لماذا أجبرني زوجي على زيادة وزني؟ (الجزء الأول)

كَم كنتُ جميلة حين تعرّفتُ إلى شادي! لستُ أُبالغُ عندما أقولُ إنّني كنتُ أجمَل فتاة في مُحيطي، وكان الناس يضربون بي المثل عندما يتكلّمون عن الملامح والقوام المثاليّة عند المرأة. وحصَلَ أن فزتُ بلقَب ملكة جمال الإقليم، لكنّني بقيتُ مُتواضعة ليس فقط بسبب تربيَتي الحسنة، بل لأنّني لَم أكن أرى نفسي حقًّا جميلة كما يُقال عنّي، بل فقط حسنة المظهر. لِذا لَم أستعمِل شكلي كأداة للوصول إلى ما أُريدُه، كما تفعل الكثيرات، ولَم أطمَح لأصبَحَ عارضة أزياء أو وجهًا اعلاميًّا، بل كنتُ أُريدُ أن أكون لاحقًا طبيبة لأريحَ الناس مِن آلامهم وأطوِّل مِن عمرهم.

دخلتُ كلّيّة الطبّ وقلبي مليء بالحماس والطموح، لكن في ذلك المكان بالذات تغيّرَ مجرى حياتي بشكل جذريّ، أيّ عندما تعرّفتُ إلى الذي سيكون شريك حياتي ومصدر تعاستي التي دامَت سنوات عديدة.

كان شادي أيضًا طالبًا في كلّيّة الطبّ، لكنّه كان على وشك التخرّج في مجال الطبّ النسائيّ، وهو انبهَر بي شأن باقي الطلاب. كانت المُنافسة شديدة للحصول عليّ، وكان لدَيّ مُتّسَع الخيار بين شبّان كانوا سيُصبحون جميعًا أطبّاء أو باحثين. هو أدركَ ذلك، إلا أنّ كان لدَيه الخبرة بسبب سنّه وأيضًا الدافع للحصول عليّ: كان يُريدُ أن يفلَح بجميع المجالات.

شاءَ القدَر أن ينجَحَ شادي بمُحاولاته معي، فانتهى المطاف بي أواعدُه. للحقيقة، هو إنسان ذكيّ للغاية وطموح وذو حسّ بالفكاهة يحملُ العديد للالتفاف حوله. كانت له شعبيّة كبيرة بين الطلّاب، أكانوا إناثًا أم ذكورًا، وشعرتُ بالاطراء أنّه اختارَني بالذات.

جمالي جذَبَ شادي وكذلك ذكائي، فهو لا يُحبّ الأغبياء، لكنّني أبقَيتُ تلك الفطنة مخفيّة بعض الشيء كَي لا أُخيفَه. فبالرغم أنّ الرجال يدّعون أنّهم يُحبّون النساء الذكيّات، إلا أنّهم يُريدون أن يكونوا أكثر منهنّ ذكاءً. وهكذا هو وجَدَ بي ما كان يُريدُه مِن مواصفات خاصّة، وأنا وقعتُ في غرامه بسرعة.

تابعَ حبيبي إختصاصه ولاحقًا تدريبه، وأنا ثابرتُ على الدراسة لأصبح طبيبة عائلة، مُعتقِدة أنّني وشادي سنفتَح عيادتنا المُشتركة حين نتزوّج. إلا أنّه طلَبَ منّي ترك دراستي يوم حدّدنا موعد الزفاف. رفضتُ بقوّة إلا أنّه كان مُتمسّكًا بذلك، وانتهى المطاف بي أخضَع لرغبته بعد أن شرَحَ لي أنّنا سنُنجب على الأقلّ ثلاثة أطفال، وعلى الأمّ أن تكون موجودة على مدار الساعة مع عائلتها. قبلتُ أخيرًا باسم الحبّ ولأنّني تربَّيتُ على أسس بالية تفرض على المرأة الانحناء أمام أهداف زوجها وطلباته، حتى لو كان ذلك على حساب تكوين نفسها وبلوغ طموحاتها... وكأنّ الزواج هو نهايتها كإنسان.

 

تزوّجنا وتركتُ الطب ليتفرّغ شادي للعيادة التي فتحَها طبعًا لوحده ومارَسَ فيها إختصاصه. وهو عمِلَ جهده لأحمِل مِن أوّل شهر. وقد رددتُ ذلك لرغبته وحبّه للأطفال، إلا أنّه كان يرمي لغير ذلك. ولَم أعرِف ما يُخطّط له إلا بعد فترة طويلة.

كان حَملي صعبًا، وفضَّلَ زوجي الذي كان أيضًا طبيبي المُعالِج مِن حيث اختصاصه، أن أبقى في المنزل طوال الوقت، الأمر الذي أحبطَني ودفعَني إلى الالتجاء إلى الطعام كسلوتي الوحيدة. وهكذا زادَ وزني بشكل مُخيف، إذ أنّني صرتُ مُنتفِخة مِن كلّ الجهات بعد أن ربحتُ نحو ثلاثين كيلوغرامًا! وكان شادي يُشجّعُني على الأكل بحجّة أنّ الجنين يحتاج إلى أن يتغذّى، فوثقتُ به ووجدتُ في الطعام راحة نفسيّة.

