عندما علِمت بحقيقة والديّ، كان قد فات الأوان

كان مِن المفروض أن أفرحَ عندما صارحَني جاري أدهم بِحبّه لي، ولكن بدلاً مِن ذلك، إنتابّني الهمّ، لأنّ ما بين أهلنا عداءً قديماً. قد تبدو قصّتي كلاسيكيّة، لأنّ التاريخ والأدب مليء بِقصص شبيهة ولكن وضعنا كان مختلفاً، لِذا شعرتُ بالحاجة لأن يرويها أحداً عنّي. فما كان بالتحديد سبب خلاف العائلتَين وما الذي أدّى إلى أن يمتنع كلّ فريق مِن أن يلقي حتى التحيّة على الآخر؟
حاولتُ مراراً أن أسأل أمّي لماذا أوصَتني الاَ أكلّم جيراننا ولكنّها لم تعطيني تفسيراً وكانت دائماً تكتفي بالقول: "هكذا هو الوضع فلا تجادليني". ولكن بعدما كبرتُ وأصبحتُ في سنّ العشرين وألتقَت عيوني بِعيون أدهم، وقعتُ بِحبّه داركة تمام الإدراك أنّ ذلك الحب لا أمل له، ففضّلتُ الا أفكّر حتى في الأمر. لذا تجنّبتُ الذهاب إلى عمَلي عندما يخرج هو مِن منزله في الصباح والا تصادِف أوقاتنا بعضها أبداً. ولكنّه كان مِن المكتوب أن نحبّ بعضنا، ففي ذات يوم، تعطّلَت سيّارتي في آخر الشارع وإذ بِأدهم يمرّ مِن قربي ويوقف مركبتِه ويخرج منها ويعرض عليّ مساعدتي. وعندما رأى أنّني لم أجِبه، قال لي:

 

- ما بكِ يا سعاد؟ لم نعد أطفالاً... وما بين أهلنا لا يجب أن يؤثّر علينا... تلك هي مشاكلهم وليست مشاكلنا... إلا إذا كنتِ تعتبرين أنّني لا أستحقّ أن تتكلّمي معي...

 

- لا... أبداً... ولكن...

 

- أعلم أنّكِ تنفّذين الأوامر ولكنّكِ الآن بِحاجة إلى مساعدة... إعتبريني شخصاً غريباً لا تعرفينَه... هيّا إصعَدي معي لأقلّكِ إلى عملكِ... وإن كنتِ تكرهينَني، لستِ مُجبرة على التكلّم معي أثناء الرحلة.

 

ضحكتُ عندما قال ذلك وأجبته:

 

- لا أكرهكَ... أبداً.

 

فإبتسمَ لي أدهم وأضافَ:

 

- وأنا لا أكرهكِ... أبداً.

 

وصعدتُ معه وتكلّمنا كثيراً عن أنفسنا لأنّنا لم نستطع فعل ذلك خلال كل تلك السنين وعندما أوصلَني إلى عملي، قال لي قبل أن أغادر:

 

- لقد إستمتعتُ كثيراً بِرفقتكِ... علينا أن نفعل ذلك مجدّداً.

 

وبالرغم أنّ سيّارتي تمّ إصلاحها في اليوم نفسه، بدأتُ أركنُها في آخر الشارع وأنتظر أدهم لِيقلّني إلى العمل. ومع الوقت أصبحنا مقرّبَين جداً وعلِمنا أنّنا خُلِقنا لِبعضنا. وحين قال لي أنّه يحبّني أجبتُه:

 

- وأهلنا؟

 

- إنّها مشكلة كبيرة... ولكن لِكل مشكلة حل... علينا إيجاد طريقة ما لِعيش حبّنا بِسلام وعلناً... ولكن يجب أوّلاً معرفة سبب الخلاف... هناك غموض كبيرأً حول الموضوع...

 

- دع الأمر لي.

 

وقرّرتُ التحرّي عن الأمر وقصدتُ الشخص الأنسب الذي يمكنه مساعدتي، أي أمّ فؤاد ثرثارة الحي. وعندما جلستُ معها أحتسي الشاي، سألتُها:


- قولي لي... لِما كل هذا الجفاف بين أهلي وجيراننا في الطابق الرابع؟

 

- إنّها قصّة طويلة... وقديمة... لا أذكرُهُا تماماً...

 

- ولكنّكِ ما زلتِ شابّة وفي كامل قواكِ... أم أنّكِ بدأتِ تنسين الأمور؟

 

- أبدأً! أتذكّر كلّ التفاصيل وكأنّها حصلّت البارحة!

 

- كنتُ متأكّدة أنّني قصدتُ الإبسانة الأنسب!

