تخجل الكلمات أمام العملاق ريمون جبارة. كيف بامكاننا اختصار مدرسة ببضع كلمات ومقال. سنلتجئ إلى كتابات صحيفة النهار، التي شكلت صفحاتها منبراً أساسياَ لاراء جبارة، فهم أولى بالتعبير.
لن يستيقظ ريمون جبارة المخرج ثانيةً من سباته ليمسك سيجارته وينادي مالا لتحضير فنجان النسكافيه في الخامسة صباحاً، لا نكايةً، كما كان يقول، بتركيا، ولا بالعروبة، ولا لأن مالا تمزج النسكافيه بالحليب الذي يخفف أضرار القهوة التركية – العربية، بل لأنه صعد مع قندلفت إلى السماء.
توقف قلم ريمون جبارة الإعلامي، ولن يذهب بعد اليوم إلى إحدى الكافيتريات في بلدته ليكتب مقالته، بحماسة أو بلا حماسة، لينشرها في الصحافة المكتوبة، هو الذي كان صاحب زاوية أسبوعية في "ملحق النهار". ربما "حازوقته" قد شهقت معها أنفاسه الأخيرة وخطفته، تلك التي كانت تشرّفه يومياً بدءاً من الساعة الحادية عشرة صباحاً حتى التاسعة مساء والتي لم يعرف لها الأطباء سبباً طبياً، وبها استجابه القدر، فلن يعود أدراجه عبر إذاعة "صوت لبنان" ليقول "ألو ستي"، لأنه اليوم بقرب جدته في حياته الثانية.
أمس، رحل ريمون جبارة، ممثل الستينات الذي التحق بمعهد المسرح الحديث وفرقة المسرح الحديث وحلقة المسرح اللبناني، والذي ساهم في تأسيس فرقة المسرح الحر (1960 - 1970) حيث لمع نجمه على خشبات المسارح وأصبح من أبرز الممثلين الموهوبين وأكثرهم براعة. بدأ جبارة تجربة الإخراج والتأليف العام 1975، فكان أول أعماله المسرحية "لتمت دسدمونة"، ثم "تحت رعاية زكور"، وبداية تمارين مسرحية "دكر النحل" التي قطعها اندلاع الأعمال العسكرية.
فترة الذروة الإنتاجية في مسرح ريمون جبارة، على الرغم من زمن الحرب، كانت ما بين 1975 و1986 حيث قدّم "شربل"، و"زرادشت صار كلباً"، و"محاكمة يسوع"، و"قندلفت يصعد إلى السماء"، و"دكر النحل"، ورائعته الفنية "صانع الأحلام" التي نالت جوائز في مهرجانات عربية وتقدير النقّاد على السواء.
عُيِّن جبارة مديراً عاماً ورئيساً لمجلس إدارة تلفزيون لبنان بين العامين 1987 و1990، وهي مرحلة انصرف خلالها إلى عمل إداري أنهكه وأبعده قسرياً عن المسرح، وأدى في النهاية إلى إصابته بعارض صحي خطير كانت نتيجته شللاً نصفياً حتّم مرحلة صراع قاسية في حياته.
كما عمل ريمون جبارة أستاذاً جامعياً بدأ التدريس في معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية بعد افتتاحه، ولعب دوراً بارزاً في إعداد أجيال من الممثلين والمخرجين المسرحيين.
مرحلة العودة المتقطعة إلى المسرح كانت بين 1993 و2013 حيث قدّم في فترات متباعدة مسرحيتي "من قطف زهرة الخريف"، و"بيكنيك على خطوط التماس"، وأعاد عرض "زرادشت صار كلباً" و"شربل" مع جيل جديد من الممثلين، كما أخرج مسرحيات للكاتب أنطوان غندور هي "يوسف بك كرم" و"طانيوس شاهين" و"نقدم لكم وطن"، إلى العام 2012 حين أبى إلا أن يستمر في الكتابة والإخراج المسرحيين ليتحفنا بـ"مقتل إن وأخواتها"، العمل المسرحي الأخير له الذي أثار جدلاً كبيراً لجرأة ذلك الثمانيني في المسرح اللبناني.
(هذا المقال نقلاً عن صحيفة النهار)