هل أنا مجنونة؟ (الجزء الثاني)

كانت علاقة حُسام برانيا قد صارَت أكيدة بالنسبة لي، لكن هل توقّفَت عند زواجه منّي أم أنّها لا تزال جارية؟ فقد يكون الطرد وصلَنا لأنّ ذلك حدَثَ سابقًا، واعتادَ ساعي البريد توصيله إلى بيت حُسام عندما كان عشيق رانيا. خطَرَ ببالي أن أستجوِبَ ذلك الساعي، لكنّني خجلتُ منه، فماذا سيقولُ عنّي؟ بقيَ عليّ معرفة الحقيقة مِن صاحبها، أيّ زوجي، لكن بطريقة غير مُباشرة:

 

ـ المسكينة رانيا... هي تعيشُ تقريبًا وحيدة مع ابنها.

 

ـ وما شأني بذلك؟

 

ـ لَم أقُل أنّ لكَ شأنًا، أنا فقط أتكلّم عن جارتي وصديقتي. قيلَ لي إنّ زوجها كان في فترة مِن الفترات لطيفًا معها، ويعيشان سويًّا قصّة حبّ جميلة. لا بدّ أنّه اكتشَفَ شيئًا أغضبَه لأقصى درجة، فانقلَبَ إلى انسان سيّئ المزاج.

 

ـ عمّا تتكلّمين؟ إكتشَفَ ماذا؟

 

ـ لستُ أدري... ربّما علاقة ما مع رجُل آخَر.

 

ـ ما هذا الكلام؟!؟ رانيا ملاك! أرجوكِ لا تتكلّمي عنها بالسوء فأنتِ لا تعرفينَها كما أعرفُها.

 

ـ أنتَ قلتَها!

 

ـ إسمَعي... أنا لا أُحبُّ التلميحات ولا أتقبّلها. مِن فضلكِ غيّري الموضوع!

 

ـ لا أفهَم سبب غضبكَ يا زوجي الحبيب. حسنًا، سأُغيّر الموضوع.

 

لَم أحكِ له عن مسألة الطرد، فكان مِن الواضح أنّ كلّ ما يتعلّق برانيا ممنوع ذكره. حسنًا، سأكتشفُ ما يدورُ بنفسي! وبما أنّ لَم يتبقَّ لي سوى صوفيا، قرّرتُ إعادة علاقتي معها كما كانت في السابق، فوحدها تعرفُ ما يجري في جيرتنا الصغيرة.

إستقبلَتني المرأة بفرَح، وقدَّمَت لي قطعة حلوى لذيذة للغاية وأخذَت تسألُ عن أحوالي بمحبّة:

 

ـ هل أنتِ بخير يا حبيبتي؟ هل تشعرين بشيء؟

 

ـ أنا بخير والحمد لله. ماذا تقصدين؟ أعنيّ عمّا تتكلّمين؟

 

ـ أعني مِن الناحية النفسيّة.

 

ـ لا أشكو مِن شيء على الاطلاق!

 

ـ لقد اطمأنّ بالي الآن... فلقد سمِعتُ أنّكِ... أعنّي أمّكِ...

 

ـ مَن قال لكِ عن أمّي؟!؟ تكلّمي!

 

ـ ألَم أقُل لكِ إنّني أعرفُ كلّ شيء؟ فلقد سمعتُ أنّ زوجكِ أخذَكِ إلى طبيب نفسيّ قَبل الزواج... وذلك الطبيب هو صديق أصدقاء لي.

 

ـ كيف له أن يتكلّم عن مشاكل مرضاه؟!؟ هناك سرّيّة هو مُلزَم بها! يا إلهي... هل الجميع على عِلم بتلك الزيارة؟

 

ـ أنا فقط، على الأقلّ في ما يخصّ الجيرة.

 

ـ على كلّ الأحوال، ذلك الطبيب قال إنّني لا أشكو مِن شيء.

 

ـ بالطبع... بالطبع. لندَع هذا الموضوع جانبًا الآن، فلقد أردتُ الاطمئنان عليكِ وحسب بعد أن ابتعَدتِ عنّي فجأة.

 

ـ إبتعَدتُ بسبب موضوع رانيا... فلقد حاولتُ معرفة المزيد مِن حُسام إلا أنّه غضِبَ منّي وبقوّة.

 

ـ بالطبع سيُثيرُ الموضوع غضبه! وهل توقّعتِ أن يعترفَ لكِ بكلّ شيء مِن أوّل حديث؟

 

ـ يا إلهي... ما عليّ فعله؟ قولي لي، هل هو لا يزال على علاقة معها؟

 

ـ إنّها ماكِرة وتعرفُ كيف تُعلِّق الرجال بها، لا تنغشّي بمظهرها وحركاتها.

 

ـ نعتَها حُسام بالملاك.

 

ـ هاهاها! دعيني أضحَك!

 

ـ وهناك مسألة الطرد.