 

ثمّ نظرَت إليّ العجوز بِجدّيّة ومسكَت ذراعي وقالَت:

 

- حصلَ ذلك مِن سنين عديدة... كنتِ على ما أظنَ في سنّكِ الرابع... هل أنتِ متأكّدة أنّكِ تريدين معرفة ما حصل؟ هناك أمور مِن الستحسن أن تبقى في طيّ النسيان...

 

- أكملي مِن فضلكِ.

 

- حسناً... في ذلك الوقت، كان أهلكِ يتشاجران كثيراً وكانَت أمّكِ وأمّ أدهم أعزّ الصديقات. وقامَت والدتكِ بإخبار صديقتها بأنّ أبوكِ لم يعد يهتمّ بها أو حتى يلمسها وبأنّها تشكّ بأنّ لديه عشيقة. فوَعدَتها أمّ أدهم أنّها ستحاول معرفة الحقيقة مِن زوجها الذي هو أيضاً صديق أبيكِ... وإنتظرَت أمّكِ جواباً لم يأتِ وعندما سألَت أمّ أدهم عن نتيجة تحريّاتها، أجابَتها هذه الأخيرة أنّها لم تستطع معرفة أي شيء وأنّه مِن المستحسن نسيان الموضوع وأنّ الأمر قد يكون نتيجة إرهاق سيزول قريباً... علِمتُ بكل ذالك مِن دوي الشجارات التي دارَت لاحقاً بينهم جميعا...

 

- وما حصلَ بعد ذلك؟

 

- ظلََّت أمّكِ تحاول إسترجاع حبّ زوجها لها ولكن دون جدوى، فقرّرَت أن تراقبَه وتتبعَه أينما ذهَب... وهكذا رأته بِرفقة أمّ أدهم وهما يقبّلان بعضهما في سيّارته...

 

- ماذا؟ أبي وأمّ أدهم؟

 

- أجل... ولِكثرة غضبِها، قرّرَت أمّكِ أن تنتقم منهما، فأخبرَت أب أدهم بالذي يجري وقرّرا سويّاً أنّ أفضل طريقة لِتلقين درساً للخائنَين هي أن يقيمان علاقةً غراميّة أيضاً...

 

- ماذا؟؟؟ مِن الؤكّد أنّكِ مخطئة! أمّي تفعل ذلك؟ لطالما كانت رمزاً للشرف! لقد ربّاني والديّ على أسس متينة وها أنتِ تخبريني أنّهما عديمّي الأخلاق!

 

- لَم تنتهي القصّة بعد... فبعد فترة، أخبرَت أمّكِ والدكِ أنّها على علم بخيانته وأنّها بدورها تخونه مع الجار وكذلك فعلَ أب أدهم مع زوجته... وبإمكانكِ تصوّر الأجواء التي سادَت بعد ذلك، فَمِن ناحية لَم يستطع أبوكِ محاسبة أمّكِ على فعلتها ومِن ناحية أخرى لم يعد يطيق رؤيتها أو رؤية جاره...

 

- ولِمَ لم يغادر أحدهم المبنى؟

 

- أظنّها مسألة عناد وعنفوان.

 

- أيّ عنفوان هناك في الخيانة والغش؟ أبي خائن وأمّي خائنة والجيران خوَنة... وما العمل الآن؟ أعني...

 

- تعنين ما العمل بشأن حبيبكِ أدهم؟

 

- أنتِ حقّاً تعلمين كل شيء!

 

- أظنّ أنّ الجميع عل علم بِعلاقتكما... ما عدا أهلكما لِكثرة إنشغالهم بِمصيبتهم...

 

وبعد خروجي مِن منزل أمّ فؤاد، إتصلتُ بأدهم وطلبتُ رؤيته على الفور وحين أصبحنا سويّاً أخبرتُه بالذي علِمتُ به. عندها فاجأني بِردّة فعله:

 

- أهلكِ هم السبب! أبوك أغوى أمّي ووالدتكِ أقنعَت والدي على فعل الرذيلة... أي نوع مِن الناس أنتم؟ وأي أبنة لديهم؟ لا بدّ أنَكِ مثلهما معدومة الأخلاق... مِن الجيّد أنّني علِمتُ بكل هذا قبل أن أقرّر الإرتباط بكِ!

 

وبالطبع لم أقبل بكلامه هذا ودافعتُ عن نفسي وعن والديّ وتشاجرنا وغادرتُ وعيوني مليئة بالدموع. وبعد أقل مِن أسبوع، غادرَ جيراننا المبنى وبقيتُ لِوحدي أسأل نفسي إلى متى سأظلّ أدفع ثمن أخطاء أبي وأمّي.

 

حاورتها بولا جهشان  

المزيد
back to top button