قضيتُ على مستقبله فقط لأنّه قاومَ إغراءاتي

منذ ما وقعَت أعُيني عليه، علمتُ أنّني معجبة به. كان ذلك في يومي الأوّل مِن عملي في تلك الشركة الإعلاميّة. سألتُ عنه وقيل لي أنّه عازب وصعب المنال ما زاد مِن إصراري على التعرّف إليه أكثر. كنتُ في ذلك الحين جميلة وجذّابة وما مِن شاب إستطاع مقاومتي، فإبتسمتُ لهذا التحدّي الجديد ووعدتُ نفسي أن يقع طارق في حبّي في أقرب وقت وأكون مَن يسرق قلبه. ولِحسن حظّي كان مكتبي قريب مِن مكتبه وهكذا كان بإستطاعتي رؤيته وهو يعمل. أمّا هو فلم تبدو عليه أيّ علامة إعجاب رغم الإبتسامات العديدة التي خصّصتُها له. قلتُ لنفسي أنّه ربما يحتاج إلى إشارات أقوى ليعلم أنّني مهتمّة به، فقرّرتُ أن أدلّعه بعدما علمتُ أنّه مولع بالشوكولا وذهبتُ إلى محلّ حلوى شهير وإبتعتُ له أفخم علبة وجدتُها ووضعتُها على مكتبه مع كلمة "ألف صحّة" دون أن أذكر إسم المرسل وإنتظرتُ قدومه. وحين دخلَ الشركة، حبستُ أنفاسي وراقبتُه وهو يمسك الهديّة. نظرَ حوله ثمّ فتحَ العلبة وإبتسمَ ومِن ثمّ أخذَ يأكل الشوكولا. سررتُ جداً لأنّه أحبّها وتوقعتُ مِنه أن يسأل مِن حوله عمَّن أهداه الحلوى ولكنّه لم يفعل وبدأ عمله كالمعتاد. غضبتُ للامبالاته وأقنعتُ نفسي أنّه لا يريد أن يظهر إهتمامه للأمر فسامحتُه. لاحظَت زميلة لي إعجابي بطارق، فقالَت لي في ذاك يوم:

- إسمعيني... لقد حاولنا مِن قبلكِ... الرجل ليس مهتمّاً وعليكِ القبول بِهذا.

- ليس مهتمّاً بكنّ ولكنّني أعرف كيف أتصرّف معه.

ضحكَت الفتاة ثمّ أضافَت:

- إذاً أتمَنّى لكِ التوفيق... وإن فزتِ به، فسأدعوكِ إلى العشاء!

وهكذا أصبحَت المسألة متوقّفة على مهارتي وقد يعني فشَلي نهايتي. فقرّرتُ أن أزيد مِن قوّة هجماتي على طارق لتسريع النتيجة والفوز بالتحدّي. فبدأتُ أرتدي الملابس القصيرة والمغرية والذهاب إلى مكتبه والتحجّج بِطلب المساعدة كوني ما زلتُ جديدة في عالم الإعلام. ولأنّه إنسان خدوم، كان يساعدني بكل سرور ولكن دون أن يعلّق سلباً أو إيجاباً على مظهري. وبدأَت اللعبة تتحوّل إلى إمتعاض وإمتلأ قلبي بالغضب. التفسير المِنطقي الذي وردَ على عقلي كان أنّ عصام لديه حبيبة خارج المكتب وأنّه مغرم بها لدرجة رفض كل النساء الأخراوات. ولكيّ أتأكّد مِن الأمر ، قررتُ أن ألحق به عند خروجه مِن العمل والتجسّس عليه. ولكنّ الرجل لم يكن يذهب إلى أيّ مكان، فعند دخوله المنزل كان يبقى هناك حتى اليوم التالي. علمتُ بذلك لأنّني قضيتُ عدّة ليالي في سيّارتي أمام بيته بعد أن قلتُ لأهلي أنّني عند زميلة لي نعمل على مشروع معقّد، علينا تقديمه في غضون أيّام. ومِن بعدها، لم أعد أفهم كيف لِشاب مثل طارق أن يعيش دون إمرأة في حياته رغم أن حاولَت جميع الموظّفات التقرّبم ِنه. فإستنتجتُ أنّه قد يكون يغوي أبناء جنسه. كان ذلك منطقيّاً، فإن لم يكن يحبّ النساء، فعليه أن يكون مثليّ. وأعترفُ أنّني أحببتُ ذلك التفسير، لأنّه يبرّر فشلي الذي كان قد سبّب لي الإحباط. وكان عليّ أن أنشر هذا الخبر حولي لكيّ يعلم الجميع أنّ الذنب ليس ذنبي، فكيف أُغري مَن لا يحبّ النساء؟ وفي اليوم التالي ذهبتُ إلى تلك الزميلة التي تحدتَّني وقلتُ لها:

- أظنّ أنّكِ مدينة لي بدعوة إلى العشاء.

- هل تعنين بذلك أنّكِ نلتِ إعجاب طارق؟

- أبداً... فأنا بالنسبة له غير موجودة بتاتاً.

- ولكنّكِ قلتِ...

- لقد فزتُ لأنّني علمتُ لماذا لم تقدر أيّ فتاة على جذبه وهذا يخوّلني إلى أفضل وأشهى عشاء!