 

أخبرتُها كيف وصلَني الطرد المُخصّص لرانيا، الأمر الذي أكّدَ لصوفيا صحّة شكوكها:

 

ـ حبيبتي... أنتِ لا تزالين شابّة وليس لدَيكِ أولاد... خُذي بنصيحتي وارحلي. فلقد طلبتِ مِن زوجكِ الانتقال مِن هنا ورفضَ، ما يعني انّه لا يزال يريدُها.

 

ـ لكنّني أحبُّه يا صوفيا!

 

ـ تُحبيّن حُسام الذي تخالينَه صادقًا ووفيًّا لكنّه عكس ذلك. هل تُحبّين حُسام الذي له ولَد مع أخرى تعيشُ بالقرب منكِ وتدّعي أنّها صديقتكِ؟

 

ـ بالطبع لا.

 

ـ لا أُريدُ التدخّل في حياتكِ الخاصّة، فانتِ جئتِ إليّ طالبة النصيحة. أتركي زوجكِ لتلك الفاسِقة وجِدي لنفسكِ آخَر يحترمُكِ ويُحبّكِ حقًّا. وإياكِ والانجاب!

 

ـ لا، لا، لن أُنجِب مِن حُسام على الاطلاق!

 

ـ وما هو أهمّ، لا تُخبريه بما تعرفينَه عن علاقته برانيا، فالله وحده يعلَم ما قد يفعله ليُسكتكِ. فإن انتشَرَ الخبَر ووصَلَ لزوج رانيا، ستقَعَ مُصيبة كبرى، ناهيكِ عن تشويه سمعة حُسام بين الناس وبين زملائه في العمَل!

 

كنتُ سأحفظُ لنفسي بما أعرفُه لولا ذلك اليوم الرهيب، فلقد عدتُ مساءً مِن زيارة أبي وأخي حين وجدتُ رانيا عندنا في البيت برفقة حُسام! أجل، كان هذان الفاسقان جالسَين بالقرب مِن بعضهما على الأريكة ويده على ذراعها. عندها انفجَرَ الغضَب الذي كبتُّه لفترة، وبدأتُ أشتمُها وأرمي أغراض البيت أرضًا. نظَرَ إليّ زوجي باندهاش، وتركَني أصرُخ حتّى تعِبتُ وبدأتُ بالبكاء. بعد ذلك قال لي:

 

ـ أنتِ مُخطئة، رانيا ليست عشيقتي، أنا أساعدُها فقط.

 

ـ تُساعدُها؟ ولِما أنتَ وليس غيركَ؟ أم لأنّكَ أب ابنها؟!؟

 

ـ ما هذا الكلام؟!؟ هل جننتِ؟ هل بدأتِ بالفصام كنساء عائلتكِ؟!؟

 

ـ ها قد وصَلنا إلى ما خفتُ منه! تُعيّرُني بعائلتي وتستعملُ مخاوفي ضدّي؟ يا لكَ مِن ماكِر! أنا لا أخترِع الأمور بل صوفيا هي التي لفتَت انتباهي للأمر. فالولَد لدَيه عَيناكَ!

 

طلَبَ حُسام مِن رانيا التي بقيَت صامتة أن تريني على هاتفها صوَر زوجها، وتفاجأتُ بأنّ ولدَها ورثَ عَينَيه ليس مِن حُسام بل بالفعل مِن أبيه. عندها صرختُ:

 

ـ هل تعرفُ صوفيا زوجكِ شخصيًّا يا رانيا، أليس كذلك؟

 

ـ أجل، كانت تزورُنا وزوجها على الدوام.

 

ـ إذًا لماذا ألمَحَت لي أنّ الولَد مِن زوجي؟!؟

 

بقيَ حُسام ينظرُ إليّ برَيبة، وفهمتُ أنّه لا يُصدّقُ أنّ صوفيا هي التي ملأت ذهني بالشكّ به، لِذا هو طلبَها على هاتفه ووضَعها على مُكبِّر الصوت وسألَها إن هي تتكلّم عنه معي. وهذا ما قالَته:

 

ـ أنا؟ أنا بالكاد أرى زوجتكَ... للحقيقة، أحاوِل تفاديها قدر المُستطاع، فكلّما التقَينا تسألُني عنكَ ويبدو لي أنّها بالفعل غير مُتّزنة عقليًّا... أرى أنّه مِن الأفضل أن تعرضها على اخصّائيّ آخَر وتُعالجها يا حُسام... بالمُناسبة، هل تذكُر...

 

وقَبل أن يُسرِعَ زوجي بإقفال الخط معها، صرختُ بها عبر المُكبِّر:

 

ـ أيّتها الكاذبة! أنتِ التي أثَرتِ موضوع عَينَي الولَد، وأنّ زوج رانيا كان لطيفًا ثمّ انقلَبَ فجأة وبدأ يُسافِر، ونصحتِني بترك زوجي!

