ضيفة مُزعجة بالفعل!

تفاجأتُ بزوجتي تعودُ ذات يوم مِن عملها برفقة زميلة لها وحقائبها. وشرحَت لي دلال أنّ الزميلة هُدى، ستمكثُ عندنا لفترة قصيرة ريثما تنحلّ مشاكل الميراث التي تواجهُها مع باقي أخوَتها. لَم أقُل شيئًا لكنّني كنتُ أفضّلُ طبعًا أن تستشيرَني دلال، لكن عدتُ واستوعَبتُ أنّ القرار إتُّخِذَ فجأة. أهلاً بالضيفة... شرط ألا يطول بقاؤها عندنا، فكنتُ مِن الذين يُقدِّسون حياتهم الشخصيّة. فليس مِن السهل تقاسم البيت مع غريب أو غريبة لأيّام مُتتالية.

للحقيقة، لَم أنزعِج كثيرًا مِن هُدى ضيفتنا، لأنّها كانت تذهبُ وزوجتي إلى العمَل وتعودُ معها لتُساعدها في تحضير الوجبات وتدريس أولادنا، وتُلاعبُهم إلى حين يذهبون إلى النوم. كان الأمر وكأنّها مُساعِدة أو جليسة أطفال، الأمر الذي أراحَ دلال التي صارَت أكثر لطفًا وفرَحًا، فعبء العمَل خارج وداخل المنزل كان يُثقلُها لِدرجة أنّنا بالكاد كنّا نحظى بوقت حميم سويًّا. لكن بعد قدوم هُدى، لاحظتُ على زوجتي رغبة بي غابَت لسنوات.

كيف أصِفُ لكم ضيفتنا هُدى؟ كانت في نهاية الثلاثينات، قوامها متوسط وكذلك ملامحها وشعرها قصير، أيّ أنّها إمرأة عاديّة للغاية. هي لَم تتزوّج بل سكنَت مع والدَيها إلى أن توفّيا.

خطئي كان أنّني لَم أسأل زوجتي تفاصيل أكثر عن هُدى ولَم أشعُر بالوقت وهو يجري. فهكذا مرَّت الأسابيع... والأشهر وكانت ضيفتنا لا تزال تُقاسُمنا حياتنا. والدتي لَم تُحسِن كَبت استغرابها فقالَت لي ذات يوم:

 

ـ ما بال تلك المرأة؟ وكَم مِن الوقت ستعيشُ معكم؟ الناس بدأَت تتكلّم وتسأل أسئلة ليست بريئة، وأنا أشعرُ بالاحراج.

 

ـ ماما، لقد تغيّرَت الأيّام وباتَ مِن المقبول ما كان محظورًا أو خارج المألوف. هُدى إنسانة هادئة بالكاد نشعرُ بها، وإضافة إلى ذلك، هي سنَد كبير لدلال. وسيأتي يوم قريب وتُغادرنا، لا تخافي.

 

ـ لستُ مُرتاحة لِما يحصل، وأسألُ نفسي كيف لكَ أن تتقبَّل الوضع، خاصّة أنّني أعرفُكَ جيّدًا وأعرِفُ كيف تُصِّر على خصوصيّاتكَ.

 

ـ لا عليكِ يا ماما، فإبنكِ مُسيطرٌ على الوضع.

 

وعندما أتذكّر اليوم تلك الجملة الأخيرة، أضحكُ لقلّة صحّتها، فلَم أكن أبدًا مُسيطرًا على الوضع كما كان سيتّضحُ لي لاحقًا.

فبعد حديثي مع والدتي، سألتُ دلال عن موعد رحيل هُدى وكانت ردّة فعلها حقًّا غريبة:

 

ـ ولِما تسأل؟

 

ـ لِما أسأل؟ لأنّني ربّ البيت ويحقُّ لي أن أعرفَ ما يجري فيه!

 

ـ هذا ليس مِن شأنكَ، فهُدى لا تُزعجُ أحدًا بل العكس. أم أنّ عليّ أن أتعَب وأشقى لتكون أنتَ سعيدًا، يا زوجي المُحِبّ؟

 

ـ أذكّرُكِ أنّني لَم أُجبركِ على العمَل خارج البيت، بل أنتِ أصرَّيتِ على ذلك ووعدتِني بأنّكِ لن تتذمّري مِن كثرة التعَب. وثانيًا، كلّ شيء في زواجنا وبيتنا هو مِن شأني! أُريدُ أن أعلَم متى سترحَل تلك المرأة!

