قَتَلَت أمّها وأخي في آن واحد

كان إسمها سعاد وكانت إمرأة خجولة ومنطوية على نفسها والسبب قد يعود إلى أمّها التي لم توّفر سبيل لإهانتها بشأن بدانتها. فكبرَت مع شعور بالنقص وعمِلَت جهدها لإرضاء الجميع أملاً بأن يحبّها أحد. وكي تُنسي الناس شكلها الخارجي إنكَّبت على دراستها وحصَدَت أعلى العلامات ونالَت مركزاً مرموقاً في أكبر شركة في الشرق.

وعلِمتُ بأحداث هذه القصّة وتفاصيلها مِن وائل أخي الذي تعرّفَ إليها عندما كانت تجني المال الوفير إلى جانب تغطية صحيّة شاملة ورصيد كبير في المصرف. وطمِعَ بها وائل لأنّه لم يكن فالحاً بشيء، ففضّل أن يتزوّج مِن إمرأة لا يحبّها على أن يكسب ماله بعرق جبينه. حاولتُ إقناعه بعدم المضي بالزواج منها، فأجابَني:

 

ـ سهل عليكِ إختيار شريككِ أمّا بالنسبة لي فليس لديّ الخيار... أنتِ ذكيّة وناجحة... أنا...

 

ـ أنتَ كسول... هذه هي مشكلتكَ... لستَ أقلّ ذكاء منّي بل ما ينقصك هو النيّة على العمل... ستتزوّج مِن إمرأة لا تحبّها ولا تستهويكَ... وستقضي معها سنين طويلة وتراها كلّ يوم... هل فكرّتَ بكل ذلك؟

 

ـ وسأصرف مالها وألبس أجمل الملابس وأسافر أينما أريد... هذا ما فكرّتُ به.

 

وتزوّجَ المسكينة التي إعتقدَت أنّها وجَدت أخيراً مَن يحبّها كما هي وبفضل مالها سافرا إلى عدّة بلدان أوروبيّة لقضاء شهر عسل جميل. وكانت سعاد قد أشترَت شقّة في العاصمة ولكنّ أعمال الديكور لم تكن بعد منتهية، فسكنَت فترة قصيرة مع زوجها عند مُنيرة أمّها التي لم تكن مسرورة للأمر لأنّها إعتبرَت أنّها غير مُجبرة على إستقبال أيّ أحد في منزلها بعدما زوّجَت إبنتها أخيراً. ولكنّها لم تستطع الرفض لأنّ سعاد كانت تعطيها مبلغاً شهريّاً لتصرفه على نفسها، فخافَت أن تقطع عنها المصروف.

 

 

وهكذا إستقرّ العروسان في غرفة سعاد وعملا جهدهما لعدم إزعاج مُنيرة ولكنّ الأمور أخذَت مجراً مختلفاً عندما وجدَ وائل أنّ حماته إمرأة جميلة وجذّابة على خلاف إبنتها وقرّرَ التقرّب منها لإشباع رغبات لم توقظها سعاد. فالجنس معها كان مملاً وكان يقوم بواجباته الزوجيّة رغماً عنه فقط ليستفيد مِن الحياة التي تقدّمها له. وهكذا بدأ أخي بإغراء مُنيرة التي وجَدت نفسها محطّ إهتمام شاب وسيم، فلم تردّه بل شجّعَته على مغازلتها.

 


وبدأت الأمور تكبر وتتفاقم خاصة أنّهما كانا يبقيان لوحدهما في البيت بينما سعاد تذهب إلى عملها لِترجع في المساء. وولِدَت علاقة جنسيّة بين الصهر والحماة مِن خلف ظهر التي كانت السبب في تواجدهما معاً. ولم يكتفيا بذلك، بل تضامنا لتسخير سعاد والإستفادة منها ماديّاً والإستهزاء منها. فبدأا يعيّرانها ببدانتها وكميّة الأكل التي تتناولها وشجّعاها على تعاطي حبوب قطع الشهيّة والإمتناع عن الأكل حتى أن إنهار جسدها مِن قلّة التغذية. وحتى عندما بلغَت حالتها حدّاً مُقلِقاً، لم يتوّقفا بل زادا مِن حثها على خسارة الوزن.

ولم تكن المسكينة مُدركة لما يجري فإعتقدَت أنّ زوجها يفعل ذلك حبّاً لها ولكي يفتخر بها أمام الناس وأرادَت أن تجاريه لتكسب حبّه أكثر وأكثر. ولكنّ زملائها في الشركة نبهّوها على خطورة حالتها ولم يفهم أحد لِما تفعل ذلك بنفسها خاصة أنّها كانت أسعد عندما كانت بدينة. وأظنّ أن سعاد كانت ستموت أو ستخسر صحتّها إلى الأبد لولا جارتها التي أخذَتها في ذاك يوم جانباً وقالت لها:

 

ـ حبيبتي... أعرفكِ منذ ما كنتِ صغيرة جدّاً... وأعرف أمّكِ وأباكِ رحمه الله... وأحبّكِ كثيراً لأنّني أعلم كم عانيتِ مِن نظرة أمّكِ لكِ... وفرِحتُ لكِ عندما دخلتِ تلك الشركة الكبيرة وعندما تزوّجتِ... قلتُ لِنفسي أنّكِ وأخيراً وجدتَ السعادة...

 

ـ أجل... وجدتُها وإسمها وائل...

