يا ربي، إثأر لي من هذا الدجّال!

قصّتي غربية عجيبة، وحتّى اليوم لا أعلَم حقاً إن كان ما حصَلَ هو وليد الصدَف أو أنّ الله إستمَعَ إلى دعائي. لستُ أشكُّ في قدرة الخالق على الاطلاق، لكن لماذا هناك مَن لا ينجو بالرغم مِن دعائه وصلواته؟ لا جواب لدَيّ، وكلّ ما باستطاعتي فعله هو إخباركم بما جرى، وأتركُ لكم حرّيّة التفسير.

كنتُ في الثامنة عشرة مِن عمري وأُعاني مِن نزيف دائم أفقدَني صحّتي وقوّتي، وصرتُ شاحبة على الدوام لا أستطيع القيام بشيء، حتى الدراسة. كان الإمتحان الرسميّ على الأبواب ورسوبي كان سيزيدُ مِن يأسي.

أخذَتني والدتي إلى أكثر مِن طبيب، لكن ما مِن علاج نفَعَ أو على الأقلّ لفترة طويلة. إحتارَت المسكينة بأمرها، خاصّة أنّني كنتُ إبنتها الوحيدة، وراهنَت عليّ كثيرًا لأنّها أرادَت أن تُوفّر لي الحياة التي لَم تحصل عليها. إضافة إلى ذلك، كان هناك خوف مِن ألا أُنجِبَ يومًا وأرعبَها الأمر لأقصى درجة. وعندما نفدَت كلّ الحلول العلميّة، إستدارَت والدتي إلى الطرق غير التقليديّة، أيّ إلى البصّارين والشيوخ.

وكان الشيخ حامِد الأكثر شهرة بينهم، وقصدَه الناس لأغراض عديدة وهو ساعدَهم بواسطة الصلاة. فذلك الرجُل لَم يدَّعِ أبدًا أنّه يتعامَل مع الأرواج أكانت حميدة أو شرّيرة، بل أنّه حسَب قوله، كان يتمتَّع بمحبّة الخالِق الذي لَم يرفُض له طلبًا يومًا.

إستمَعَ الشيخ حامِد لأمّي بينما كانت تصِفُ له حالتي الصحّيّة، وهو نظَرَ إليّ بامعان وأقسمُ أنّني شعرتُ بِبدَني يقشعرُّ، ليس بسبب قوّته الخارقة، بل لأنّ نظراته لي كانت مليئة بالرغبة، الأمر الذي لَم تنتبِه له أمّي.

وبعد أن سكَتَ مُطوّلاً وهزَّ برأسه مرّات عديدة، قالَ لها:

 

ـ حسنًا... سأشفي إبنتكِ وستُنجِبُ العديد مِن البنين والبنات حين تتزوّج. لكن عليّ رؤيتها لوحدها، فإن كنتِ موجودة يا سيّدتي، سيضعَف دعائي وتتفرَّق صلواتي بينكِ وبينها. وأنتِ بصحّة جيّدة كما يبدو لي.

 

إقتنعَت أمّي بهذا الكلام السخيف، وأرسلَتني له لوحدي في الموعَد المُحدَّد. أُراهِنُ أنّ القارئ فهِمَ ما لَم تفهَمه والدتي، أيّ أنّ ذلك الدجّال أرادَ الإنفراد بي، وهذا ما حصَلَ. إذ أّنّه فور دخولي غرفته المُظلِمة والنّتِنة، هو أقفَلَ الباب بالمفتاح وأجلسَني على كرسيّ بالقرب منه ثمّ طلَبَ منّي خلَع ملابسي. وعند مُمانعتي الصارمة، قال لي:

 

ـ كيف تُريدين أن أشفيكِ إذًا؟

 

ـ خلتُ أنّ الله سيشفيني!

 

ـ أجل، بواسطتي. إخلَعي ملابسكِ الداخليّة، فعليّ وضع يَدي حيث الداء.