 

ـ هي لن ترحَل بل ستبقى معنا على الدوام.

 

ـ ماذا؟!؟

 

أنهَت زوجتي الحديث بتركي مكاني وخروجها مِن غرفتنا. لَم أفهَم أبدًا سبب موقفها هذا وقلّة احترامها لي الذي لَم يحصُل مِن قَبل. قرَّرتُ إعطاء دلال بعض الوقت لتهدأ وتُراجع كلامها لي، فكنتُ مُتأكّدًا مِن أنّها ستندم وتأتي إليّ للأعتذار. لكنّ ذلك لَم يحصُل وهي لَم ترَ في تصرّفها أيّ شيء خطأ، بل قرَّرَت أن "تُعاقبَني" بعدَم القيام بواجباتها الحميميّة معي. كان الأمر واضحًا للغاية ووجدتُه صبيانيًّا، لِذا لَم أُعلِّق على الأمر كي لا تتفاقَم المشكلة بيننا. في تلك الأثناء، بقيَت هُدى تتصرّفُ بشكل طبيعيّ، لكنّني صمًمتُ أن أتكلّم معها بهدوء. لِذا قلتُ لضيفتنا:

 

ـ هُدى... ألَم تُحَلّ مشكلة ميراثكِ بعد؟

 

ـ بلى ولقد حصلتُ على حقوقي كاملة.

 

ـ إذًا... أعني... أقصدُ، ألَم يحن الوقت لتسكُني لوحدكِ؟

 

ـ أنا سعيدة معكم، فأنتم بمثابة عائلتي الثانية.

 

ـ لكنّني لا أحسبُكِ فردًا مِن عائلتي، أعذريني على كلامي. أنا أفضِّل لو تُغادرينا.

 

ـ هل أنّ دلال موافقة؟

 

ـ أنا لا أحتاج لموافقة زوجتي في ما يخصّ بيتي. أرجوكِ يا هُدى، حان الوقت لتتركينا.

 

ـ سأرحَل إن طلبَت دلال منّي ذلك، وحسب.

 

كنتُ قد أصبحتُ غريبًا وسط بيتي، ولَم أكن أبدًا مُستعدًّا لفقدان مكانَتي حتّى لو عنى ذلك المُشاجرة مع دلال. لِذا دعَيتُ زوجتي وصديقتها لموافاتي في الصالون وقلتُ لهما:

 

ـ سنُنهي هذه المهزلة في الحال! لقد استضفناكِ يا هُدى لفترة مِن الزمَن بسبب مشاكلكِ التي حُلََّت. لهذا البيت حرمته، وعائلتنا مؤلّفة منّي ومِن زوجتي وأولادنا وحسب. ورحيلكِ يا هُدى لا يعني إنهاء صداقتكِ مع دلال بل فقط أن نستعيدَ حياتنا العائليّة. أتمنّى لكِ التوفيق.

 

إلا أنّ زوجتي قالَت لي بنبرة حازِمة:

 

ـ إن رحلَت هُدى فسأرحلُ معها!

 

ـ مع ألف سلامة إن كانت صديقتكِ تعني لكِ أكثر مِن زوجكِ! قولي لي... ما سّر هذا التعلّق؟

 

ـ ماذا تعني؟ ليس هناك مِن سرّ! ما أرمي إليه هو أنّ هذا البيت هو بيتي أيضًا ولا يحقُّ لكَ التفرّد بالقرارات. أنا إمرأة عامِلة و...

 

ـ توقّفي! عمَلكِ هو خياركِ وما تجنين منه تصرفينَه على نفسكِ وليس على البيت أو عليّ! لا تُمنّنيني مِن فضلكِ! أنا ربّ البيت والوحيد الذي يصرفُ عليه!

 

ـ أنتَ طاغٍ ومُستبِدّ! أنا راحلة!

 

ـ لا تنسي إقفال الباب وراءكِ!

 

كان لا بدّ لي أن أتّخذَ موقفًا صارمًا وإلا فقدتُ كياني كلّه. رحلَت زوجتي وصديقتها وأخذَت أولادنا معها. لَم أمنَعها مِن ذلك في حينها كَي لا يُصاب أولادنا بصدمة قويّة وسط الليل، لكنّني كنتُ عازِمًا على نَيل حضانتهم ومُتأكّدًا مِن أنّني مَن سيُربّيهم. لكنّني لَم أتوقّع ما حصَلَ في المحكمة.

