سلمى علي الكعبي، قصة نجاح فتاة كفيفة، أثناها وقدرها سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، عندما زارها في مركز الفجيرة لتأهيل المعاقين، وقرر ترقيتها إلى منصب خبيرة في مجال الدمج المجتمعي للمعاقين، تقديراً لكفاءتها وقدرتها الكبيرة على العطاء على الرغم من إعاقتها.
وصفت سلمى هذه الزيارة، بأنها أجمل مفاجأة في حياتها، إذ تمثل لها فخر وشرف لأنها أعطتها المزيد من الثقة والفخر والعطاء لخدمة الوطن، وتشير سلمى إلى العبارة التي هزت أعماق قلبها وأدمعت عينيها عندما قال لها سمو الشيخ محمد بن راشد " أنتِ فخر للإمارات".
طفولة مظلمة، وأحلام بريئة
عاشت سلمى قصة نجاح وتحدي كبير في ظل ظروف قاسية، إذ إن إصابتها بالمرض، الذي أذهب بصرها، لم تمنعها من المثابرة والإصرار على طلب العلم. وتقول " فقدت بصري جزئياً في سن الرابعة، بعد ان أصبت بالحمى الألمانية وكنت اتعالج بالمستشفى الكويتي بالفجيرة، وبعدها انتقلت للمعلاج في مستشفى راشد في دبي، لكن للأسف في فترة السبعينيات، لم تكن هناك الثقافة والوعي الكامل بين الأهالي بأهمية الطب والتشخيص العلمي للمرض، فلجأت والدتي إلى الطب الشعبي، هذا الأمر أدى إلى فقدان البصر بشكل نهائي في العين اليسرى، واعتمد على العين اليمنى، وحاولنا قدر المستطاع السيطرة والمحافظة على بقايا النظر، بالإبتعاد عن الهواء والحركة، لكن شقاوة الأطفال الطبيعية تجعل الممنوع مرغوب، وبالتالي فقدت بصري بالعين اليمني أيضاً وتم استأصالها، وهذه العين ليست التي خلقت عليها انما هي تجميليه".
واقع وتحديات
لم تستسلم سلمى للمرض، انما تجاوزت كل ثغراته وتحدياته، لتقف وبكل تفاؤل وإصرار من أجل تحقيق الأحلام. التي بدأت عندما أصرت على الذهاب إلى مملكة البحرين للدراسة في مدارس ذوي الإحتياجات الخاصة. واستطاعت ان تتجازوها مرحلة الظلام إلى أن وصلت إلى مرحلة الإبصار النفسي والمعرفي. " كنت أملك رغبة كبيرة في الدراسة، لكن عدم وجود مدارس و مراكز في دولة الإمارات تُعنى بالمكفوفين في ذلك الوقت، دفعني إلى السفر إلى مملكة البحرين، وإلتحقت بمدرسة المكفوفين، في عام 1980".
لاشك ان اغتراب سلمى اكسبها العديد من الخبرات والمعرفة في أمور الحياة من حيث الاعتماد على الذات والتعايش مع الاعاقة، لأن المدارس كانت مهيئة بشكل كامل للمكفوفين، والقائمين على التدريس من الجنسية البريطانية و ذوات خبرة كبيرة في التعامل مع المكفوفين، فضلاً عن طرق التعليم المتطورة والتي تهتم بالمكفوفين داخل المدرسة وخارجها، واستمرت سلمى بالدارسة حتى وصلت إلى الصف العاشر، لكن الحنين إلى الوطن دفعها إلى العودة لتستكمل مراحل التعليم في دولة الإمارات. " عندما وصلت إلى الصف العاشر كان يتبع في منهج البحرين طريقة الدمج مع المدراس العادية، ووجدت انها تجربة ممتازة والحمد لله لم تواجهني اي مشاكل أو صعوبات، وبعدها راودتني فكرة العودة الى ارض الوطن، لاستكمال الدراسة في مدارس الدولة".
أول كفيفة في المدارس الحكومية
تعتبر سلمى أول كفيفة تم دمجها في المدارس الحكومية في دولة الإمارات، و هذه الخطوة جعلتها تواجه من جديد تحديات وصعوبات أخرى، لكن اصرارها وحبها للتعليم، جعلها تتجاوز كل التحديات. وقالت " لم تكن فكرة الدمج مطبقة في مدارس الدولة، لكن بالاصرار فرضت نفسي على مواجهة هذه الصعوبات، وإلتحقت بمدرسة أم المؤمنين، واستطعت النجاح والتفوق وحصلت على نسبة 76%، مع العلم انه لم تتوفر لدي المستلزمات الخاصة التي تساعدني على التعليم. كنت اذهب إلى امام احدى المساجد ، صاحب صوت عذب وواضح يقوم بتسجيل المنهج الدراسي على شرائط الكاسيت، أقوم بتلخيصها على طريقة "برايل"، فضلاً عن معاناتي اليومية حين أقوم بحمل آلة الكتابة ذات الوزن الثقيل من المدرسة وإلى البيت، لكن حرصي على آداء واجباتي بشكل كامل حتى لا أترك ثغرة في دراستي، جعلني أتجاوز كل التحديات".
