هي انتهاكات لحقوق الإنسان في الحياة والحرية والكرامة، لجرائم تعدت الحدود والتضاريس، لجريمة أخذت شكلاً مستحدثاً من أشكال العبودية سميت " بجرائم الاتجار بالبشر"، التي تعتبر من أخطر الظواهر الإجرامية التي تعاني منها معظم دول العالم، باعتبارها مشكلة عالمية متعدية للحدود الوطنية، ولا تكاد دولة تخلو منها. لذلك أولت دولة الإمارات أهمية كبيرة لمكافحة هذه الجريمة، عبر إصدار القانون الاتحادي رقم (51) لسنة 2006 المعني بمكافحة الاتجار بالبشر، والذي يعد أول تشريع عربي في هذا الشأن، عدا عن دور المؤسسات والجهات الحكومية والوطنية في بذل الجهد لإيواء ضحايا الاتجار ومحاولة إيجاد البدائل وطرق الوقاية.
دراسة وطنية
أجرت مؤسسة دبي لرعاية النساء والأطفال دراسة ميدانية، تعد الأولى من نوعها تناول خصائص ضحايا الاتجار بالبشر على المستوى الوطني. وركزت الدراسة على الخصائص الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية للضحايا، والعوامل التي أدت إلى قدومهن لدولة الإمارات، وأنماط العنف التي مارسها الجناة عليهم، والآثار المترتبة على هذا الاستغلال، والمشاكل التي تواجه الضحية أثناء إيوائها في مؤسسة دبي لرعاية النساء والأطفال.
حول تفاصيل الدراسة، تقول بدريه يوسف الفارسي، مدير إدارة البرامج و البحوث في المؤسسة: " أجريت عينة الدراسة على ثمان حالات من النساء اللاتي تم إيوائهن في المؤسسة كضحايا الاتجار بالبشر، وتوصلت الدراسة إلى أن الضحايا ينتمين إلى جنسيات مختلفة تركزت في خمسة دول ( المغرب، و كولومبيا و أوزباكستان وباكستان والدومينيك)، فمشكلة الاتجار بالبشر تأخذ تنظيم إجرامي لا يقف عند حدود دولية محددة. وتوصلت الدراسة إلى أن المستوى التعليمي المتدني له دور في استغلال الضحية، وعامل الفقر والعزوبية لهما دور هام في وقوع النساء ضحايا لجريمة الاتجار".
عن الأسباب التي دفعت الضحايا للقدوم إلى الدولة، وبحسب الدراسة تعود لأسباب ذاتية تنبع من رغبة الضحية وسعيها إلى السفر من أجل تحسين الوضع المادي وزيادة الدخل، وعوامل من قبل المتاجرين، واستخدامهم لطرق الاستدراج والإغواء بهدف الاستغلال. كما حددت الدراسة أنواع العنف الممارس على الضحية، والتي تنوع بين العنف الجسدي والجنسي والنفسي والمادي، وكان الهدف من ممارسة هذه الأنواع من العنف، هو إحكام السيطرة على الضحية وإذلالها وإجبارها على ممارسة البغاء لتحيق مصالح وأهداف الجناة المتاجرين. كما أظهرت الضحايا أساليب ودرجات مختلفة من المقاومة عند علمها بحقيقة وطبيعة العمل المطلوب منها، كالهروب إحداهن والقفز من الدور الأول، وإبلاغ قنصلية بلدها والشرطة.
