عادت زوجتي إليّ بعد أن خانتني

يوم عادَت زوجتي إلى البيت، إمتلكَني شعور بالفرح ممزوج بالقلق والغضب. صحيح أنّني كنتُ أحبُّها، إلا أنّ ما فعلَتْه لَم يكن أبدًا مقبولاً. لكنّها عادَت وركضَ إليها إبننا مُعانقًا وباكيًا. كنتُ قد قلتُ له إنّها مُسافرة وإنّ غيابها قد يطول، فلَم أشأ أن يعرفَ ذلك الولَد البريء أنّها تركَتنا مِن أجل مُغامرة عاطفيّة. لَم أدعُ نجاح للدخول، لكنّ ابننا سحَبَها مِن يدها إلى الصالون حيث جلسَت مُحرَجة. كنتُ قد حضّرتُ خطابًا قاسيًّا في حال حصَلَ والتقَيتُ بها يومًا في مكان ما، لكنّ الكلمات تبخَّرَت مِن رأسي بلحظة وحلَّت مكانها عواطف خلتُها ماتَت. جلسنا جميعًا بصمت وهي تفادَت النظَر إليّ. ثمّ راحَ والدنا إلى غرفته ليعود برسمة ملّونة أعطاها لأمّه. رأيتُ الدموع تنهالُ على خدَّيها، وفهمتُ أنّها نادمة على الذي فعلَته في لحظة طَيش. وبعد أن خلَدَ ابننا إلى النوم، تحدَّثنا مطوّلاً عن الذي جرى وبكينا سويًّا. وفي تلك الليلة، إستعَدتُ وزوجتي ما كنّا قد فقدناه ونسيتُ إمتعاضي كلّه.

مرَّت الأيّام والأشهر، ولَم نُثِر ذلك الموضوع البغيض وتصرّفنا وكأنّ نجاح لَم تخُنّي ولَم تترُكني قط، وأعترفُ أنّني كنتُ سعيدًا. فالحقيقة أنّ حبّنا صارَ أقوى بعد عودتها وكان الأمر وكأنّنا في شهر عسل جديد. حمدتُ ربّي لأنّني لَم أطردها في تلك الليلة، فالحياة مِن دون زوجتي كانت صعبة وبشعة.

لَم أقُل لأحد أنّ نجاح غادَرَت البيت آنذاك بل اختلقتُ الأعذار لها. وحدها أمّي فهِمَت ما جرى حقًّا وساندَتني بالمجيء إلى البيت للاهتمام بي وبإبني. لكنّ صحّة أبي ساءَت فاضطرَّت للعودة إلى منزلها. ولو هي كانت موجودة حين عادَت نجاح، لطردَتها وشتمَتها. لِذلك لَم يرُق لوالدتي أنّ زوجتي عادَت للعَيش معي:

 

ـ تلك المرأة سيّئة وتتلاعَب بكَ.

 

ـ إنّها صادقة في ما يخصّ ندمها على الذي فعلَته يا أمّي... فهي فقدَت صوابها لفترة ثمّ عادَت إلى رشدها. كلّ إنسان يستحقّ فرصة ثانية، أليس ذلك ما لقّنتِه ليّ؟

 

ـ كلّ إنسان ما عداها!

 

ـ تقولين ذلك لأنّكِ لا تُحبّينها منذ البداية.

 

ـ لا أحبُّ الماكرين... رأيتُها على حقيقتها منذ وقعَت عينايَ عليها، إلا أنّني تقبّلتُ زواجكما لكثرة حبّكَ لها. كيف تقبَل بإعادتها يا بني؟ فهي خانتكَ وحطّمَت قلبكَ!

 

ـ صارَت علاقتنا أفضل مِن الأوّل يا أمّي وأنا سعيد هكذا.

 

ـ إحترِس منها أرجوكَ!