 

ـ هذا لن يحصل! أتخالُني ساذجة لهذه الدرجة؟!؟ أُريدُ أن أرحَل! إفتَح الباب!

 

ـ لا تتصرّفي كالفتاة الصغيرة... أُريدُ فقط لَمس المنطقة المُصابة، هيّا... كوني عاقلة ولا تُقاوميني.

 

ـ أقولُ لكَ إفتَح الباب وإلا بدأتُ بالصراخ! لن تلمُسني طالما أنا على قيَد الحياة!

 

وبدأتُ أصرخ كالمجنونة إلى حين قَبِلَ حامِد أن يُخلي سبيلي. لكنّه قال لي قَبل أن أرحَل:

 

- لن يُصدّقكِ أحدٌ لأنّ الناس تثِقُ بي. وإن فتَحتِ فمكِ، سأُدمِّرُ مُستقبلكِ.

 

ركضتُ باكية إلى البيت، لكنّني لَم أُخبِر أمّي عمّا حصَل بسبب خجَلي وخوفي مِن تهديد حامِد، وكأنّني أنا التي ارتكبتُ خطأ، فهكذا يظنّ كلّ مَن وقَعَ بين يدَيّ مُتحرِّش. إلا أنّ والدتي إستاءَت كثيرًا عندما خابرَها حامِد شاكيًا أنّني لَم أتجاوَب معه، وأنّه بسبب ذلك لا يستطيع مُساعدتي. وكان بذلك يودّ معرفة إن كنتُ قد إشتكَيتُه أم لا ليُحضِّر خطّة دفاع. لكنّه فهِمَ أنّه لَم يُتّهَم بشيء فحاوَل مُجدّدًا النّيل منّي. وأقنَعَ أمّي بالعودة إليه، إلا أنّني رفضتُ رفضًا قاطعًا، وهي صفعَتني بقوّة صارخةً:

 

- أيّتها الغبيّة، إنّني أفعُل ذلك مِن أجل مُستقبلكِ! ستأتين معي إلى الشيخ حتى لو اقتضى الأمر بسحبكِ مِن شعركِ!

 

وكنتُ أعلَم أنّ أمّي جدّيّة بتهديدها، لِذا قبِلتُ على مضَض.

إبتسَمَ حامِد حين رآنا عند بابه وأدخلَنا بتهذيب ولطف. ثمّ طلَبَ مِن والدتي الخروج مِن الغرفة والوقوف وراء الباب كَي يطمأنَّ بالي أنّني لستُ لوحدي تمامًا معه. وعندما خرجَت أمّي قال لي:

 

ـ إخلَعي ملابسكِ على الفور ولا تتفوّهي بكلمة، وبسرعة!

 

ـ ما بكَ لا تفهَم؟!؟ جئتُ إليكَ بالرّغم عنّي وليس محبّةً بكَ! سأشتكي عليكَ ولن تتمكّن مِن الاستفادة مِن الفتيات البريئات!

 

ـ لن يُصدّقكِ أحدٌ فسُمعتي نظيفة، على عكسكِ.

 

ـ على عكسي؟ ماذا تقصد؟

 

ـ سأقولُ للجميع إنّ الله لَم يشفِكِ مِن نزيفكِ لأنّكِ معدومة الأخلاق... إضافة إلى ذلك، سأقولُ إنّكِ لن تُنجِبي يومًا، الأمر الذي سيُبعدُ أيّ شابّ يُفكّر بالزواج منكِ. أنا أقوى منكِ بكثير ولن تأتي فتاة بسنّكِ لتتغلَّب عليّ. فلَم تستطِع أيّ صبيّة الاشتكاء عليّ مِن قَبل، بل هنّ عمِلنَ وأهلهنّ على إرضائي لأحفظَ السِرّ.

 

ـ تدمير سُمعتي أفضَل مِن أن أدَع يدَيكَ القذرتَين تلمُسُني... إضافة إلى ذلك، الله ينصِرُ المظلومين والضعفاء، في هذه الدنيا أم في الآخِرة.

