لا يختلف اثنان على أهمية القراءة في حياتنا اليومية ولاسيما الاجتماعية منها، فالقراءة توصف "برياضة العقل" التي تُحافظ على صحته وقوته. وهي لا تقتصر على عمر معين، لذلك يجب على الآباء والمربيين إيلاء أهمية كبرى للأبناء عبر تحفيزهم على القراءة وتوجيههم نحوها في عمر صغير، لما لها من أهمية عُظمى في تطوير عقولهم وذكائهم ومنحهم العلم والمعرفة، وحمايتهم ايضا من أمراض الشيخوخة، نظرا لقدرة القراءة على التقليل من ضعف الذاكرة، وخلق متعة ك تسهم في التخفيف من التوتر والضغط؛ لأنّها من الأنشطة المسلية التي يُمارسها الفرد بكل سعادة.
ففي دراسة حديثة ، وُصِفت بالصادمة نظرا لنتائجها الايجابية، واجراها فريق من الباحثين في معهد بيكمان للعلوم والتكنولوجيا المتقدمة تبين ان هناك سببًا آخر لحب هواية القراءة هو أنه يمكن أن يساعد في الحفاظ على مهارات الذاكرة مع التقدم في العمر.
واوضحت الباحثة في معهد بيكمان ليز ستاين مورو، والتي تشغل أيضًا منصب مدير مختبر تعليم الكبار وعضوة هيئة تدريس في قسم علم النفس التربوي وكبيرة الباحثين في الدراسة، إن إحدى القدرات العقلية التي تعززها القراءة، هي الذاكرة العرضية، أو ذاكرة الأحداث، والتي تسمح للشخص بتذكر ما حدث في الفصول السابقة من الكتاب وفهم القصة المستمرة، مشيرة إلى أن القدرة الأخرى هي الذاكرة العاملة والقدرة على الاحتفاظ بالأشياء في ذهن المرء بينما ينخرط في عمليات عقلية أخرى.
وأوضحت أن ذاكرة العمل تساعد على تتبع الأشياء التي حدثت في الفقرات الأخيرة بينما يواصل القراءة. وتابعت الدكتورة مورو أن كلا من الذاكرة العرضية والذاكرة العاملة تميل إلى التدهور مع التقدم في العمر، لكن القراء العاديين يمارسون هذه المهارات بشكل روتيني في سياقات مختلفة.
واشارت مورو الى ان هناك أدبيات قوية للغاية تُظهر أن هناك علاقة بين الذاكرة العاملة وفهم اللغة والذاكرة طويلة المدى، كاشفة ان ذاكرة العمل تتراجع مع تقدم العمر، ولكن هناك الكثير من الاختلافات، خاصة بين كبار السن.
وفيما يعتبر كثر ان اللغز المحيط بالعلاقة بين القراءة والذاكرة هو ما إذا كانت القراءة تساعد على تحسين الذاكرة أو إذا كانت قدرات الذاكرة العاملة القوية تحسن مهارات فهم القراءة، فاعتبرت الدراسة ان معرفة اتجاه السببية سيكون له آثار مهمة على أنواع العلاجات التي يمكن أن تساعد في الحفاظ على الذاكرة طوال حياة الفرد.
وفي هذا الاطار، أجرت الدكتورة ستاين مورو وفريق الباحثين متعدد التخصصات دراسة لاختبار العلاقة السببية بين القراءة والذاكرة وتحديد أيهما يساعد الآخر، حيث قام الباحثون باختيار مجموعة من الكتب الشيقة والجذابة وتم توزيعها على كبار السن المشاركين في الدراسة عبر أجهزة الكمبيوتر اللوحية تم إعارتها لهم طوال مدة الدراسة. تم أيضًا تحميل أجهزة الكمبيوتر اللوحية مسبقًا بتطبيق مخصص يسمح للمشاركين بتتبع تقدم القراءة والإجابة على استبيانات إضافية.
وقد عمد المشاركون الى القراءة لمدة 90 دقيقة في اليوم، خمسة أيام في الأسبوع، لمدة ثمانية أسابيع فيما أكملت مجموعة تحكم نشطة منفصلة ألغاز الكلمات على الأجهزة اللوحية الخاصة بهم بدلاً من القراءة أثناء تتبع تقدمهم باستخدام التطبيق نفسه المخصص. وتبين لاحقا أن مجموعة المشاركين، الذين قاموا بممارسة القراءة لمدة ثمانية أسابيع أظهروا تحسينات كبيرة في الذاكرة العاملة والذاكرة العرضية. بعبارة أخرى، أوضحت الدراسة أن القراءة المنتظمة والمتفاعلة عززت مهارات الذاكرة لدى كبار السن.