، إنّما أقدّر أولئك الذين يمكنهم الصمت والاستماع. لورينزو (جوفانوتي) مستمع رائع، ليس بالضرورة أن يكون كذلك ولكنه كذلك. الأشخاص العظماء حقًا يجمعون بين التواضع والانفتاح.
أخبرنا عن وشمك
إنه قلب بداخله غلاف ألبوم Sigur Rós، والذي ألهمني كثيرًا، لكن التأثير الأكبر عليّ كان ديفيد بوي، إذ علّمني اختيار عدم القدرة على التنبؤ، والاستمرار في إعادة خلط الأوراق. على ذراعي الأخرى، لدي وشمًا لكلمة "Humble"، في إشارة إلى كل من الكلمة نفسها وأغنية كندريك لامار. أحب فكرة عازف بيانو يبلغ من العمر 48 عامًا مع وشوم على يديه، فهو أمر غير أكاديمي على الإطلاق.
من بين جميع الفنانين الذين عملت معهم، من لديه تلك الكاريزما الخاصة؟
إليزا، فهي مؤديّة استثنائية ولديها عقلية مبدعة، وتملك هي ولورنزو شيئًا نادرًا واستثنائيًّا مشتركًا.
ما أكثر ما تفتخر به؟
أنني حقًا ولدت من العدم. أخذت ما استطعت من الأشخاص الذين قابلتهم واكتشفت الأمر بمفردي. اكتُشفت في الثامنة والثلاثين، بعد سنوات من العمل التمهيدي، لكن الأفضل لم يأتِ بعد. ما زلت أعيش في حال من الغموض، حيث إنّ جزءًا مني يجدها حماية، والجزء الآخر مستعدّ لتقديم المزيد. وحلمي؟ الفوز بجائزة كبرى لأفضل موسيقى تصويرية. وهل تعلمون ما الذي افتقرت إليه؟ مرشد. شخص يرشدني كما أحاول توجيه الآخرين. مررت بالعديد من اللقاءات المهمّة، لكنني لم أجد ذلك الشخص الذي رأى الصورة كاملة. لطالما كان عليّ أن أكون بوصلتي الخاصة.
مع من استمتعت بالعمل أكثر؟
إليزا، فنحن مثل الأشقاء، أحب مفاجأتها، لكنني أضحك كثيرًا مع لورينزو ومحمود وإيلودي أيضًا.
ما هي أكثر لحظة سريالية في مسيرتك المهنية؟
خلف كواليس سانريمو، اقترب مني أحد أعضاء الفريق حاملاً نوتاتي الموسيقية وقال: "استعد. لقد فزت". كنتُ أقود الأوركسترا لمحمود، الذي لم يكن معروفًا آنذاك. كان حولي كل هؤلاء الأساتذة الأسطوريين، وها أنا ذا، مبتدئ.
من تحلم برؤيته يجلس في الصف الأماميّ؟
حلم مستحيل؟ إنيو موريكوني. كنتُ معجبًا به كثيرًا. كان موسيقاه بوب، لكنه كان دائمًا يبحث عن شيء مميز - لحن أو صوت جريء لا يُنسى، ولكنه في الوقت نفسه راقي. كنتُ أتمنى لو أسأله نصيحته.