 

ـ أعلم كم تحبّينه ولكن... هل أنتِ متأكدّة بأنّه يحبّكِ؟

 

ـ يا للسؤال الغريب! بالطبع يحبّني!

 

ـ ولكنّه لا يعمل... يجلس طوال النهار مع... والدتكِ.

 

ـ لا يعمل لأنّه لم يجد عملاً يليق به... سيأتي يوم وترَين ما بإمكانه فعله!

 

ـ وحتى يأتي هذا اليوم يصرف مالكِ ويهزأ منكِ

 

ـ كيف...

 

ـ أعلم ما يجري عندكم... أسكن بالشقّة الملاصقة لكم... أنسيتي؟ والجدران رقيقة... وأصواتكم عالية... وصوتهما عالِ أيضاً...

 

ـ ماذا تعنين؟

 

ـ أعني مُنيرة وزوجكِ... أسمعهما عندما تكونين في عملكِ...

 

ـ سأطلب منهما أن يتكلّما بصوت خافت

 

ـ لا... لا أعني أنّ كلامهما عالي بل... الأصوات التي يحدثونها عندما...

 


ـ عندما ماذا؟؟؟

 

ـ عندما يمارسان الجنس.

 

وترَكَتها الجارة وعادَت إلى منزلها ووقفَت سعاد لوحدها تفكرّ بالذي قالَته الجارة. ثم دخلَت المنزل ورأت أمّها في المطبخ وزوجها يقرأ الصحيفة. عندها قالت لنفسها أنّ الجارة كاذبة ولا تريد سوى خلاف الناس ببعضها. ولكنّها أرادَت معرفة كيف يشغل زوجها وقته طوال النهار، فإستغربَ لسؤالها. عندها أضافَت:

 

ـ حبيبي... يمكنّني إيجاد عملاً لكَ في الشركة

 

ـ ولماذا؟ تعرفين أنّني لن آخذ عملاً فقط لجني المال... أريد تحقيق ذاتي... لديّ مؤهّلات هائلة ولا أريد أن تذهب سدىً!

 

ـ أجل... أفهم تقصدكَ... على كل حال سننتقل إلى شقّتنا الجديدة بعد إسبوع.

 

ـ ماذا؟ ولِما العجلة...

 

ونظرَت أمّها إلى عشيقها بإستنكار وقاَلت لإبنتها:

 

ـ إرحلي أنتِ ودعيه يبقى هو!

 

كانت مُنيرة قد تكلَمَت دون أن تفكرّ بالذي قالَته. عندها غيّر أخي الحديث وإعتقدَ أنّ سعاد لم تلاحظ شيئاً. ولكنّها لم تكن غبيّة وأدركَت أنّ شيئاً ما يدور فعلاً بين أولائكَ الإثنين. فإنتابها غضب شديد أوّلاً مِن أمّها التي هزأت منها طوال حياتها ثم أخذَت منها زوجها ومِن وائل لأنّه إستغلّها ماديّاً وإجتماعيّاً وقرّر إقامة علاقة مع والدتها تحت السقف التي تعيش فيه ناهيك عن محاولتهما للضرر بصحّتها ومعنويّاتها. وأظنّ أنّها قرّرَت في تلك اللحظة أنّ عليها التخلّص منهما بطريقة جذريّة وفعّالة.

والناس الذين كانوا ضحيّة إذلال يستطيعون غالباً إرتكاب أشياء فظيعة إنتقاماً مِن الذين أذوهم. وقالت سعاد لأمّها وزوجها أنّها ستذهب إلى شقّتها الجديدة وأنّها ستقضي الليل هناك لتكون جاهزة عندما يأتي العماّل باكراً لوضع اللمسات الأخيرة. وسُرَّ العاشقان لأنّهما سيكونان لوحدهما طوال الليل لأوّل مرّة.

وما جرى بعد ذلك بقيَ غامضاً لأنّني لم أعلم مِن وائل سوى أنّه مسرور أن زوجته بعيدة عنه وأنّه سيقضي سهرة ممتعة مع مُنيرة. وبعد أن أقفلتُ الخط معه بأقل مِن 24 ساعة، علِمتُ أنّه مات هو وعشيقته خنقاً مِن تسرّب غاز سببه أنابيب قديمة. والذي وجدَهم كان جارهم الذي شمّ رائحة غاز قوية قادمة مِن شقّتهم. وعندما طلبَ النجدة وخَلَعَت الشرطة الباب وجدوا وائل ومُنيرة عارييَن ومتعانقَين في نفس السرير والشبابيك مقفلة. كانا قد ماتا أثناء نومهما. لم يتّهم أحد الزوجة وحتى أنا لم أفكرّ انّها قتلتهما حتى أن إلتقيتُ بالجارة عندما أتيتُ لأخذ أمتعة أخي وأخبرَتني أنّ سعاد كانت تعلم بالعلاقة الموجودة بين وائل وحماته لأنّها أطلعَتها بِنفسها على الأمر.

عندها ركضتُ لأرى زوجة أخي وأتأكدّ مِن الموضوع. وعندما فتحَت لي باب شقّتها الجديدة قلتُ لها دون مقدّمة:

 

ـ ها قتلتيهما؟ أريد أن أعلم!

 

ـ لا تخافي... لم يشعرا بشيء... كانا نائمان كالأطفال...


وأقفلَت الباب بوجهي.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button