الآثار الواقعة على الضحية
ثمة أضرار نفسية واجتماعية واقتصادية وقانونية وأخرى صحية، مترتبة على استغلال الضحية، توضحها الفارسي، وتقول: " من بين الأضرار الصحية، تعرضت إحدى الضحايا لكسر في القدم ما تطلب عملية جراحية دقيقة و البقاء لمدة طويلة لتلقي العلاج في المستشفى. فضلاً عن حدوث الحمل لضحية أخرى، والتهابات في الرحم ، واضطرابات صحية عامة. أما الأضرار النفسية، وتبدأ أعراضها ما بعد الصدمة؛ كالاكتئاب والقلق والكوابيس، والخوف والرغبة بالانتحار، اضطراب الشهية وغيرها...وبالنسبة للأضرار الاجتماعية والنفسية، وتتمثل توقف معونة الأسرة مادياً، وفقدان الوظيفة، وزيادة الحاجة والفقر، وتراكم الديون لدى البعض، والبعد عن الأهل ، وتصدع العلاقات الأسرية ، والحرمان من استكمال الدراسة، عدا عن التكتم على المشكلة وعدم إبلاغ الأهل خوفا من الرفض والطرد من المنزل والوصم والعار، أما الأضرار القانونية، فتتمثل في مطالبة الضحية البقاء في المؤسسة لحين الانتهاء من كافة الإجراءات القانونية والتي يصعب معها تحديد فترة زمنية لتمكنها من مغادرة الدولة والعودة إلى وطنها".
السمات العامة للضحية
لدى معظم ضحايا الاتجار بالبشر سمات عامه، جعلتهن فريسة سهلة في يد المتاجرين، وهي:
السلوك: تتميز سلوكيات الضحية بأنها عبارة عن حالة من التفاعل مع المحيط ، وخاصة إذا كانت تعيش في بيئة خصبه للوقوع في جريمة الاتجار بالبشر، وفي الغالب تكون الضحية منقادة ومطيعة للمتاجر الذي تقع تحت سيطرته مما يسهل عملية الاتجار بها ويتصف سلوكها بالسلبية من حيث المقاومة أو التصدي ، وهنا يتميز الشخص القائم بالمتاجرة بالقوة الزائفة وأداء دور المتحكم بمصير الأشخاص وهذا ما يسيطر على سلوك وتفكير الضحية.
الشخصية: عادةً تكون شخصية الضحية مهزوزة ومتقلبة وضعيفة، حيث أنها تتأثر بالمحيط وتفقد السيطرة من حيث المقاومة والتصدي الذي هو من الضروريات لمواجهة أي خطر خارجي أو تحكم غير مبرر بتصرفاتها.
تحديات
ثمة عدد من التحديات تواجهها المؤسسات القائمة والداعمة لقضايا الاتجار بالبشر، يوضح القاضي الدكتور حاتم علي ممثل الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لدول مجلس التعاون الخليجي، ويقول: " إن جرائم الاتجار بالبشر تتداخل معها العديد من الجرائم الأخرى، والتحدي الأكبر هو معرفة إذا كان المتهم، هو ضحية أو مجني عليه. واتفاقية الأمم المتحدة لم تأتي لمكافحة البغاء أو الهجرة الغير شرعية أو مكافحة تزوير جوازات السفر، ولكن لمنع وقمع كل من يحاول استغلال الفئات الضعيفة في المجتمع للاتجار بهم". يرى القاضي، أن من ضمن التحديات هو التعامل مع ضحايا الاتجار بالبشر على أساس أشخاص مغلوب على أمرهم وليسوا مجرمين، وكذلك مقدرة الأجهزة الأمنية على التعرف على صور الاتجار بالبشر، والتي لا تأخذ فقط صور الدعارة أو التسخير في العمل، ولكن ثمة صور غير مباشرة للاتجار، كوضع العامل في ظروف غير إنسانية، مخالفه لبنود العقد الأصلي، والتحدي الأكبر يتمثل في مؤسسات رعاية الضحايا، في عدم استيعابها إلى كافة أشكال ضحايا الاتجار وتقديم لهم الخدمات المتساوية، وعلى وجه الخصوص الرجال، لأن جرائم الاتجار لا تقع فقط على النساء والأطفال، إنما أيضاً تطال الرجال.
تحقيق رنا إبراهيم