مازالت أحلام وطموحات سلمى مستمرة، في أن تحقق انجازات تحفظ لها كيانها ومستقبلها في المجتمع، لذلك إلتحقت في بعثة خارج الدولة لإستكمال دراستها الجامعية ، وتحديداً في جامعة حلوان، " كنتُ أرغب بدراسة التربية الخاصة، وتفاجأت ان هذا التخصص كان مجرد دراسات ولم يتم تطبيقها بعد، لذلك اضطررت إلى دراسة اللغة العربية لمدة أربعة أشهر وبعدها إنتقلت إلى تخصص التاريخ، وفي السنة الثالثة، كان يتوجب علي البدء في التدريبات الميدانية في المدراس الحكومية، وكنت خائفة كيف سوف اتعامل مع المبصرين، لكن عندما خضت التجربة وجدت ان الموضوع سهل للغاية، وحصلت على تقدير إمتياز في العمل التدريبي.
الحلم أصبح حقيقة
بعد حصول سلمى على الشهادة الجامعية، لم تجعل الخوف أو اليأس يقف أمام مستقبلها الوظيفي، لذلك إلتحقت بمركز الفجيرة لتأهيل المعاقين، لتؤدي وظيفة تدريس المكفوفين، وبجانب مهنتها التدريسية استطاعت سلمى تعليم الطلاب على كافة المهارات الحياتية التي يحتاجونها، من حيث الإعتماد على الذات، والتعامل مع الآخرين، فضلاً عن الدورات التوعوية المقدمة لأهالي المعاقين، وإستطاعت ان تطبق نظام الدمج الحكومي للمعاقين، إلى ان تمكنت من دمجهم في المدارس الحكومية ، إذ يعتبر مركز الفجيرة لتأهيل المعاقين، أول من طبق نظام دمج المكفوفين في المدارس الحكومية.
ولسلمى مشاركات في مؤتمرات خاصة بالمكفوفين داخل الدولة وخارجها ، وإلتحقت بدورات تدور حول المناهج ورعاية المكفوفين وتعزيز مهارات الطلبة. ومثلت الدولة في دورات عن المرأة المعاقة، بينهما مؤتمر المرأة المعاقة في مملكة البحرين، و مخيم المكفوفين في المغرب، ومؤتمر لبنان لدمج المعاقين وتوظيفهم في الدوائر الحكومية، وفعاليات أخرى في بريطانيا والأردن وقطر.
لعل اجتهاد وتفاني سلمى في تقديم رسالة تعليمية وإنسانة هادفة تسعى إلى دمج ذوي الإحتياجات الخاصة في المجتمع والإستفادة من قدراتهم، جعلها محط اهتمام من جميع وسائل الإعلام، إلى ان جاءت لحظة التحول الأكبر في حياة سلمى حين زارها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بشكل مفاجئ إلى مركز الفجيرة لتأهيل المعاقين، وأمر بترقيتها إلى منصب خبيرة لدى وزيرة الشؤون الإجتماعية في مجال الدمج المجتمعي للمعاقين.
رسالة إنسانية
توجه سلمى رسالة انسانية إلى كل أم وهبها الله طفل من ذوي الاعاقة، بأن تتقبل الأم طفلها كما هو، وأن تثق به لانه يمتلك قدرات تميزة عن غيره، ويستطيع أن يحقق انجازات لايستطيع ان يحققها الإنسان العادي، وان تؤمن بأن العقل والقوة والإرادة هم أساس نجاح الإنسان، بغض النظر عن الحواس السته التي يتمتع بها باقي البشر.
وتشير إلى بعض العائلات، الذين يرفضون الاعتراف بوجود طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة بينهم ، بدافع الخوف على طفلهم، والنادر منهم يكون لديه خجل اجتماعي من وجود المعاق، " للأسف يعيش بعض المعاقين في قمقم وبعيداً عن أعين الناس والحياة الطبيعية، ويذهب الأهالي السبب إلى عدم تقبل المجتمع لإعاقة اطفالهم، لكن المشكلة من البداية هي الأسرة ومن ثم المجتمع، وعلى الأسرة أن تحاول دمج ابنائها من ذوي الاحتياجات في المجتمع وإذا رفض المجتمع تقبلهم هنا يجب محاسبته".
تحقيق رنا إبراهيم