المرض الوراثي يمثل حاله من الرعب و الرهبة للأزواج وخاصة وأن عادة الزواج من الأقارب في دولة الإمارات تنتشر بشكل واسع ضمن العديد من المجتمعات، ولا تنحصر في مواطني الدولة فقط ولكن تتخطى ذلك لتشمل المقيمين من العرب والآسيويين أيضاً.
تشير الدراسات التي قام بها المركز العربي للدراسات الجينية خلال العشر سنوات إلى أن هناك ما يزيد عن 270 مرض وراثي في الدولة. وتوصلت دراسة أجرتها جامعة الإمارات إلى أن من 40 إلى60% من الزواج في الدولة هي عبارة عن زواج قرابة.
لا إنجاب بعد اليوم
عندما أخبرها الطبيب أنها حاملاً، تبسمت وامتلأت حياتها فرحاً وابتهاجاً لاسيما وهي " آخر العنقود"، وعند ولادتها أخبروها وقالوا" مبروك جاءتكِ أجمل طفلة في المستشفى"، كانت الأم متفائلة جداً بمولودتها التي جاءتها بعد ولادة طفلين وانتظار ثمان سنوات، ولادتها كانت بمثابة هديه وفرحة للعائلة، تقول والدته رشا إبراهيم المصابة بالتوحد ومرض الصرع، " كنت أتباهي جداً بطفلتي الجميلة، ولم ينتابني الشك أبداً أن تكون طفلتي مريضة، رغم أن كل المؤشرات تدل على أنها مصابة بالإعاقة والمرض، حتى اكتشفت الفاجعة عندما بلغت رشا السنة والنصف، وكانت آنذاك تحاول المشي، وفجأة سقطت رشا وإذا تعاني من تشنج حاد، مازلت أذكر تلك اللحظات بالتفصيل توجهت مسرعة للمستشفى واخبرني الطبيب بأن الطفلة مصابة بالصرع، وكانت هذه أول فاجعة بالنسبة لي، وبعدها بفترة لم أرى أي تطور أو تحسن في صحتها لاسيما مقدرتها على الكلام، إلا أن اكتشفت الفاجعة الثانية أن صغيرتي مصابة بالتوحد، وهي اليوم أكملت عمرها 20 ومازالت تعاني المرض والإعاقة". تقول أم رشا أن مرض ابنتها ربما كان نتيجة الوراثة حيث أنها متزوجة من ابن خالتها، ولكن بعد معاناتها مع ابنتها رفضت الإنجاب، وخاصة أن والد رشا بعد معرفته بخبر مرض ابنته أصيب بالجلطة القلبية وبعد عامين توفي، كما والدتها و تخشى أن يكون مرضها وراثياً، لذلك لا تحبذ زواج الأقارب، وخاصة بالنسبة لأولادها.
الإعاقة لأخوين والأم لا تخشى الوراثة
هي قصة تجمع ما بين المأساة والمعاناة الجماعية، لأسرة مكونة من سبعة أشخاص، الأم وستة أولاد، من بينهما شابين مصابين بإعاقات مزمنة، الشاب الأول لافي- 25 سنة- يعاني منذ الولادة من ضمور في الدماغ، وأخوه الأصغر زهير21 سنة، الذي يعاني من شلل أطفال، تقول والدتهم إلهام: " تزوجت برجل لا يقربني، وأنجبت في البداية ثلاثة أولاد وإذا أكملوا أشهرهم الأولى كانوا يموتون دون معرفة السبب، حتى أنجبت ابني الأكبر في العام 1980 والحمد لله هو طبيعي، هنا أحسست بالسعادة والتفاؤل، وبعدها أنجبت بنتين وجميعهما بصحة جيدة، كنت أظن أن النحس زال، أو أني كنت محسودة ربما!، وبعد أن تذوقت لذت الأطفال، قررت أن لا أتوقف عن الإنجاب، وكان زوجي يحلم بأن يكون لدينا أكبر عدد من الأبناء، وبعدها أنجبت ابني لافي، وكانت فترة الحمل والولادة فيه طبيعية، لكن بعد الولادة اكتشف أنه مصاب بضمور في الدماغ، كنت أخشى أن أفقده رغم إعاقته كان همي الوحيد كيفيه المحافظة على حياته، وعندما أكمل عامه الأول أحسست بالطمأنينة بأن طفلي سيعيش رغم الألم والمعاناة، بعدها أنجبت زهير وهو أيضاً مصاب بشلل الأطفال، هنا قررت أن أتوقف عن الإنجاب، وخاصة وأن ابني الأصغر عانى كثيراً وأجريت له عدد من العمليات الجراحية في بداية ولادته، ولكن لا أعتقد أن ثمة سبب وراثي لهذه الأمراض كون تاريخ عائلتي وعائلة زوجي لم تشهد أي إعاقة، كما أن زوجي يعتبر غريب عني، ولكن شاءت الأقدار أن أنجب بعدها مولودة صغير والحمد لله هي طبيعية". ترى إلهام أن العامل الوراثي لا يعتبر معياراً لانتشار المرض، وتقول: " لو يعلم الناس لذت ذوي الاحتياجات الخاصة في المنزل، لما خافوا أن ينجبوا أمثالهم، عن وجودهم نعمة في حياتي، وأنا فخورة بهم، وحاولت أن أقدم لهم كل ما أستطيع، فأبني الأكبر كان في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، أما زهير فتم دمجه في المدارس العادية حتى الصف السابع، وشاءت الأقدار أن نرحل إلى سوريا مسقط رأسنا، ونتيجة الأوضاع السائدة، أصبح الشابين ملازما المنزل، وهذا أكثر ما يحزنني، لأنني أردت لهم المستقبل".
الإنجاب مسألة صعبة ومخاطرة كبيرة
منى زهدي 32 سنة، مصابة بمرض الثلاسيميا الذي ورثته عن أبيها، تقول: " لم تكن معروفه أسباب المرض، ومع تطور العلم أكتشف أن المرض نتيجة الوراثة وزواج الأقارب، لذلك رفضت الزواج بشخص يقربني وكان شرطي الوحيد أن يكون زوجي غريباً، وعندما تزوجنا أجرينا الفحوصات اللازمة ولحسن الحظ زوجي لا يحمل المرض، ولكن مازلت خائفة أن ينتقل المرض لأولادي، وأنا لدي طفلة تبلغ من العمر عامين، والحمد لله هي غير مصابة أو حاملة للمرض، ورغم ذلك مازلت أعيش الخوف، ومسألة الإنجاب مجدداً صعبة وفيها مخاطرة كبيرة".
تحقيق رنا إبراهيم