مقابلة حصرية مع نانسي عجرم

بعد أن ألهمت جحافل من النساء لإيجاد طريقهنّ وإعلاء صوتهنّ، تمكّنت نانسي عجرم أخيراً من أن تمسك بزمام قصّتها الخاصّة. في مقابلة حميمة، تتحدّث عن الأمومة وأهميّة الأسرة وكيف وجدت نفسها (والسعادة) بعيداً عن الأضواء.

 

الرّوابط العائليّة جزء لا يتجزأ من نمط الحياة اللبناني. كيف كانت نشأتك وسط عائلتك؟ يمكنني أن أقول أنّنا نشأنا في عائلة متماسكة. منذ أن كنّا صغاراً أنا وإخوتي ونحن دائماً سويّاً لا نفارق بعضنا، وأهلي يراقبوننا باستمرار. كان هناك حرص على تربيتنا بطريقة سليمة، وعلى أن نكون دائماً على الطريق الصحيح ولو تطلّب الموضوع بعض القسوة أحياناً عندما كنّا نخطئ. لم تكن حياة وردية كما يقال، وكان هناك طبعاً صعوبات خضناها سويّا كعائلة وتخطيناها سويّاً. ولمّا أنظر اليوم إلى الوراء، أقول لنفسي: قد تكون هذه التجارب كلّها هي التي أوصلتنا إلى ما نحنا عليه.

 

كيف تصفين منزلك في ثلاث كلمات؟

دفء، حب، حياة، بِحُلوِها ومُرِّها.

 

قبل أن تصبحي أمّاً، هل كان لديك فكرة عن أيّ نوع من الأمهات تريدين أن تكوني؟ وكيف يقارن ذلك بالواقع اليوم؟

أعتقد أنّ كل الفتيات قبل الزواج يتخيّلنَ كيف يمكنهنّ أن يعشنَ الأمومة. أنا، مثلاً، كنت أقول لنفسي دائماً: لن أخاف على أولادي بهذا القدر ولن أحمل همّهم طوال الوقت. ولكن، لا أحد يستطيع أن يدرك معنى الأمومة حتى يختبر هذا الشعور. فعندما صرت أمّاً، تبيّن لي أنني أخاف أكثر بكثير وأحمل همّ أولادي أكثر بكثير مما كنت أتوقّع وأنا حريصة جداً على أولادي. فهذا فوق إرادتي. فهناك أشياء كثيرة في الحياة لا تفسّر ومنها علاقة ومشاعر الأم تجاه أطفالها. لهذا السبب أحاول باستمرار أن أوفّق بين عاطفتي الجيّاشة تجاههم وبين ضرورة أن أترك لهم المجال كي يتعلّموا بنفسهم من الحياة ويكبروا. لكن طبعاً، حتى عندما يعتقدون أنّهم وحدهم، أكون أراقبهم وأتابعهم عن بُعد.

 

ما هو أقوى شيء وجدتيه في الأمومة؟

قدرة الأم على فعل المستحيل لأجل عائلتها وأولادها. أحياناً، تضعني الظروف في مواقف لم أتخيّل في حياتي أن أجد نفسي فيها أو أن أستطيع تخطّيها. والمفاجئ أنّني أجد نفسي أقوم بما يجب، مهما كلّف الأمر، فقط من أجل أن أراهم مرتاحين.

 

كيف كانت حياتك الأسرية أثناء الجائحة؟

كأم، إن اردت أن أكون أنانية بعض الشيء يمكنني أن أقول أنّها أجمل أيّام. أن يكون أولادك أمامك باستمرار، وعينك عليهم، هو حلم كل أم ولو كان صعب التحقيق أحياناً. لكن بالإجمال، تلك الفترة لم تكن سهلة أبداً لأنّه في البداية لم يكن أحد يفهم ماذا يحصل. فالأولاد وجدوا نفسهم فجأة في البيت بين ٤ جدران، معزولين عن رفاقهم ومجتمعهم وعالمهم. وحصل الشيء نفسه بالنسبة لي. لا حفلات، حظر تجول في البلد كلّه وتسكير مطارات... لذلك استفدت من هذا الوضع لأقضي كل دقيقة معهم، ندرس معاً ونلعب معاً، أعانقهم وأشتمّ رائحتهم وأُشبع نفسي منهم... ولا أشبع!

