فضلت أن أكون عشيقته على أن أتزوجه

كنتُ أعمل آنذاك كراقصة كاباريه، لأنّ الظروف القاسية التي عشتها، قادتني إلى ذلك المكان. وأثناء أحد عروضي، صادفتُ رجلاً ثريّاً إسمه وليد وأُعجب بي لدرجة أنّه ومنذ الليلة الأولى جاء إلى الكواليس وأعرب عن رغبته في رؤيتي مجدداً وعلى صعيد شخصي وبالطبع فهمتُ قصده: كان يريد إقامة علاقة غراميّة معي فقط. كنتُ معتادة على هكذا عروض وكنتُ دائماً أمانع، فلم أكن من اللواتي تبعن خدماتهنّ مقابل المال.
ولكنّ وليد وإلى جانب ثراءه، كان وسيماً جداً ويتمتّع بشخصيّة مميّزة ما جعل الأمر أسهل عليّ، فلطالما حلمتُ برجل مثله. وجلب لي الهدايا الجميلة وأخذني إلى المطاعم الفخمة. وكنتُ أعلم أنّ لديه حياة أخرى لا دخل لي بها، لأنني كنتُ أنتمي إلى الجزء المظلم منها. فكان وليد قد خطب إبنة تاجر معروف ويوّد جمع ثرواتهما معاً والإفتخار بالإقتران بهكذا عائلة. وكان يذهب عدّة مرّات في الأسبوع لزيارة تلك الفتاة وكان يصطحبني معه. كنتُ أنتظره في السيّارة قرب منزلها برفقة سائقه. وبعد أن يوهم خطيبته بأنّ لديه أشغالاً مهمّة، كان يعود ونذهب سويّاً إلى شقّة صغيرة ونقضي هناك أوقاتاً حميمة. وفي هذه الأثناء، وقعتُ بحبّه وبات الوضع يزعجني ولكنني لم أكن قادرة على فعل أيّ شيء لأنني كنتُ أدرك تماماً أنّ لا مستقبل لي مع وليد وأنني مخصّصة فقط لمتعته.
وطبع حبيبي الحاد، لم يكن يسمح لأيّ نقاش معه فككل رجل ناجح وغني، كان حازماً بقراراته ويفرض على الآخرين وجهة نظره حتى لو كانت لا تناسب سواه. وشخصيّته القويّة سبّبت له المتاعب ومنها إمتعاض سائقه، فقرّر هذا الأخير الرحيل. ولكن قبل أن يفعل، ذهب إلى خطيبة وليد وأخبرها عن وجودي وأنني السبب في لقاءاتها القصيرة مع خطيبها. ولم يكتف بذلك وحسب، بل إصطحبها إلى الشقّة في الوقت الذي كنّا متواجدين هناك. سمعنا قرعاً على الباب وعندما قام وليد ليفتح، تفاجأ برؤيتها أمامه. أما هي، فخلعت خاتم الخطبة ورمته في وجهه قائلة:

- أرى أنّكَ لا تحبّ الفتيات المهذّبات وتفضّل عليها الغانيات!

ورحلَت وإستأتُ كثيراً لما سمعتُه وبدأتُ بالبكاء، فجاء وليد ليواسيني ويخفّف عليّ حزني قائلاً:

- لا تبالي لما قالته... أنتِ أفضل منها بكثير... من الجيّد أن حصل هذا، فكنتُ أشعر بالملل معها ولا أدري كيف كنتُ سأتحمّل العيش معها لسنين طويلة... أمّا معكِ فالحياة جميلة... كنتُ آخذكِ معي عندما أذهب لرؤية هذه الفتاة لأشعر أنّكِ لستِ بعيدة عني وأنني عندما أنزل السلالم سأجدكِ بإنتظاري... سأقول لكِ شيئاً... أظنّ أنني أحبّكِ...

وبلحظة واحدة جفّت دموعي وعانقته بقوّة قائلة:

- أنا أيضاً أحبّكَ.

ولكنّ هذا الحب كان ممنوعاً، فلم أكن سوى راقصة كاباريه وكان وليد يبحث عن زوجة وأمّ لأولاده ولم أكن مناسبة له. فعاود اللقاءات مع بنات الناس الأثرياء ووجد إحداهنّ وطلب يدها وقبلوا بسرور وبدأ يزورها كما فعل مع التي سبقها وكالعادة كنتُ أنتظره بالسيّارة مع السائق الجديد ريثما ينتهي من واجباته. ولكنني لم أعد أتحمّل الوضع وبدأتُ أشعر بغيرة عميقة أثّرت على مزاجي وبتُّ أتحجّج بالتعب والإنشغال لأتفادى الذهاب معه إلى لقاءاته. وبالطبع لاحظ وليد ذلك، فسألني عن سبب تلك الأعذار التي لم تُقنعه. فجاوبته:

- حبيبي... إن كنتُ راقصة كاباريه، هذا لا يعني أنّ لا شعور لديّ... أنا إمرأة ككل النساء، لا أتحمّل أن تكون مع غيري خاصة أنّكَ تنوي الزواج...

- صحيح أنني سأتزوّج قريباً ولكنني سأظلّ معكِ كالسابق... لن يتغيّر عليكِ شيئاً...