 

لَم يبدُ على نجاح أنّها تنوي إعادة خطئها فاطمأنّ بالي مِن جانبها، وأعربتُ لها عن أمنيَتي بأن يكون لنا طفل آخَر كي لا يبقى إبننا وحيدًا. إلا أنّها رفضَت رفضًا قاطعًا بسبب الذي حصَلَ لها خلال حملها الأوّل الذي كان صعبًا للغاية. وأمِلتُ أن تُغيّر رأيها بعد فترة، وترى كَم مِن المُهمّ أن يحظى صغيرنا بأخ أو أخت.

إلى حين وصلَني إتّصال مِن عشيق زوجتي، هو نفسه الذي تركَتني مِن أجله. كنتُ أعرفُه وهو يعرفُني، فكنّا جيران. لكن حين اختفى الرجُل مع زوجتي، أخذَت زوجته أولادهما وانتقلَت للعَيش بعيدًا عن كلام الناس. ماذا حلّ به عندما انفصلَ عن نجاح، لستُ أدري. تفاجأتُ بمُخابرة ذلك الشخص لي، فيا له مِن وقِح! كيف يجرؤ على التكلّم معي بعدما أخَذَ زوجتي منّي؟!؟ لكن قَبل أن أُقفِل الخط بوجهه، هو قال:

 

ـ مهلاً! مهلاً! أرجوكَ إسمعني ثمّ قرِّر ما تُريد فعله.

 

ـ لماذا أسمَع للذي ادّعى صداقتي بينما عاشَرَ زوجتي وأقنعَها بتركي؟ أنتَ غشّاش قذِر ولولا تربيَتي الحسنة لرحتُ إليكَ وحطّمتُ رأسكَ!

 

ـ لستُ فخورًا بالذي فعلتُه بكَ وبزوجتي وأولادي... كانت تلك مرحلة جنونيّة ندمتُ عليها على الفور.

 

ـ على الفور؟!؟ بل لمدى أشهر!

 

ـ كنتُ أُريدُ إنهاء علاقتي بنجاح بعد هروبنا بأيّام قليلة إلا أنّها لَم تقبَل. فالذي كان يُثيرُني هو الاختباء والسرّيّة، وحين صرنا سويًّا، وجدتُ أنّ نجاح إمرأة كسواها وأنّني لا أزالُ أُحبُّ زوجتي.

 

ـ ليس هذا ما أخبرَتني نجاح به، بل العكس. هي التي استوعبَت مدى غلطتها.

 

ـ إن كانت نجاح نادمة لهذه الدرجة، فلماذا إذًا هي تُحاولُ إسترجاعي بشتّى الطرق؟ أرجوكَ أن تُبعدها عنّي، فلَم أُصدِّق أنّ زوجتي قبَلَت بي بعد الذي فعلتُه.

 

ـ زوجتي تُلاحقُكَ؟!؟ دعني أضحك! ولماذا تفعلُ ذلك بينما نمضي سويًّا أجمَل الأيّام؟ إنّكَ لتتصوّر أمورًا أو تكذب عليّ مِن كثرة امتعاضكَ مِن سعادتنا الجديدة.

 

ـ أقسمُ لكَ أنّني أقولُ الحقيقة! إنّها ستُدمِّرُ حياتي مرّة أخرى!

 

أقفلتُ الخط بسرعة قَبل أن أسمَع أكاذيب إضافيّة كنتُ بغنى عنها، فلَم أكن أُريدُ أن يوصلني الشكّ حيال التي أحبُّها إلى حدّ الجنون. لَم أقُل شيئًا لنجاح إلا أنّني كنتُ بالمرصاد لذلك الرجُل، ومُستعدًا لتوقيفه عند حدّه لو هو تمادى معها، وبشتّى الطرق! إلا أنّ الأفكار السوداء إمتلكَتني بعد أن زال حماسي بالانتقام مِن ذلك العشيق. ماذا لو كان يقولُ الحقيقة؟ هل أخطأتُ بإرجاع زوجتي الخائنة وإعطائها فرصة ثانية؟ هل كانت لا تزالُ تُريدُ ذلك الرجُل، وما هو أهمّ هل كانت نجاح ستتركني مرّة أخرى؟ لن أتحمّل الصدمة أو العار لو حصَلَ ذلك مُجدّدًا!

