كيف تحوّلت الأزياء الراقية إلى أزياء عصرية وعملية مع مرور الزمن؟

لطالما مثّلت الأزياء الفاخرة العالمية قمّة الرقيّ في عالم الموضة، مزيجاً من الحِرَفة الفائقة، الأقمشة الفاخرة، والتصاميم التي تنبض بشخصية مطلقة. لكنّ مع تغير الزمان وتسارع نبض المجتمع، ومع تداخل الثقافات، بدأنا نرى مفهوماً يتبدّل: حيثما كان الكوتور إقامة للمُثُل العليا، بات لموضة الشارع قوة لا يستهان بها، تمزج بين الراحة، التعبير الذاتي، والتجريب مع الحفاظ على الفخامة.

شانيل Chanel

 

من الحِرَفة الملكية إلى التواصل الجماهيري

بدأت الأزياء الفاخرة في الحِكر على النخب: البلاطات، الملوك، النخبة التي تطلب تفصيلاً دقيقًا، ملابس مُفصَّلة حسب المقاس، تُصنَع بمعايير لا تُجارى من حيث الجودة والابتكار. كانت الكوتور تعبيراً عن المظهر المثالي، الهوية الاجتماعية، والقوة والحِكمة الفنية للحرفيين والمصمّمين الذين يأخذون سنين يدرّبون مهاراتهم.

مع مرور الزمن، ومع التوّسع في وسائل الإنتاج، ظهور المصانع، وتطور وسائل النقل والتجارة، بدأ ظهور الأزياء الجاهزة، ومن ثم تسلّل نمط الشارع، المخترق بثقافات الهواة، الموسيقى، الرياضة، والشباب. صار التعبير الفردي، الراحة، والقدرة على الحركة مزايا مطلوبة، بل أساسية.

بالنسياغا Balenciaga

 

فخامة تُعيد تعريف ذاتها

اليوم لا يمكن الفصل التام بين الكوتور وموضة الشارع، فهما يتحاوران. الأسلوب الفاخر يستفيد من دعوات الراحة، من خامات جديدة، ومن قصّات مستوحاة من الحياة اليومية. والشارع بدوره يستفيد من رونق الفخامة عبر تفاصيل التنقيط اليدوي، الجودة العالية، والطباعة الرصينة. في هذا المشهد، الفخامة ليست فقط ما يُرى من الخارج بل ما يُشعر به، إذ يُراد أن تكون كل قطعة ليست مجرد لبس، إنما تجربة نعيشها.

جورج حبيقة Georges Hobeika

 

مفاهيم ستعيد تشكيل صناعة الأزياء

لم تعد الأزياء وسيلة تميّز بين طبقات اجتماعية وحسب، بل لغة يُعبّر بها الفرد عن هويّته، معتقداته، انتماءه. فيجب أن تتمتع الفخامة بالمرونة لتستوعب هذا التنوع. كما أنه، مع الوعي البيئي والاجتماعي، أصبح استخدام المواد المعاد تدويرها، الإنتاج الأخلاقي، واختيار الموارد المسؤولة أمورًا لا تُرفّع، بل متطلبات. الفخامة الحديثة تُظهر قدرتها على التجديد دون إسهاب الهدر، على الاحتفاء بالحرفي لكن دون التجاوز في الاستنزاف.

أما في ما يتعلّق بالتكنولوجيا ودخولها إلى مختلف المجالات، فإن الابتكارات الحديثة في الأقمشة، الطباعة الثلاثية الأبعاد، الذكاء الاصطناعي، حتى التخصيص الرقمي، تتيح إمكانيات لم تكن في الحسبان. ولا ننسى بالطبع، تأثير الثقافة الشعبية التي تلعب دوراً في اختراع الموضة التي يطلبها الشارع. هكذا تتداخل أنماط الحيّ، الشباب، الفن البديل في صناعة ترتكز على الفخامة.

 

المزيد
back to top button