وقعتُ في حب مدرّستي ولكن سبقَني أحد على ذلك

لم أكن يوماً فالحاً في المدرسة وبالكاد كنتُ أنتقل إلى الصف الأعلى وكان والدي يساعدني على ذلك بإعطاء الهبات التي كانت في الحقيقة رشوات للمدرسة. ولكن حين إقتربَ وقت الإمتحان الرسميّ، علمنا نحن الأثنين أنّني سأرسب حتماً. لِذا طلبنا المساعدة مِن الإدارة، فأرسلوا لنا جومانا أستاذة مختصّصة بتدريس برنامج البكالوريا. وحين رأيتُها واقفة على بابنا، بدأ قلبي يدق بسرعة ووقعتُ بحبّها فوراً. ولكنّها لم ترَ فيّ الرجل بل التلميذ، فإكتفَت بالإبتسام لي والسؤال عن أهلي. وبعد أن إتّفقَت مع والديّ على جميع التفاصيل، أخبرَتني أنّنا سنبدأ في اليوم التالي ونعمل كل يوم حتى أتمكنّ مِن النجاح. وفي تلك الليلة لم أنَم أبداً وأنا أفكرّ بوجهها الجميل وقوامها الجذّاب ولم يخطر على بالي قط أنّها لن تحبّني لأنّها وبكل بساطة تكبرني بخمسة عشرة سنة ومتزوّجة. وفي اليوم التالي، وجدَتني بإنتظارها بعدما إرتديتُ أجمل ما لديّ وأغرقتُ نفسي بالعطور. ولكن عندما رأت ضعفي في جميع المواد، وبّخَتني لأنّها كانت متأكدّة أنّ ذلك نتيجة الكسل وليس قلّة ذكاء وجعلَتني أعدها بأن آخذ الدرس على محمل الجد وأن أفعل ذلك على الأقل إحتراماً لجهودها القادمة ولتوقّعات أهلي وآمالهم بي. عندها قلتُ لها:

 

ـ سأفعل أي شيء مِن أجلكِ...

 

وبدأتُ فعلاً بالتركيز على دروسي لإرضاء جومانا ولأثبتَ لها أنّني أنسان مسؤول وأعجبَها إجتهادي وكان والديّ ممنونَين منها. وفي المدرسة أخبرتُ الجميع أنّ لديّ أجمل وأذكى معلمّة في الدنيا وسخروا مِن إعجابي الواضح لها ولكنّ ذلك لم يزعجني بل وكأنّه أعطى شرعيّة لحبّي لها. ولكن في ذاك يوم وأنا عائد على الأقدام مِن منزل زميل لي حيث كنّا نحتفل سويّاً بعيد ميلاده، رأيتُ سيّارة أبي مارّة بقربي، فأخذتُ أناديه لكي يقلنّي معه إلى البيت ولكنّه وبدلاً إن يتوقّف أخذَ يسرع وإختفى عن نظري بلحظة. إستغربتُ للأمر وقرّرتُ الركض بالإتجاه الذي أخذه. وبعد أن كاد نفسي ينقطع، وصلتُ إلى شارع مُظلم ورأيتُ مركبة والدي راكنة هناك. وقبل أن أقترب منها، رأيتُ الباب يُفتح ومعلمّتي تترجّل وتقول:

 

ـ سأراكَ غداً... نم جيدّاً ولا تفكرّ بي كثيراً!

 

ثم ضحِكت مطوّلاً وإختفَت في الظلام. إختبأتُ وراء حائط بينما كان والدي يخرج مِن الحي ووقفتُ لوحدي دقائق وقلبي مليء بالحزن. وسألتُ نفسي كيف لم أنتبه إلي أي شيء وأرجعتُ السبب إلى إنشغالي بحبّي لِجومانا فلم أكن أرى سوى عيونها وإبتسامتها الجميلة. وصلتُ البيت بعد أبي وتوجّهتُ فوراً إلى غرفتي وأقفلتُ الباب بالمفتاح لكي لا يزعجني أحد. وبعد دقائق سمعتُ طرقاً خفيفاً على بابي وأبي يقول:

 

ـ إفتح...

 

ـ أنا نائم....

 

ـ وصلتَ لِتوّكَ... لم تنم بعد.

 

ـ ماذا تريد؟

 

ـ إفتح لي

 

وقمتُ مِن مكاني وفتحتُ له ووجدتُه ينظر إليّ بحذر. ثم قال لي:

 

ـ كيف كان عيد ميلاد صديقكَ؟

 

ـ جيدّ...

 

ـ وعدتَ معه؟

 

ـ لا... عدتُ مشياً على الأقدام.

 

ونظرنا إلى بعضنا لمدّة دقيقة ولكنّني لم أقل له أنّني رأيتُه لأنّني أردتُه أن يبقى منشغل البال وألاّ يتأكدّ مِن شيء لأعاقبه على سرقة حبيبتي منّي بهذا الشكل الوضيع والخبيث. صحيح أنّني كنتُ لا أزال في السابعة عشرة مِن عمري ولم أكن سوى فتى ولكنّني كنتُ عازباً على خلاف جومانا وأبي الذَين كانا يخونان أزواجهما.