مِن جانبها، بقيَت نجاح تتصرّف بشكل طبيعيّ معي بل كانت زوجة مثاليّة. تمثيل أم حقيقة؟ ولمعرفة الجواب، بدأتُ أُراقبُها بتمعّن لأرى إن كانت تتلّقى رسائل هاتفيّة مشبوهة، فكان لدَيّ كلمة المرور التي هي أعطَتني إياها طوعًا كعربون ثقة. لكن لا شيء مِن تلك الناحية بل أحاديث عاديّة مع صديقاتها. ماذا لو هي سجّلَت رقم عشيقها تحت إسم إمرأة؟ فتحتُ كلّ أحاديثها على حدة، وتأكّدتُ مِن كلّ الأرقام الواحد تلوَ الآخر مِن دون نتيجة. لكن هل هي تمحي اتّصالاتها له بعد القيام بها؟ فهو قال إنّها تُلاحقه. هل مِن المعقول أنّها تذهب إليه مُباشرة لاقناعه؟ إذًا عليّ اللحاق بها، فهي قد تنتظره أمام عمله لتتوسّل إليه لإكمال ما بدآه.

بدأتُ ألحَق نجاح أينما ذهبَت، حتى لو كان ذلك لشراء حاجاتنا مِن السوبر ماركت، وأعترفُ أنّني لَم أوَفّق على الاطلاق. شعرتُ بالذنب حيال زوجتي التي كانت بالفعل تفعلُ جهدها لتُنسيني خيانتها لي وتستحقّ غفراني. ماذا حصَلَ لأُصدّق ذلك العشيق بدلاً مِن زوجتي؟ أدركتُ حينها أنّني كنتُ قد فقدتُ ثقتي بزوجتي، والشيء الذي حملَني على إسترجاعها كان فقط حبّي لها الكبير. يا إلهي... هل كنتُ سأقضي باقي حياتي أشكُّ بنجاح؟ أم أنّ اتّصال ذلك الرجُل هو الذي حرَّكَ فيّ شكّي؟ وماذا عن رفض زوجتي للانجاب؟ قد يُفسَّر ذلك بوجود نيّة بالرحيل مرّة أخرى. أسكُت يا رأسي!

 

لاحظَت نجاح أنّني غير مُرتاح، وسألَتني مئة سؤال لكنّني لَم أٌفصح لها عمّا دارَ ويدورُ في بالي، ففي آخِر المطاف هي لَم ترتكِب أيّ خطأ منذ عودتها. فقدتُ شهيّتي للأكل وقدرتي على النوم إلا أنّني بقيتُ صامتًا. لماذا اتّصَلَ بي ذلك الوغد؟!؟ هل عادَت نجاح إليّ حقًّا لأنّه سئِمَ منها وليس لأنّها أدركَت مدى غلطتها؟ هل هي معي الآن لأنّ عشيقها لَم يعُد يُريدُها؟

قصدتُ أمّي فهي الوحيدة التي كنتُ أثِقُ بها بطريقة عمياء والتي لا يُمكن أن تخونَ ثقتي يومًا، لكنّني لَم أكن أنوي إخبارها شيئًا مُعيّنًا، بل فقط قضاء بعض الوقت معها لأسترجِع هدوئي الفكريّ والنفسيّ إذ قضَيتُ معظم حياتي في جوّ من الطمأنيّنة والحبّ.

إستقبلَتني والدتي بفرَح، وقدّمَت لي كوبًا مِن الشاي وقطعة مِن الحلوى التي وحدها تعرفُ صنعها. لكنّها لاحظَت إرتباكي، فهي تعرفُني عن ظهر قلب، وهي قالَت لي:

 

ـ ما بكَ؟ لستَ على ما يُرام! هل حدَثَ شيئًا مع نجاح؟

 

ـ لا يا أمّي.