مِن ناحيته، كان زوجي يخرجُ كثيرًا بعد أن يقضي يومه في العيادة، فهو كان فردًا مِن مجموعة أطبّاء يلتقون دائمًا مساءً لمُناقشة مواضيع مُهمّة أو للترفيه. كنتُ أوّد أن أخرجَ أنا الأخرى لكنّ شادي منعَني مِن ذلك كَي لا أفقِد الجنين، بل طلَبَ مِن والدتي أن تعيشَ معنا خلال الأشهر الأخيرة للحمَل خوفًا على سلامتي. ألَم يجدر به أن يبقى هو معي؟ ألَم يكن هو الأب؟

وُلِدَ ابننا بصحّة جيّدة، فشكرتُ ربّي على هذه الهديّة العظيمة، إذ أنّني قضَيتُ تسعة أشهر خائفة ألا أرى إبني قط أو أن يكون مُشوّهًا لكثرة تهويل زوجي بهذا الخصوص. بقيَت أمّي عندنا لتُعلّمني على أسرار الأمومة، ورأيتُ أنّ الوقت حان لأُخفِّف مِن وزني وأعود تلك الحسناء التي أحبَّها زوجي. وكَم كانت مُفاجأتي كبيرة حين أعرَبَ شادي عن رغبته بأن أبقى سمينة! حاولتُ إفهامه بأنّني أُعاني جسديًّا ونفسيًّا مِن ذلك الوزن الزائد، إلا أنّه قال لي:

 

ـ أليس ما يُهمّ أن يُعجَبَ بكِ زوجكِ؟

 

ـ بلى ولكن...

 

ـ هذا إن لَم يكن ببالكِ أن تُعجِبي رجُلاً آخر؟!؟

 

ـ ما هذا الكلام؟ وأيّ رجُل تتكلّم عنه؟ وهل أنا أخرجُ مِن البيت لأتعرّفَ إلى أحد؟

 

نسيتُ أن أقولَ له إنّ ما يُهمّ ليس أن أُعجِبَ زوجي وحسب، بل أن أكون راضية بنفسي أوّلاً. إلا أنّني سكتُّ مرّة أُخرى.

ومنذ ذلك اليوم، عمِلَ شادي على "عَلفي" بالمعنى الحرفيّ للكلمة، لدرجة أنّني صرتُ ذات حجم لا يُعقَل! إضافة إلى ذلك، هو بقيَ يقولُ كَم أنّه يجدُني مُثيرة هكذا وأنّه لا يُريدُني سوى هكذا.

 

كانت أمّي قد عادَت إلى بيتها حين بدأَت عمليّة "العَلف"، لِذا هي لَم تُصدّقني حين قلتُ لها إنّ شادي هو الذي يُصرُّ أن آكل مِن دون حدود، يوم هي عاتَبتني على وزني المُخيف. وكَي أتدارَك الأمر، صرتُ أُراجِعُ سرًّا طعامي في الحمّام بعد كلّ وجبة. لكنّ زوجي عمِلَ، مرّة أخرى، جهده لأحمَل مِن جديد ونجَحَ بذلك، ولَم أعُد قادرة على التخلّص مِن الطعام الذي كان يُجبرُني على أكله خوفًا على صحّة الجنين الذي بدأ يتكوّن في أحشائي. وكما في الحَمل السابق، بقيتُ أسيرة بيتي حسب تعليمات طبيبي المُعالِج، أي زوجي الحبيب.

زادَ وزني أكثر وأكثر، وللحقيقة، حتى لو أردتُ الخروج، لَم أكن قادرة على ذلك إذ قارَبَ وزني المئة كيلو. ولكثرة إشمئزازي مِن نفسي، وضعتُ أغطية على المرآة في الحمّام وفي غرفة نومي كي لا أرى كيف صارَ جسمي، وكي لا أقضي وقتي بالتحسّر والبكاء. أمّا شادي، فبقيَ يتغنّى بمحاسني ويُشجّعني على ابتلاع كميّة هائلة مِن الطعام.

وُلِدَ ابني الثاني، وبالكاد إستطعتُ الاهتمام به، فعادَت أمّي لتُساعدني به وبأخيه. كنتُ مُنهكة ومُحبطة، فبدأ شادي يتذّمَر مِن مزاجي الذي، بحسب قوله، يدفعُه للبقاء خارج المنزل. ماذا؟!؟ ما تلك الحجّة السخيفة؟ وأين حسّه بالأبوّة؟!؟

لكنّني وقفتُ في وجه زوجي يوم قال لي:

 

ـ هيّا... إستعدّي للولد الثالث!

 

ـ لن يكون هناك مِن ولد ثالث.

 

ـ هكذا خطّطتُ وأنا أُنفِّذ كل مُخطّطاتي.

