هل كان زوجي فعلاً قاتلاً؟

لم يكن أحداً مطمئنّاً لِوليد بعدما سمعوا أن زوجته الأولى ماتَت بظروف غامضة وأنّ الشرطة حقّقَت معه بهذا الشأن. وبالرغم أنّه أثبتَ عدم تورّطه بالحادث، فلَم يستطع إزالة الشكوك التي أحاطَته انذاك. ولم أكن أعلم بتلك الشائعات عندما تعرّفتُ إليه حتى أن أخبرَني بنفسه القصّة بأكملها، أي أنّ سعاد سقطَت عن سلالم المبنى وهذا بعدما تشاجرَت معه وأرادَت الخروج للذهاب عند أهلها. ولشدّة غضبها تعثَرت وتدحرجَت حتى الأسفل ما سبّب لها بكَسر عنقها وموتها.
وعند سماع صوت سقوطها، ركضَ وليد ووجدها فاقدة الوعي. حينها إتّصلَ بالإسعاف ظاناً أنّها لا تزال على قيد الحياة ولكنّ المسعفين أخبروه أنّها كانت متوّفاة. وكانت الحادثة ستمّر بهدوء لولا الجيران الذين كانوا قد سمعو أصوات شجارهما وأبلغوا الشرطة أنّه ربما دفشَها عن السلالم. ولكن بعد التحقيق، لم يجدوا سبباً لكي يقتل زوجته، لِذا لم يوقفوه ولم يتّهموه بشيء. وعندما إنتهى مِن سرده لي لما جرى له، أضاف:

 

ـ سأتفهمّ الأمر أن لم تعودي تريدين الخروج معي ولكن إعلمي أنّني جدّ معجبٌ بكِ وأودّ أن أتعرّف إليكِ أكثر... قصدي شريف ولا أنوي اللهو معكِ... لقد مضى على موت زوجتي أكثر مِن خمس سنوات وحان الوقت لكي أعيش حياتي... أنا وحيد جدّاً، ومعكِ أشعر بأنّني حيّ مِن جديد... سئمتُ أخبار الموت والحزن... أريد أن أضحك وأحبّ وأسّس عائلة خاصة بي... أريد أن أملئ المنزل أولاداً وأسمع صوتهم يدوّي بين الجدران... أريد أن أراكِ معي طوال الوقت... ما رأيكِ؟

 

لم أجِبه على سؤاله، لأنّني فضّلتُ التفكير بإمعان بكل تلك المعطيات الجديدة قبل أن أرتبط ولو بالكلام معه ولم أكن أعلم حقيقة ذلك الرجل الذي لم أكن أعرفه جيداً. ومع مرور الأيّام، بدأتُ أتعلّق به لأنّه عمل جهده ليسعدني، فلم أرَ مثله مِن قبل مّما أدّى طبعاً إلى وقوعي بالحبّ به. وحين كرّرَ طلبه بالزواج منّي، أسرعتُ بالإجابة وقلتُ له "نعم" بكل سرور.
ولكن الناس كانوا قد قرّروا ألا يتركونا نعيش قصّتنا بهدوء، فبدأت الألسن تتكلمّ عن المجرم الذي لن يتردّد على قتلي حين أتزوّج منه. وبالطبع اصيبَ أهلي بالهلع ومانعوا أن أقترن به خوفاً عليّ ولكنّني لم أستسلم. ووقفتُ بوجه ذووي ّ وبعدما رأوا إصراري على وليد، رضخوا للأمر الواقع وقبلوا على مضد. ولكنّهم ظلو متحفظيّن وإنتظروا أن يأتي يوماً وتصلهم أخبار موتي. لذا كان زفافي محدوداً مِن حيث عدد المعازيم. وبعد الحفل ذهبنا لنعيش كما يحلو لنا بعيداً عن أعين الذين قررّوا أن يراقبونا. في البدء جَرت الأمور بيننا بشكل طبيعيّ. صحيح أنّنا وجدنا بعض المشاكل التي تعترض أيّ زوجَين في الفترة الأولى ولكنّنا إستطعنا التأقلم. ولكن بعد بضعة أشهر، لاحظتُ على وليد بوادر غضب عميق لم يكن ظاهراً مِن قبل. كل شيء بدأ حين كنّا سويّاً في السيّارة متجهين إلى حفل زفاف أحد أصدقائنا. وكان الطقس ممطراً والرؤية محجوبة، حين قرّرَ أحد المشاة أن يقطع الطريق. ولِحسن حظّنا رآه زوجي وإستطاع إيقاف المركبة. وخرجَ وليد مِن السيّارة بسرعة فائقة وظننتُ طبعاً أنّه يريد الإطمئنان عليه والإعتذار منه على إخافته ولكنّني فوجئتُ برؤيته يمسك بالمسكين بكتفَيه ويخضّه بقوّة. فتحتُ الباب كالمجنونة ولحقتُ به وأجبرتهُ على ترك الرجل صارخة:


ـ هل فقدتَ عقلكَ؟ كدتَ تدوسَه وها أنتَ تعنّفه؟

 

ـ أجل! لو ضرَبته بِسيارّتي لقالوا عنّي أنّني مجرم! كيف يقطع الطريق دون أن يتأكدّ أنّه سالك؟