 

ـ أنا مُتأكّدة مِن أنّها ستُعاوِد الكرّة... نصحتُكَ بالاحتراس منها. سترى، ستعودُ إلى فِراس في أحد الأيّام.

 

ـ فِراس؟ كيف علِمتِ بإسمه؟

 

ـ أنتَ قلتَ لي إسمه ذات مرّة، أنسيتَ؟

 

ـ لَم يحصُل أن لفظتُ يومًا إسمه أمامكِ، حتى قَبل الحادثة حين كان جاري، فكنتُ أدعوه "الجار" ولاحقًّا "الماكر". كيف علِمت بإسمه؟!؟

 

ـ لستُ أدري... لا أتذكّر... هذا لا يهمّ على كلّ الأحوال، إنّها تفاصيل. المُهمّ أن نتخلّص مِن زوجتكَ قبل أن تؤذيكَ مُجدّدًا.

 

ـ أمّي... كيف علِمتِ بإسمه؟ إن لَم تُجيبي فأقسمُ بالله أنّني سأقطعُ علاقتي بكِ حتى مماتي! أنا أيضًا أعرفُكِ عن ظهر قلب فأنتِ أمّي، ولقد رأيتُ الارباك على وجهكِ حين سألتُ كيف علِمتِ بإسمه. إمّا أن تتكلّمي أو تفقديني إلى الأبد! هل لكِ ضلع باتّصال الرجُل بي؟

 

ـ فعلتُ ذلك لحمايتكَ.

 

ـ تكلّمي!

 

ـ أجرَيتُ بعض التحريّات ووجدتُ عنوان عمَله فقصدتُه. هو كان مُستاءً كثيرًا مِن نجاح لأنّها تركَته وعادَت إليكَ، لأنّه اضطرّ للتوسّل لزوجته لإرجاعه، الأمر الذي أفقدَه مكانته كربّ العائلة بل باتَ مكسورًا. فاتّفقنا أن يتّصل بكَ ويقول لكَ إنّها تُحاوِل إرجاعه بعد أن تركَها. صدّقني يا إبني، تلك الزوجة خائنة وستبقى خائنة إلى الأبد.

 

ـ وأنتِ، ألستِ أيضًا خائنة؟ ماذا تُسمّين ما فعلتِه بي؟ تتّفقين مع عشيق زوجتي السابق ضدّي؟!؟ أليس هناك مِن خير في هذا العالَم؟!؟ هل فكّرتِ بتعاستي لو نجحَت خطّتكِ؟ أم أنّ كلّ ما أرَدتِه هو أن تكوني صائبة بتحذيركِ لي مِن نجاح؟ وماذا عن إبننا؟ هل فكّرتِ به حين يكبُر مِن دون أمّه؟ لقد خيّبتِ ظنّي إلى أقصى درجة!

 

ركضتُ أُعانِقُ نجاح بقوّة وبكيتُ على كتفها، فكنتُ تعبًا للغاية. هي لَم تسألني أيّ سؤال بل واسَتني. بعد فترة حمِلَت زوجتي وحين سألتُها لماذا غيّرَت رأيها قالَت:

 

ـ كنتُ أريدُ التأكّد مِن أنّكَ بالفعل سامحتَني.

 

مضَت السنوات ولا أزال أسعد زوج وأب، ونجاح أعظم زوجة وأمّ! ولَم أندَم على إعطائها فرصة ثانية، فالإنسان ضعيف أمام مُغريات الحياة، وما يهمّ بالفعل هو أن يُدرِك المرء أخطاءه ويعملُ جهده لعدَم تكرارها، فالتداعيات كثيرة ومؤلِمة. بقيتُ على تواصل مع أمّي، إلا أنّني لَم أسمحَ لها على الاطلاق بالتعاطي بزواجي. هكذا أفضل.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button