 

ـ مسكينة أنتِ بالفعل... أرجو أن تستعيدي عقلكِ يومًا... لن أُجادلكِ فما مِن منفعة مِن مُجادلة مجنونة.

 

وأقفلَتُ صوفيا الخط. وأنا إستَدرتُ نحو زوجي وبدأتُ بالبكاء لكنّني تذكّرتُ مسألة الطرد! أجابَني:

 

ـ رانيا تُحاولُ أخيرًا ترك زوجها لأنّه عنيف معها ومع الولَد، وهي تخشى أن يعرفَ أنّ أهلها المُسافرين يُرسلون لها ما تحتاج إليه للرحيل عنه... رانيا بمثابة أختي، صدّقيني. الآن، بشأن نوبة جنونكِ هذا...

 

ـ لا تستعمل هذه الكلمة فلستُ مجنونة! صوفيا تكذب. مهلاً... ما الذي دفعَها لتفعل هذا بي؟ لماذا إصرارها على أن أتركَكَ؟ فمِن الواضح أن ذلك هو هدفها.

 

ـ لماذا تسأليني هذا السؤال؟ فما أدراني؟

 

ـ لأنّكِ على ما يبدو محوَر كلّ الذي يجري.

 

ـ أنتِ حقًّا مجنونة!

 

ـ لا يا أستاذ، لستُ مجنونة على الاطلاق! أتعلَم ما خطَرَ ببالي الآن؟ أنّ شيئًا ما دارَ بينكَ وبين صوفيا في فترة ما قَبل زواجنا أو لا يزال يدورُ، لستُ أدري. فلماذا لدَيكَ رقم هاتفها؟ ومِن طريقة تكلّمكَ معها، أرى أنّ هناك معرفة وطيدة، مع أنّكَ لَم تتكلّم عنها أمامي يومًا. وقد تكون علِمَت منكَ أنّنا قصَدنا طبيب نفسيّ! لا تنكُر، فلستُ أكيدة بعد مِن نظريّتي، لكن يكفي أن أسأل الجيران مِن حولي، فلا بدّ أن يكون قد رآكما أحد يومًا... أنتَ تعرفُ كيف هم الناس... فضوليّون! لستُ مجنونة بل العكس. صحيح أنّ صوفيا تلاعبَت بي، لكن غلطتها الكبرى كانت أنّها أنكرَت للتوّ أنها ملأت رأسي بالأكاذيب. أمّا أنتَ، فكنتَ مُتسرّعًا جدًّا بإنهاء مُكالمتكَ معها أمامي. لستُ مجنونة على الاطلاق، بل لطالما كنتُ ذكيّة ويا لَيتني لَم أفقُد ثقتي بنفسي لخوفي مِن مرَض نساء عائلتي! فلولا ذلك، لتعرّفتُ على غيركَ مِن قَبلكَ ومَن يدري، قد أكون قد وجدتُ رجُلاً لا أسرار أو علاقات مشبوهة له، ولا يغتنِم أوّل فرصة لاستعمال نقاط ضعفي ضدّي لإيهامي بأنّه فوق الشبهات. أعتذِرُ منكِ يا رانيا لأنّني شكَكتُ بكِ، لكنّ الماكِرة صوفيا وجّهَتني إلى تلك النظريّة. تكلّم يا حُسام، فسأعرفُ الحقيقة على كلّ الأحوال.

 

ـ أنتِ على حقّ... كانت هناك علاقة بيني وبين صوفيا لكنّني قطعتُها حين قرّرتُ الزواج منكِ. أنا بالفعل أحبُّكِ وأنا آسِف أنّني نعتُّكِ بالمجنونة. لا أُريدُ أن أخسرَكِ، أرجوكِ.

 

ـ قد أُعطيكَ فرصة ثانية إن انتقَلنا للسكن بعيدًا، ولن أقبَلَ بغير ذلك.

 

ـ سأفعل كلّ ما تطلبينَه منّي.

 

لكنّ حُسام تراجَعَ عن وعده ورفَضَ أن نرحَل، فمِن الواضح أنّه لَم يستطِع ترك جيرته التي عنَت له أكثر منّي. للحقيقة، أظنّ أنّه يهوى رانيا، وأنّه ينتظر أن تترك زوجها ليُقيمَ علاقة معها أو يتزوّجها.

ترَكتُ زوجي مِن دون أسَف، خاصّة أنّ هذه التجربة أعادَت لي ثقتي بنفسي، وأزالَت مِن بالي فكرة الجنون مِن دون رجعة. فمِن أبشَع التجارب نستطيع استخلاص ما هو إيجابي ومُتابعة حياتنا بشكل أفضل. فكما يقول المثل: "ما لا يقتُلكَ يُقوّيكَ".

أنا اليوم مخطوبة لرجُل مُحِبّ، وهو لا يعلَم شيئًا عن أمّي وجدّتي، فما النفع؟ فبعض الأمور يجب أن تبقى طَي الكتمان.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button