 


وكرهتُ والدي ومدرّستي والدرس كلّه وتراجعتُ فجأة ولم يفهم أحد لماذا. وصِرتُ أرى العلامات الخفيّة على وجه الحبيبَين حين يتواجدان سويّاً عندنا وزادَ إمتعاضي خاصة عندما كانت أمّي تستقبل الخائنة بحرارة وتجلب لها القهوى والحلوى وتحدّثها بلطف. ونسيتُ جرحي لكثرة شعوري بالأسف على والدتي المسكينة وإمتلأ قلبي بالرغبة بالإنتقام لها وبدأتُ أتخيّل سيناريوهات إنتقاميّة أفضح فيها ما يحصل وأُتوَّج بلقَب البطل الذي فتحَ عيون أمّه على ما يحصل. ولكن والدي كان رجل عصامي قوّي الشخصيّة وكنتُ أخشاه ولم أجرؤ على مواجهة غضبه منّي فإرتأيتُ أنّ الحلّ الأنسب هو قصد زوج جومانا وإخباره بكل شيء. وحين يعرف الحقيقة سيمنعها مِن المجيء إلينا مجدّداً أو الإلتقاء بأبي وسترجع الأمور على ما كانت عليه قبل أن تدخل تلك الفاسقة على حياتنا.

فقصدتُ مدير المدرسة سائلاً عن عنوان جومانا تحت حجّة إرسال لها باقة زهور إلى بيتها لِشكرها على ما تفعله معي. وهكذا علِمتُ أين تسكن وذهبتُ لأراقب أوقات خروجها وعودتها. ولأفعل ذلك كذبتُ على الجميع لأغيب عن المدرسة وعن البيت. وبعد أيّام أصبحتُ على علم بعاداتها هي وزوجها وإستطعتُ قصد هذا الأخير للتكلّم معه. وهكذا قرعتُ بابه وحين فتح لي قلتُ له:

 

ـ مرحباً... طلبَت منّي السيّدة جومانا أن آتيَ وانتظرها هنا لِتعطيني أغراضاً.

 

وأدخلَني الزوج وجلستُ معه في الصالون. وبعد دقائق مِن الصمت قلتُ له مِن دون مقدّمة:

 

ـ زوجتكَ تخونكَ مع أبي.

 

سكتَ الرجل ثم سألَ:

 

ـ ومَن يكون أبوكَ؟

 

ـ فؤاد س.

 

هزَّ رأسه بأسف وإكتفَ بالصمت. عندها صرختُ به:

 

ـ ما بكَ؟ أقول لكَ أنّ جومانا زوجتكَ على علاقة مع أبي!

 

ـ أعلم ذلك... ولكن كنتُ أظنّ أنّ تلك القصّة إنتهَت عندما تركَت العمل في الشركة... وكيف تعرف كل ذلكَ؟

 

ـ لأنّها تدرّسني للإمتحان.

 

ـ جومانا ليست ولم تكن يوماً مدرّسة...

 

عندها فهمتُ أنّ والدي قد أجبرَ المدير على القول أنّ تلك المرأة مدرّسة وأنّه الذي أرسلها لنا بينما الحقيقة كانت أنّ أبي أراد أن تبقى عشيقته قّربه بعدما تركت العمل لديه لإسكات زوجها. ومِن الواضح أن هذا الأخير لم يكن قادراً على أخذ موقفاً منها، فعدتُ إلى البيت فاقد الأمل. كل ما إستطعتُ فعله هو أن أرفض أن تدرّسني جومانا بعد ذلك تحت ذريعة أنّني لم أعد بحاجة لها وإضطريتُ للإجتهاد والنجاح لوحدي. وهكذا حصل. لم تعد تأتي عشيقة أبي إلى عقر دارنا وجنّبتُ لأمّي الأهانة. وغضبَ منّي والدي لأنّني حرمتُه ولو بعض الشيء مِن رؤية حبيبته. وحصلتُ على شهادتي وأدركتُ أنّني كنتُ فقط كسولاً وكانا بإمكاني النجاح مِن دون مساعدة . وطلبتُ مِن أبي أن يرسلني إلى جامعة في الخارج لأنّني لم أعد أطيق النظر إليه وهو يمثّل دور الأب الصالح والزوج المحبّ. وها أنا الآن في فرنسا أتابع دراستي في الهندسة ولم يبقَ لي سوى سنة واحدة على العودة إلى البيت. ولا أدري إن كان والدي قد أصبح أعقل مِن قبل أو لا يزال يعاشر نساء أخروات ولكنّني قررتُ أن أدافع عن أمّي إن إكتشفتُ أنّه يستمرّ في خيانتها.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button