- من قال لكَ هذا؟ ستنام بقربها وتستفيق إلى جانبها... ستحمل إسمكَ وستنجب لك الأولاد... ستذهب معكَ إلى الحفلات والأعراس مرفوعة الرأس وسيستقبلونها الناس بإحترام... أمّا أنا، فسأظلّ أمشي في ظلّكَ، أختبئ طوال الوقت وآخذ الفتافيت التي ستتركها لي زوجتكَ.


سكتَ وليد لأنني كنتُ على حق بما قلته وإكتفى بتقبيلي بحرارة. وجاء موعد الزفاف وأصبتُ بإكتئاب حاد سبّب لي أوجاعاً في جميع أنحاء جسمي لدرجة أنني لم أعد قادرة على الرقص، فأخذتُ إجازة لأرتاح. وعندما جاء النهار الذي سيبعد عني حبيبي بصورة نهائيّة، أقفلتُ الباب والنوافذ على نفسي وبدأتُ بالبكاء والتحسّر على حالتي وحياتي التي جعلت مني ما أنا عليه. ولكن قبل هبوط الليل، سمعتُ باب الشقّة يُفتح ورأيتُ وليد واقفاً أمام السرير الذي كنتُ قد إلتجأتُ إليه لأبكي. إندهشتُ كثيراً لرؤيته، لأنه كان من الفروض به أن يكون في زفافه وسألته لماذا عاد فأجاب:

- لأنني لم أستطع الزواج منها... أعلم أنني سأكون تعيساً من دونكِ بقربي طوال الوقت ولن أستطيع تمثيل دور الزوج المحبّ... لهذا عدتُ... لأكون معكِ هنا في هذه الشقّة الصغيرة التي تشعرني بالسعادة أكثر من قصور العالم... وبما أنني لن أقدر أن أتزوّج سواكِ، أرى أنّه من الأفضل أن أتزوّجكِ أنتِ... ما رأيكِ؟

كاد أن يغمى عليّ، فلم أتوقّع أبداً أن يعرض عليّ وليد الزواج، فكل شيء كان يقف بيننا وبعد لحظات طويلة إستطعتُ أن أقول:

- هل أنتَ متأكّد؟ أهذا فعلاً ما تريده؟ ألن تندم يوماً عندما يسخرون منكَ لأنّ زوجتكَ كانت راقصة في ملهى ليلي؟

- سأقول لهم أنّكِ راقصة بارعة! لا... لا تخافي من كل هذا... فأنا أعلم ماذا أريد وأنا متأكّد من حبّي لكِ.

تعانقنا مطوّلاً وذهبنا نتزوّج في اليوم التالي. وإنتقلتُ إلى منزله الجميل وبدأت حياتنا الزوجيّة. ولكن لم تدم هذه السعادة، بل كانت أقصر ممّا تصورّتُ، لأنّ وليد لم يكن قادراً على الإكتفاء بإمرأة واحدة، خاصة بعدما لم أعد عشيقته وأصبحتُ زوجته، فراح يبحث عن عشيقة تأخذ مكاني. كان يعلم أنّه يؤذيني هكذا ولكنّه لم يكن قادراً على لعب دور الزوج المثاليّ، لأنّ هذا كان مخالفاً لطبعه. وسرعان ما تدهوّرت علاقتنا لأنني لم أقدر أن أسكت على غياباته وإنشغاله عنّي، خاصة أنّه لم يحاول إخفاء وجود إمرأة أخرى في حياته. وبدأنا نتشاجر، نصرخ على بعضنا ونهدّد حتى أن قررتُ أنّ من الأفضل أن أتركه وأعود إلى حياتي السابقة، فكنتُ أسعد آنذاك. حاول إقناعي بالعدول عن قراري ولكنني قلتُ له:

- أفضّل الرحيل الآن قبل أن يأتي يوم ونكره بعضنا فيه... لا أتحمّل هذه الفكرة... أريد أن أحتفظ بالذكريات الجميلة التي عشناها سويّاً.

ورحلتُ وبعد فترة قصيرة جاء إليّ وليد وعرض عليّ أن نعود عشّاق كالسابق وقبلتُ معه لأنني بهذه الطريقة سأحتفظ بحبّه وحتى لو لم أكن زوجته، كنتُ سأكون الملكة المترّبعة على عرش قلبه. وتزوّج من فتاة لطيفة وأعطاها أولاداً وعاشت معه سنيناً هادئة، بينما كان هو يقضي أجمل لحظاته معي. وكان قد عمل اللازم لكي لا أحتاج إلى شيء وأن أترك عملي إذا أردتُ ذلك ولكنني بقيتُ أرقص لسنين عديدة. وبعد مرور حوالي العشرين سنة، توفيَ وليد بنوبة قلبيّة. لبستُ الأسود حداداً عليه لسنتين، لأنّه كان حبّي الوحيد وزوجي الحقيقي، فالزواج ليس حبراً على ورق ولكن حب ومعاملة ووفاء. فالحقيقة ،كانت أنّ وليد لم يخنّي يوماً منذ ما تطلّقنا، فزواجه لم يكن يعني له شيئاً. اليوم أصبحتُ أدير مطعماً وأجني ما يكفيني إلى جانب ما تركه لي حبيب عمري.

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button