كانت ابنتي نور في الثالثة عشرة من عمرها حين بدأت علاماتها في المدرسة تتراجع بنسبة ملحوظة، هي من كانت الأولى في صفّها.
في البداية، أرجعت المسألة إلى سنّ المراهقة، لكن بالنسبة إليها لم تكن هناك من مشكلة بل إنّ الأمر سيمضي حتماً. ثمّ، قبل نهاية العام الدراسي عرفت أنّها ستعيد صفّها. بدا زوجي فراس غير مبالٍ حيال المشكلة كما لو أنّ الأمر لا يعنيه.
- تقلقين بلا سبب، هل نسيت كيف كنّا في عمرها؟
حاولت تسجيل نور في صفوف للرقص وشجّعتها على الخروج مع صديقاتها لكن عبثاً! كانت تفضّل البقاء وحيدة في غرفتها. راحت ابنتي المرحة بطبيعتها تغرق في الحزن ولم أعرف ما يمكن فعله لمساعدتها.
قرّرت اصطحابها لرؤية المعالج النفسي في المدرسة. وبعد بضع جلسات صارحني قائلاً إنّه يشكّ في أنّ نور تُخفي سرّاً يثقل كاهلها. فما هو يا ترى؟ لم يتمكّن من معرفة الأمر. شعرت بأنّني منهارة، فممَّ عسى ابنتي الصغيرة أن تكون خائفة؟ هل وقعت ضحيّة اعتداء ما؟ بحثت بلا جدوى عن وسيلة لجعلها تتكلّم. أمّا زوجي، من ناحيته، فلم يشاطرني القلق ذاته، الأمر الذي جعلني أشكّك. وحين فكّرت جيّداً لاحظت أنّ نور كانت تتفادى رؤية والدها بمفرده قدر الإمكان وكانت ترفض مداعباته، كما طلبت خلال العام الدراسي أن تذهب بالباص إلى المدرسة متذرّعةً بأنّها صارت شابة كبيرة ليوصلها والدها إلى المدرسة وبأنّ صديقاتها كنّ ينعتنها بالطفلة. هل تحرّش فراس بابنته؟ هذا أمر دنيء لكن كان عليّ معرفته. لذا في إحدى الأمسيات قرّرت التكلّم معه عن الأمر.
- ولكن أنتِ مجنونة تماماً. كيف عساك تتخيّلين أمراً كهذا ولو لثانية واحدة؟
لدى سماع صوتنا العالي، ركضت نور والدموع تنهمر من عينيها، فقال لها فراس:
- نور، أخبري والدتك لمَ أنتِ غاضبة منّي.
- كلا، لقد وعدتك بألاّ أتكلّم. لا أريد أن تُطلّقا.
- لن نتطلّق هيّا أخبري والدتك يا عزيزتي.
- رأيت أبي يقبّل والدة مروان أمام المدرسة، قالت بصوت خفيف.
لم أعرف إن كان عليّ أن أهدأ أو أن أغضب...
- انتهت هذه القصّة كما قلت لك ذاك اليوم. اقترفت خطأً لا أفتخر به البتّة. امسحي دموعك واذهبي إلى غرفتك فعليّ التحدّث مع والدتك.
حين صرنا بمفردنا، انفجرت غضباً:
- كيف تمكّنت من فعل ذلك لابنتك؟ هي مدمّرة. لقد أفسدت صورتك وصورة العائلة في نظرها وحمّلتها عبء هذا السرّ الثقيل طيلة هذا الوقت! أنت أناني! لم تفكّر سوى بمتعتك الشخصية. وأنا، هل فكّرت فيّ؟ كيف تمكّنت من خيانتي؟
- كنت أرى تلك المرأة يومياً حين أصطحب نور إلى المدرسة. كانت هي من تقرّبت منّي، أقسم لك. لقد أثارتني وللأسف الشديد رضخت لإغرائها. كان الأمر سهلاً. ثمّ لم أفكّر أنّ الأمر سيذهب إلى حدّ بعيد. في أحد الأيام، نسيت نور قبّعتها في السيارة فعادت لأخذها وفاجأتنا ونحن نقبّل بعضنا. عندئذٍ، هربت مسرعةً. حاولت الإمساك بها لكنّها اختفت في ملعب المدرسة. عند مساء اليوم نفسه، ذهبت لرؤيتها في الغرفة وتحدّثنا ووعدتها أن أضع حدّاً لتلك العلاقة وطلبت منها ألاّ تقول شيئاً. والتزمت بوعدي لكنّ تلك المرأة لم تشأ فسخ العلاقة فغضبت وهدّدت بإخبارك عن كلّ شيء وبدأت تزعجني ليلاً نهاراً وتتّصل بالمنزل حتى.
- إذاً كانت هي من يتّصل في اللّيل ويقفل الخطّ لدى سماع صوتي.
- أتمنّى عليك مسامحتي. لم أخنك يوماً قبل هذه الحادثة ولن أفعلها مرة أخرى تأكّدي. أولاً لأنّني أحبّك وخاصّةً بسبب الخيبة التي رأيتها في عينيْ ابنتنا. كلّ ما أريده هو أن نسترجع حياتنا كالسابق. يا لغباوتي!
ثمّ أمسك هاتفه واتّصل برقم ما وجعلني أستمع إلى الاتّصال. أجابت امرأة:
- زوجتي بجانبي وهي تعرف كلّ شيء. ما عاد لديك سبب لتضغطي عليّ. أنا أحبّها وأنا نادم على هذه النزوة التي أساءت إلى الجميع ومن بينهم أنتِ. دعيني وشأني وانسيني!
أقفل الخط ثمّ توجّه نحوي قائلاً:
- هل تريدين أن أذهب للنوم عند أهلي؟
- لقد مرّ وقت طويل لم ترَ فيه والدتك، وهذه فكرة سديدة. كذلك أنا بحاجة لأكون وحدي وأفكّر وخاصة لأحاول تهدئة نور. لا أريدها أن تحتفظ بتداعيات هذه القصة.
مرّ أسبوع على القصّة، أمضيت فيه كلّ الوقت مع ابنتي وتناقشنا في ما حدث وفهمت أنّه لا أحد كامل وأنّ الجميع معرّض للوقوع في الخطأ، لكنّ الأهمّ أن ندرك الخطأ في وقت مبكر. طمأنتها أنّه لن يتغيّر شيء بيننا وأنّ عائلتنا متماسكة جداً ولن يؤثّر عليها حادث كهذا. علاوةً على ذلك، إنّ زوجي عزيز على قلبي ولا يسعني إلاّ مسامحته.
ذهبنا لاصطحاب فراس من منزل والدته، وحين رآنا ركض نحونا وحضننا بقوّة وهمس في أذني: "أنتِ امرأة مذهلة، أحبّك". أدركت حينئذٍ أنّه ما من شيء في العالم قادر على إبعادنا بعضنا عن بعض.
حاورتها بولا جهشان