كنتُ أجيء بِفتاة إلى البيت خلسة

كلَما تعرّفنا إلى أناس جدد وسألونا كيف تعرّفنا إلى بعضنا، أنظر إلى منال زوجتي وأضحك قائلاً:"وجدتُها على الرصيف." وتضحك زوجتي وتحثّني على أخبرهم القصّة بكاملها كي لا يسيئوا الفهم. وعندها أبدأ مِن الأوّل، أي عندما كانت منال لا تزال تعيش عند أهلها.

كانت فتاة سعيدة حتى أن جاء إلى حيّهم شاب إسمه عصام وسكن مع أهله في المبنى الملاصق لِمبناهم وأُعجبَ كثيراً بها ولكنّها لم تبادله هذا الإعجاب وأفهمَته بشتّى الطرق أنّها لا تريده. ولكنّه لم يكن مِن النوع الذي يقبل الرفض، لأنّ طبعه كان حادّاً وكان معتاداً على نيل مراده حتى لو لزِمَ الأمر أن يستعمل أساليب بغيضة. وباتَ يراقب تحرّكاتها وإكتشفَ أنّ منال تواعد شخصاً آخراً. عندها قرّرَ أنّها لن تكون لغيره وأنّه سيبعد عنها كل مَن جاء ليأخذها منه.

وفي ذاك مساء إختبأ في سيّارته وإنتظرَ أن ينهي العريس زيارته لأهل منال وإنقضّ عليه وبدأ يضربه بوحشيّة حتى أن أُغميَ على المسكين. وبعد أن وجدَه أحد المارّة على الطريق ونقلَه إلى المستشفى، قرّرَ هذا الشاب أنّه لن يخاطر بحياته مرّة أخرى ففضّلَ الإبتعاد بعد هدّدَه عصام قائلاً:"منال لي... وإن رأيتُكَ هنا مرّة ثانية سأقتلكَ... وإيّاكَ أن تخبر أحداً وإلاّ..." ولم يعرف أحد مَن الذي أودى به إلى المستشفى لذا لم تحترس منال مِن جارها الذي بدا وكأنّه لم يعد مهتمّاً بها.

ومرَّت الأيّام وتعرّفَت منال على شاب جديد ووجدَ عصام أنّه لا يستطيع ضرب كلّ الشباّن الذين يتردّدون إلى منزلها لأنّ أمره سيكشف بالنهاية، ففضّلَ أن يستعمل طريقة أخرى تكون في نظره أفضل بكثير أي خطف حبيبته وإجبارها على حبّه، فمَن سيرضى بها بعد أن تقضي أيّاماً معه؟ وإنتظرَ الفرصة المناسبة وعندما كانت عائدة مِن منزل صديقتها، أمسكَها بقوّة قبل أن تدخل المبنى وأجبرَها على الركوب في سيّارته وأقلعَ وإختفى في ظلمة الليل. حاولَت المسكينة الإفلات منه ولكنّه كان أقوى منها وكان يقود بسرعة فائقة. ثم أخذَ حقيبة يدها ورماها مِن النافذة خوفاً أن تستعمل هاتفها. وحين هدأت قليلاً، بدأت تخاطبه على أمل أن تقنعه بإعادتها إلى بيتها ولكنّه أجاب:

 


ـ سئمتُ منكِ ومِن مغامراتكِ... كان يجدر بكِ أن تقبلي بي مِن الأوّل... لكنتِ وفرّتِ على حبيبكِ الأوّل كل تلك الكدمات والكسور.

 

ـ أنتَ الذي أبعدتَه عنّي؟ وتعتقد أنّني سأحبّكَ هكذا؟

 

ـ لم يعد يهمّني إن أحببتيني أم لا... أنتِ لي...

 

ـ وإلى أين ستأخذني الآن؟

 

ـ إلى منزلي في الجبل... هناك ستصبحين زوجتي!

 

وإقشعرّ بدَن منال لمجرّد الفكرة وأخذَت تحاول إيجاد طريقة لِتفادي هذا المصير البشع. وبعد أن قطعا مسافة طويلة جدّاً، وصلا إلى قرية مأهولة فتنفّسَت الصعداء بعض الشيء وإنتظرَت حتى أن خفّف سرعته وتوقّف عند إشارة سير حتى أن قفزَت مِن النافذة لأنّ الباب كان موصداً. وقعَت أرضاً ثم قامَت وبدأت بالركض كالمجنونة. وعندما إستوعبَ عصام ما حصلَ، كانت قد غابَت عن نظره. أوقفَ سيّارته إلى جانب الطريق وترجّلَ وأخذَ يبحث عنها ولكن دون جدوى لأنّها كانت قد إختبأت خلف صناديق فارغة موضوعة أمام سوبر ماركت مُقفل. وعندما فقد الأمل عادَ إلى سيّارته ورحل. ووجدَت نفسها وحيدة في مكان لا تعرفه فبدأت بالبكاء. نظرَت حولها فلم تجد أحداً لتستعين به في تلك الساعة المتأخرّة مِن الليل لِذا بدأت بالسير متأملّة أن تجد سيّارة تقلّها إلى ذويها.