 

ـ هاهاها! الله؟ لستُ حتّى مُتأكِّد مِن أنّه موجود! وإلا كيف تُفسّرين هؤلاء الملايين الذين يموتون جوعًا أو ضحيّة الحروب والقتل والسرقات؟ مفهوم الله هو بدعة إختلقَها الناس للذين هم مثلكِ لتعزيَتهم. إخلَعي ملابسكِ بسرعة أقولُ لكِ، فأنا لستُ أمزَح!

 

قمتُ مِن مكاني وخدَشتُ خدّه بأظافيري بقوّة هائلة، لكنّه أمسَكَ يدي وكادَ أن يكسرَها لولا أنّني بدأتُ بالصراخ. عندها دخلَت أمّي وتفاجأَت بالمشهد. صرختُ لها:

 

- إنّه يُريدُ أن أخلَع ملابسي ليعتدي عليّ يا ماما!

 

نظرَت أمّي إليه كالنمِرة التي ترى أحَد أشبالها بخطَر، فضربَته مرّات عديدة بحقيبتها وشتمَته ثمّ سحبَتني مِن ذراعي خارجًا. لكن قَبل أن أترُك تلك الغرفة المُظلِمة والمليئة بالشرّ قلتُ له:

 

- أدعو الله أن يثأرَ لي ولكلّ فتاة استغلَّيتَها! يا ربّ، أرِح ضحاياه منه وبأقرَب وقت! أزِله مِن على وجه الأرض! يا ربّي وإلهي!

 

لكنّ حامد سخِرَ منّي وضحِكَ عاليًا.

عندما وصلَنا البيت، رويتُ لأمّي كلّ الذي حصَلَ منذ البدء، وهي لامَت نفسها لأنّها أرغمَتني على العودة إلى حامِد. ثمّ سألَتني:

 

ـ لماذا لَم تُخبريني بكلّ ذلك على الفور؟

 

ـ لأنّ... الموضوع حرِج يا ماما، ولستُ مُعتادة على للتكلّم معكِ بهكذا أمور. وخفتُ ألا تُصدّقيني.

 

ـ أوّلاً، إعلمي أنّني أُكذِّبُ العالَم بأسره ما عدا إبنتي. وثانيًا، أنا المُذنِبة لأنّني تجنَّبتُ التكلّم بالأمور الحميمة معكِ، فأنا أخجَل مِن ذلك الموضوع، واتّبعتُ معكِ سياسة النعامة وكأنّني لو لَم أتكلّم عنه لن يحصل لكِ أو معكِ شيء. وكنتُ مُخطئة، فلولا شخصيّتكِ القويّة، لَخضَعتِ لرغبات ذلك الانسان النذل. سأشتكي عليه عند الشرطة ولكن عليّ التكلّم مع أبيكِ أوّلاً.

 

ـ هل الأمر ضروريّ؟

 

ـ أجل، ألَم نقُل للتوّ إنّ علينا تجنّب الخجَل مِن هكذا مواضيع؟ هل تريدين أن يستغِلّ حامِد فتيات أخريات؟

 

ـ بالطبع لا.

 

لكنّنا لَم نشتكِ على حامِد... لأنّه ماتَ في اليوم التالي، بعد أن دهسَته سيّارة يقودُها رجُل هرِم لا يتمتّع بنظَر جيّد أو قدرة على السيطرة على مركبته. ليس هذا وحسب، فلقد توقّفَ نزيفي مِن تلقاء نفسه ولَم أعُد أشكو مِن شيء!!!

في قرارة نفسي، شكرتُ ربّي على مُساعدته لي، ومُساعدة كلّ الفتيات اللواتي كنّ ستقعنَ بين يدَيّ هذا الدجّال، بينما تقولُ أمّي إنّ ما حصَلَ هو مُجرّد صدفة. لكن ماذا عن نزيفي الذي توقَّفَ؟

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button