 

ـ أجل، عندما لا يكون هناك مِن شخص آخَر في المُعادلة. سأُخفِّف مِن وزني لأعود كما كنتُ في السابق وساكتفي بولدَين.

 

ـ أنا زوجكِ!

 

ـ وهذا جسمي! إقتنِع بولدَين فلَن ترى الثالث! واعلَم أنّني لن أقبَل البقاء في البيت أهربُ مِن المرآة بسبب ما فعلتَه بي!

 

ـ لَم أعهدكِ عنيدة هكذا!

 

ـ يا لَيتني كنتُ عنيدة منذ البداية. أُنظُر إليّ! كيف سمحتُ لكَ بأن تشوّهني؟!؟

 

ـ أحبُّ المرأة السمينة وهكذا أُريدُكِ.

 

ـ لو تُحبّ المرأة السمينة حقًّا لَما تزوّجتَني، ولو تحبّ المرأة السمينة حقًّا لكنتَ ستُبدي اهتمامًا حميمًا بجسدي، فأنتَ لا تلمسني سوى للإنجاب. إنتهى الموضوع!

 

بردَت علاقتنا، هذا لو كانت هناك مِن علاقة في الأساس، وربَّيتُ ولدَيّ لوحدي بينما غابَ أبوهما ليلاً نهارًا بحجج مختلفة، وانتقَلَ للنوم في غرفة ثانية إمتعاضًا منّي. مِن ناحيتي، بدأتُ حمية قاسية لكن فعالة وبدأَ وزني ينزلُ شيئًا فشيئًا، الأمر الذي أعطاني مِن جديد ثقة بنفسي. فصرتُ أخرجُ إلى السوبر ماركت وأقومُ ببعض الزيارات للأقارب والأصدقاء الذين تفاجأوا بشكلي الضخم. رأيتُ الأسف في عيونهم، لكنّني كنتُ واثقة مِن أنّني سأستعيدُ قوامي القديم ولو بعد فترة.

كان زوجي قد سافَرَ ليحضر مؤتمرًا في أوروبا في مجال الطبّ النسائيّ، فاغتنمتُ الفرصة لأرتاحَ منه. فبالرغم مِن غيابه الدائم، هو كان يعودُ إلى البيت في آخِر المطاف، الأمر الذي كان يُشكّلُ لي ضغطًا كبيرًا إذ أنّه كان يجدُ الوقت للتنمّر عليّ في ما يخصّ كلّ شيء أكان صغيرًا أم كبيرًا. فلَم يكن يُعجِبه شيء، مِن شكلي مرورًا بطريقة تربيَتي لولدَينا ووصولاً إلى ترتيب البيت. وعندما هو سافَرَ، تنفّستُ الصعداء ودعوتُ بعض الصديقات القدامى لقضاء فرصة نهاية الأسبوع عندي. أردتُ بذلك استعادة شيئًا مِن اللامُبالاة التي كنتُ أملكُها في ما مضى، أعني شعوري بأنّ الحياة جميلة وكلّ شيء جميل.

إستقبلتُ زائراتي بفرَح، وخصّصتُ لكلّ منهنّ مكانًا لتنام فيه، إلا أنّ صديقة لي كانت قد اعتذرَت عن المجيء إستطاعَت التفرّغ في آخِر لحظة. فوجبَ عليّ تدبير منامة لها ومكان لتضع ملابسها. لِذا أفرغتُ بعض أمتعة شادي مِن خزانته الموجودة في الغرفة التي انتقَلَ إليها. وعندما أخرجتُ ملابسه مِن خزانته، وقَعَ ظرف أرضًا وخرَجَ منه مُحتواه: قرص فلاش. كنتُ سأعيدُه في الظرف لولا أنّني رأيتُ مكتوبًا عليه "خاصّ جدًّا". وهل هناك مِن أسرار بين الزوجَين؟ وهل كان شادي ليقبَل بِغض النظر لو وجَدَ لدَيّ ما هو "خاصّ جدًّا"؟ لِذا انتظرتُ حتى انتهَت السهرة ونامَت صديقاتي، لأضَع قرص الفلاش في حاسوبي المحمول.

كيف أشرحُ لكم ما رأيتُه؟ أو حتى كيف شعرتُ؟ فلقد إقشعرَّ بدَني، وأحسستُ بحاجة للتقيّؤ فأغلقتُ الحاسوب بقوّة آملةً أن أحجِبَ مِن فكري ما رأته عينايَ. أيّ رجُل تزوّجتُه؟ كيف له أن يكون بهذه النفسيّة النتِنة؟

لَم يغمُض لي جفنٌ، وطلَعَ الصباح وأنا أُحلِّل كلّ تلك الأفكار التي سكنَت بالي. هل كنتُ سأنجَح بإخفاء معرفتي بالذي يفعله شادي حين يعودُ مِن الخارج... أم أواجهُه؟

 

يتبع...

 

إضغطي هنا لقراءة الجزء الثاني

المزيد
back to top button