وفي تلك اللحظة كنتُ مارّاً مِن هناك بعدما أنهيتُ العشاء عند أصدقاء لي كانوا قد دعوني للإحتفال بعيد زواجهما. أرادا إستبقائي عندهما حتى الصباح ولكنّني رفضتُ خوفاً مِن أن تبقى أمّي لوحدها وأن يحصل لها مكروهاً خلال غيابي بِسبب حالتها الصحيّة هشّة. ورأيتُ صبيّة واقفة على الطريق في الليل ومِن ملامحها علِمتُ أنّها تائهة. أوقفتُ سيّارتي وعرضتُ عليها توصيلها إلى منزلها فأجابَت:

 

ـ أسكن العاصمة... هل تستطيع أخذي إلى هناك؟

 

ـ لستُ ذاهباً في ذلك الإتّجاه... العاصمة تقولين؟ إنّها بعيدة جدّاً!

 

ـ أرجوك... ليس لديّ مكاناً أذهب إليه...

 

ـ سآخذكِ حتى القرية المجاورة وتستطيعين تطمين أهلكِ بواسطة هاتفي في المنزل... عفواً ولكنّني لا أحمل جوّالاً... أكره هذه الأشياء...

 

ـ لا أستطيع الذهاب معكَ إلى منزلكَ! مَن تخالني أكون؟ أنا فتاة شريفة!

 

ـ أعلم ذلك... ولكنّني لا أسكن لوحدي... هناك أمّي... وعلى كلّ حال لا يمكنكِ الوقوف هنا لوحدكِ طوال الليل! هيّا إصعدي!

 


وأخذتُها إلى بيتي وحين دخلنا كان المكان مظلماً. طلبتُ منها أن تخفضَ صوتها كي لا نوقظَ والدتي وأخذتُها إلى غرفة الجلوس حيث إتّصلَت أهلها. ولكنّ الأمور لم تسير كما توقّعَت، فكان عصام قد سبَقها وخابرَ والدَيها وقال لهما أنّه خطفَها ليتزوّجها وأنّه عاشرها وأصبحَت له. ولم يكن أبوها مستعدّاً لإرجاعها إلى البيت وطلَبَ منها ان تبقى معه. وبالرغم أنّ منال أقسمَت لهما أنّها لم تعاشره فلم يغيّرا رأيهما. عندها إنهارَت المسكينة وبدأت بالبكاء. عملتُ جهدي لتطمينها ولكنّها بقيَت تردّد:" أين سأذهب الآن؟ ماذا سيحصل لي؟؟؟." عرضتُ عليها قضاء الليل على الأريكة ريثما نجد حلاًّ في الصباح وركضتُ أرى أمّي وأطمَئنّ عليها، فوجدتُها غارقة في النوم.

وفي صباح اليوم التالي وقبل أن تستفيق والدتي، أخذتُ منال معي إلى محل الألبسة الذي أملكه لتقضي النهار. وعند المساء جعاتُها تتسلّل خلسة إلى بيتي لِتنام. وهكذا بدأت منال بالعمل عندي وبمساعدتي وبالنوم في غرفة الجلوس ليلاً. وبقيَ الوضع هكذا حوالي الشهر حتى أن كُشفَ أمرنا. كانت حالة أمّي قد تحسّنَت وباتَت قادرة على النهوض، ففي ذاك ليلة قامَت مِن سريرها لتذهب إلى الحمام فسمِعَت أحداً يتقلّب في قاعة الجلوس وعندما دَخَلَت ورأت منال نائمة هناك صَرَخت بكل قواها وإستفَقتُ مرعوباً مِن النوم. ركضتُ لأرى ما الذي يحدث ظانّاً أنّ والدتي قد وقعَت أرضاً ورأيتُ منال ترتجف مِن الخوف وأمّي تسألها مَن تكون. عندها هدّأت الأجواء وأخبرتُ أمّي القصّة الكاملة. عندها نظرَت إليّ بتعجّب وسألَتني:

 

ـ و إلى متى كنتَ ستبقيها هكذا؟

 

ـ لا أدري يا أمّي...

 

ـ خلتُكَ إنساناً شهماً... يجب عليكَ أن تتزوّجها!

 

نظرتُ إلى منال التي نظَرَت إليّ بدورها وأجبتُ:

 

ـ قد أفعل إن كانت تريد منال ذلك.

 

وسألَتها أمّي:

 

ـ هل تريدين إبني زوجاً لكِ؟

 

ـ لا أدري... أعنّي لم أفكّر بالأمر... أقصد... هو لم يعرض عليّ الزواج!

 

ـ ولكن... هل تريدينه؟

 

ـ أجل...

 

وإبتسمَت والدتي وقالَت لي:

 

ـ سنقيم الزفاف بعد أسبوع... ريثما أتحسّن أكثر... حتى ذلك الوقت سترحل أنت وتنام عند خالتكَ... أترك لي منال هنا.

 

وبعد أسبوع تزوّجنا وإكتشفنا أنّنا فعلاً نحبّ بعضنا. لم تدعو منال أهلها لأنّها إعتبرَت أنّهما رماها لوحش مفترس خوفاً مِن كلام الناس وإكتفَت بحضور حفنة مِن أقاربي وأصدقائي قائلة:"هذه عائلتي الجديدة وأنتم مَن يحبّني فعلاً."

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button