- قولي لي ما علمتِ به!

- الأمر بمنتهى البساطة... وأسأل نفسي لماذا لم يفكّر به أحد مِن قبلي... أيّتها الغبيّة... الرجل مثليّ!

- يا إلهي! وكيف علمتِ بذلك؟

- هذا لا يهمّ... هو مثليّ وهذا سبب عدم إهتمامه بنا كلّنا... وأرجو مِنكِ ألّا تخبري أحداً بالأمر.

قلتُ لها ذلك وأنا عالمة تمام العلم بأنّها ستنشر الخبر في الشركة وكان هذا ما أريده. وبعد أيّام أصبح الكلّ على علم وإستدعاه المدير إلى مكتبه للإستفسار. وعندما خرج المسكين مِن عند المدير، كانت علامات الغضب والحزن واضحة على وجهه. توجّه إلى مكتبه وبدأ يجمع أمتعته. ركضتُ إليه لأسأله عن الموضوع فقال لي:

- هناك من إختلق أخباراً عني.

- ماذا تقصد؟

- قالوا أنّني مثليّ... وهذا لم يعجب المدير الذي طلبَ مِنّي الرحيل خوفاً مِن أن يؤثّر ذلك على سمعة الشركة... لا أدري مَن أطلق هذه الشائعة عليّ ولماذا ولكنّني أعلم أنّ هؤلاء مجرمون... ماذا سأفعل الآن؟ إلى أين أذهب؟ إذا أذيع الخبر في باقي الشركات، فلن أستطيع إيجاد عملاً آخراً... أرجو أن ينال هؤلاء الناس جزاءً قويّاً..."=

إمتلأت عيوني بالدموع لأنّني لم أتصوّر أن تصل الأمور إلى هذا الحد، فكل ما كنتُ أريده كان إنقاذ سمعتي كفتاة مغرية وها أنا أشوّه سمعة رجل لم يفعل لي شيء. وغادر طارق الشركة دون أن أصحّح غلتطي، لأنّني خفتُ أن أطردَ بدوري. وبعد فترة إمتلأ قلبي بالحزن والشعور بالذنب لدرجة أنّني قررتُ أن أذهب إلى منزل طارق وأعترف له بالحقيقة. قرعتُ بابه وتفاجأ برؤيتي واقفة أمامه. دعاني للدخول وعندها رأيتُ في الصالون سيّدة مسنّة جالسة على كرسيّ نقّال. قال لي:

- أمّي...

إحمرّ وجهي وبعد أن ألقيتُ التحيّة عليها تابعَ:

- تعالي معي إلى المطبخ لنحضّر الشاي. 

وهناك أخبرَني أنّ والدته أصيبَت بأزمة ضربَت دماغها وشلَّتها بصورة نهائيّة وأنّها لا تستطيع الإعتناء بنفسها:

- خلال النهار تأتي ممرّضة للإهتمام بها وحين أعود إلى المنزل يأتي دوري... أحبّها كثيراً ولا أستطيع تركها ولو لدقيقة واحدة، فهي تعتمد عليّ كليّاً... وكما ترين ليس لي حياة شخصيّة، فلا أستطيع جرّ أحداً معي في وضع كهذا... من سيقبل بالعيش معي هكذا... وليس لديّ أشقاء فأنا وحيد عند أهلي ولقد مات أبي منذ سنين طويلة... وبما أنّكِ علمتِ الحقيقة الآن أستطيع البوح لكِ بأنّني أعجبتُ بكِ كثيراً ولاحظتُ محاولاتكِ العديدة للتقرّب منّي، لكنّي لم أجرؤ على المضي بشعلاقة معكِ... والآن همّي الأكبر، هو إيجاد عمل لكي أقدر على دفع تكاليف علاج أمّي...

- أظنّ أنّني أستطيع إعادتكَ إلى العمل.

- كيف يمكنكِ فعل ذلك؟

وأخبرتُه بما فعلتُ. سكتَ مطوّلاً ونظرَ إليّ بحزن. ثمّ تابعتُ:

- لقد أدهشتَني بحبّكَ لأمّكَ وتفانيكَ لها... قليلون هم الرجال الذين يضحّون هكذا... أنا لا أمانع أن أعيش مع أمّكَ.

- قد لا تمانعين ولكنّني أمانع... لا أظنّ أنّنا خلقنا لبعضنا... أنتِ إنسانة مغرورة فضّلتِ الإساءة إلى شخص لم يؤذيكِ بشيء فقط لأنّه لم يعركِ الإهتمام الذي تظنّين أنّه مِن حقّكِ فقط لأنّكِ جميلة... وما فضلكِ إن ولدتِ هكذا؟ لقد شوّهتِ سمعتي ربّما إلى الأبد وقد يؤثّر ذلك على صحّة أمّي المقعدة... لا أريدكِ أن تعيدي لي عملي، فأنا لا أريدكِ بحياتي كلّها... أتمنّى أن يكون هذا درساً لكِ.

غادرتُ منزل طارق وأنا أبكي بمرارة لأنّه كان على حق بكل ما قاله. وجدتُ نفسي قبيحة جداً وأوّل شيء فعلتُه في صباح اليوم التالي كان الذهاب إلى مديري وإخباره بالذي فعلتُه ومِن ثمّ قدّمتُ إستقالتي.

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button