 

إعتذرتُ مِن الرجل وأخذتُ زوجي وقدتُ أنا السيّارة حتى البيت. هناك حضّرتُ له الشاي وحمّاماً ساخناً وأخذتُ أهدّئه. وبعد قليل غرقَ وليد في نوم عميق حتى الصباح. وعندما إستفاق، عاد إلى طبيعته. وبالرغم أنّني فوجئتُ بما فعلَه، لم أعطِ الأمر أهميّّة كبيرة، ظانة أنهّ لم يعد يتحمّل أن يلصق الناس تهمة القاتل عليه ولكنّ الأمور كانت ستتصاعد بعد فترة قصيرة لِتبلغ حدّاً لم أتصوّره. ففي ذات يوم، عاد وليد مِن العمل ودخل فوراً للحمام. سألتُه إن كان بخير، فأجابَ أنّه سيخرج بعد قليل. وحين فعل لاحظتُ على يديه كدمات وكأنّه تعاركَ مع أحد ما. وحين إستفسرتُ عن تلك العلامات، إدعّى أنّه وقع أرضاً ولكنّني لم أصدقه. وقبلَ أن أكمل الحديث معه، صرخَ:

 

ـ وما دخلكِ أنتِ؟ هل تحقّقين معي؟ أفعل ما أشاء!

 

وخرجَ مِن البيت بعد ان أقفل الباب وراءه بقوّة. وفي تلك الليلة، بقيتُ أنتظر عودته ولكنّه بقي خارجاً حتى مساء اليوم التالي. وحين عاد، غَمَرني بقوّة معتذراً عن تصرّفه ووعَدني أنّ الأمر لن يتكرّر أبداً وأضاف أنّه يمّر بفترة عصيبة، سببها مشاكل في عمله وأنّ كل شيء سيعود كما كان في السابق. وبالطبع صدّقتُه لأنّني كنتُ أحبّه كثيراً ولأنّني كنتُ أعلم أنّه إنسان مجروح. إستمرَّت فترة الهدوء حوالي الأسبوعين، ثم عاد يظهر طبعه الحاد وهذه المرّة تشاجرَ مع أحد جيراننا، لأنّ هذا الأخير ركنَ سيّارته في المكان المخصّص لنا بقصد إنزال بعض الأغراض الموجودة في صندوقه. ولم يكن ينوي المسكين ترك سيّارته هناك، بل كان على وشك نقلها عندما عاد وليد مِن عمله. وهجَم عليه وبدأ يضربه بقوّة. وعندما سمعتُ صراخ زوجة الجار، ركضتُ إلى الموقف ورأيتُ وليد كالمجنون. حاولتُ منعه مِن متابعة ضربه الرجل ولكنّني لم أستطع لِكثرة إنفعاله. عندها أخذتُ هاتفي وطلبتُ الشرطة. ولِحسن حظ الجميع، كانت هناك دوريّة مارّة مِن قربنا، فركضوا بسرعة وأوقفوا الشجار وأخذوا الجار إلى المستشفى وزوجي إلى التحقيق.
وبينما كان وليد صاعداً في سيّارة الشرطة، نظرَ إليّ بغضب شديد لأنّني أوشيتُ به. ولأنّني أحبّه كثيراً، طلبتُ له محامياً الذي وفاه في المركز وإستطاع إخراجه بكفالة ماليّة ولكنّ وليد عاد إلى البيت وبرأسه شيئاً واحداً وهو الأنتقام منّي. لم يفهم أنّني طلبتُ البوليس خوفاً مِن أن يرتكب جريمة وألا يُسجن حتى أخر أيّامه ولأنّني لم أستطع تركه يؤذي جارنا دون أن أتدخّل. ومِن الشرارة التي خَرجَت مِن عيونه بعدما أقفل الباب وراءه، فَهمتُ أنّني موجودة مع قاتل. وبلحظة واحدة تذّكرتُ أنّه إتُهِمَ بموت زوجته الأولى وأدركتُ أنّه قد فعلَ حقّاً ذلك. وإنتابني خوف كبير وشعرتُ أنّه قد يقتلني أنا الأخرى ونظرتُ حولي ولم أرىَ مخرجاً أهرب منه، فحاولتُ تهدئته قدر المستطاع ولكنّه بقيَ يردّد:"لماذا فعلتِ ذلك؟ أنتِ زوجتي وعليكِ مساندتي... لماذا فعلتِ ذلك؟" وعندما إقتربَ منّي، قلتُ لنفسي أنّني أعيش لحظاتي الأخيرة ولكنّ جرس الباب قُرِعَ فجأة ما ألهى وليد عن أذّيتي. وقبل أن يستطيع منعي مِن ذلك، ركضتُ أفتح الباب. ووجدتُ أمامي المحامي، فأخذتُه بِذراعه وسحبتُه معي نحو السلالم قائلة:”يريد قتلي! “. وركضتُ إلى سيّارتي وتوجّهتُ فوراً إلى منزل أهلي حيث إلتجأتُ. ولأنّه لم يؤذِني فعلاً، لم أستطع تقديم شكوى ضدّه، فإكتفيتُ بِطلب الطلاق وحمد الله أنّني نجوتُ مِن ذلك قاتل.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button