 

أي دروس في الحبّ علّمتك إيّاها هذه الفترة؟

علّمتني أّنه وحده الوقت كفيل بأن يؤكّد لك إن كان فعلاً ما تشعرين به تجاه شريكك هو حبّ وليس شعوراً عابراً يزول مع الوقت. فإنّ تواجد المرأة مع زوجها في البيت، لوقتٍ طويل، مهما كان حلواً إلا أنّه يمكن أن يكون سبباً أساسيّاً للمشاكل. وهذا ما شهدناه في فترة الحجر. نسب الطلاق ارتفعت بشكل غريب. المشاكل الزوجية كثرت. من هنا تأكّدت أنّ ما نحسّه أنا وزوجي تجاه بعضنا البعض هو حبّ بكل معنى الكلمة. أن تضحّي من أجل الآخر وأن يضحّي هو من أجلك. تتقبّلان بعضكما في أحلى الحالات كما في أسوَئها. ولو اختلفنا، نعرف أنّ الخلاف ممنوع أن يستمرّ أكثر من ساعات لأنّ ما يجمعنا اقوى بكثير من أي شي ممكن أن يفرّقنا.

 

لقد مرّ عامان غريبان. كيف حافظتِ خلالهما على تفاؤلك؟

أنا بطبعي شخص متفائل. أحاول دائماً أن أرى الجزء النصف ممتلئ من الكوب. في عملي، ومع رفاقي وعائلتي، وأينما كنت. لا أنكر أنّني مررت بفترات تعبت فيها كثيراً وفكّرت أن أستسلم او أتشاءم، ثمّ عدت وتذكّرت أنّ لا شيء يدوم في هذه الدنيا، لا الفرح ولا حتى الحزن. وكل نزلة تقابلها طلعة. والجملة الشهيرة التي أردّدها دائماً رافقتني خلال هذه الفترة كلّما كنت أضعف: غداً سيكون أجمل دون شكّ.

 

تبدين هادئة جداً عندما تكونين بالخارج، في الطبيعة. هل أنت من محبّي الهواء الطّلق؟

أنا من محبّي الطبيعة بشكلٍ عام. أنتظر أوقات الفراغ لأستمتع بمشوار مع عائلتي أو أصدقائي وسط الطبيعة. أشعر أنّ هذا هو المكان الأنسب لي لأنسى كل التعب والمشاكل وأملأ نفسي بالطاقة الإيجابية التي تساعدني على الاستمرار.

 

ما الذي تفعلينه على صعيد العافية والرّعاية الذّاتيّة للبقاء سعيدة وصحية؟

أحاول أن أعطي كل شيءٍ وقته. يعني وقت العمل أركّز على عملي حتّى النهاية، ولكن اللحظة التي أصبح فيها في المنزل، يتراجع موضوع عملي ليسيطر اهتمامي بعائلتي على أولوياتي. لا أحمل معي مشاكلي وأنقلها من مكان لآخر وأحاول أينما كنت أن أحيط نفسي بأشخاص إيجابيين أستمدّ منهم طاقة جميلة عندما أحسّ أن طاقتي قد ضعفت.

 

ما هي أكثر النشاطات التي تحبّينها والتي تخصّصين لها وقتاً؟

وكيف تجدين لها الوقت؟ كما يّقال بالعامّيّة، "أسرق الوقت سرقة". هناك أشياء كثيرة أحبّ أن أقوم بها مثل الرحلات والمشي في الطبيعة والاسترخاء في السبا والتنزّه بالسيارة لأستمع إلى الموسيقى وأشياء أخرى كثيرة. فكلّما أحسّ أنّه لديّ الوقت لأقوم بأيّ منها، أغتنم الفرصة وأفرح بكلّ لحظة مهما كانت بسيطة.

 

كيف تضعين حدوداً فاصلة؟

فهذا حقّاً شيء يصعب فعله في المشهد الحديث. الحياة كفيلة بتعليمك أن تقسي وتقولي لا. تتعلّمين أن تضعي حدوداً حيث يجب أن تكون. بالنسبة لي، من الممكن أن أتهاون وأتساهل بكل شي إلا بما يتعلّق بعملي وعائلتي. هنا، أضع ليس فقط حدوداً بل خطوطاً حمراء أيضاً، ممنوع المسّ فيها او تخطّيها.

 

في العام المقبل، تدخلين الأربعينيّات من عمرك. فهل أنت قلقة أم متحمّسة؟

بالعكس! كلّني حماسة لما سيأتي. فموضوع العمر لم يشكّل لي عقدة يوماً. بالنتيجة سنون وسنون مرّت تحمل خبرة وخيبة، نجاحاً وفشلاً، طموحاً ويأساً... عوامل كثيرة ومواقف عديدة اجتمعت لتصنع منّي نانسي التي تعرفونها اليوم. والمشوار لا يزال في بدايته وأنا بالتأكيد متحمّسة لأرى ما تخبّئه الحياة لي في الأيام القادمة. فالذي مرّ جعلني أكون جاهزة لما سيأتي ولا تنسوا: بالتأكيد سيكون غداً أجمل!

 

 

تصوير: Sam Rawadi

تنسيق: Maya Chantout

المزيد
back to top button