فدلال ادّعَت أنّني رجُل عنيف جسديًّا ومعنويًّا معها ومع أولادنا، وشهدَت هُدى تأكيدًا على كلامها. وما هو أصعَب، هو أنّهما أقنعتا صغارنا بأنّني كنتُ بالفعل عنيفًا، فنالَت زوجتي السابقة الحضانة وأنا خسِرتُ كلّ شيء. بعد ذلك، إنتقلَت دلال وهُدى والأولاد للعَيش في شقّة ليست بعيدة عنّي، وأنا بقيتُ وحيدًا أسألُ نفسي عمّا حصَل لعائلتي وكيف أنّ الأمور بلغَت ذلك الحدّ الرهيب. أين أخطأتُ؟ ما الذي فعلتُه أو لَم أفعَله لدلال؟ هل كان يجدرُ بي القبول ببقاء هُدى معنا؟

إختلطَت الأسئلة في رأسي، لِذا رحتُ لأمّي لأفهَم منها أكثر، فهي لطالما كانت إنسانة مُعتدِلة وحكيمة. وهي قالَت لي بعدما قبّلَتني ومرّرَت أصابعها في شعري كما كانت تفعلُ حين كنتُ صغيرًا:

 

ـ أنتَ لَم تُخطئ بشيء يا بنَيّ... لا أقولُ هذا لأنّكَ إبني، إطمئنّ. في رأيي، السبب هو هُدى، التي بوجودها أعطَت دلال شيئًا كان ينقصُها.

 

ـ لَم أُنقِص على دلال أيّ شيء يا أمّي، أقسمُ لكِ.

 

ـ ما تُريدُه زوجتكَ السابقة، أنتَ لا تستطيع تأمينه، صدّقني. رأيي أنّ هناك علاقة عاطفيّة وجسديّة بين المرأتَين.

 

ـ ماذا؟!؟ دلال سحقيّة؟ هذا مُستحيل! لن أُصدِّق ذلك حتى لو رأيتُه بعَينَيّ!

 

ـ كلّ شيء يدلُّ على ذلك. سترى أنّني على حقّ. راقِب وانتظِر... وتصرَّف! فحين تتأكّد مِن نظريّتي، ستتمكّن مِن إستعادة أولادكَ، فلا يجدرُ بهم أن يتربّوا على يَد إمرأتَين تتصرّفان كالثنائيّ.

 

يا إلهي... هل أنّ أمّي على حقّ؟ لا، لا! فلطالما كانت زوجتي تُحبّ الرجال وتقومُ بواجباتها الزوجيّة معي بطيبة خاطِر! إضافة إلى ذلك، لَم أُلاحِظ شيئًا يدورُ بينها وبين هُدى. لكن مِن جهة أخرى، كانت المرأتَين تبقيان مُعظم وقتهما سويًّا في العمَل، ولاحقًا في البيت حتّى أعودَ مساءً.

وأوّل شيء فعلتُه هو إنتظار إبنتي البكر خلسةً عند مدخل المدرسة، وبعد تقبيلها سألتُها عن حياتها وأخوَتها في البيت الجديد. علِمتُ منها أنّ هُدى وأمّها تنامان في الغرفة نفسها والسرير نفسه مع أنّ هناك مكانًا آخَر للنوم. أعربَت إبنتي عن نيّتها بالرجوع إليّ لأنّها مُشتاقة لي، واعتذرَت منّي بحرارة كَونها أكّدَت في المحكمة قصّة تعنيفي لهم ولأمّهم. وعدتُها بأنّني لن أتركها وأخوَتها حيث هم، خاصّة بعدما قالَت لي إن هُدى تتصرّف وكأنّها ربّ البيت لأنّ دلال أعطَتها هذا الدور بكلّ سرور. لكن كيف أثبتُ أنّ هناك علاقة حميمة بين المرأتَين، مِن دون أن أزجّ أولادي مرّة أخرى في قضايا قانونيّة ومحاكم؟ إستعَنتُ بشرطيّ سابق يعمَل كتحرٍّ خاص، وشرحَتُ له قصّتي. وفي غضون أسبوعَين عادَ يقولُ لي:

 

ـ زوجتُكَ السابقة تشكّلُ وصديقتها بالفعل ثنائيًّا... الجميع في مكان عمَلهما على علم بالأمر وتمّ إنذارهما مِن قِبَل الادارة وتهديدهما بالطرد، لكن بطريقة سرّيّة حفاظًا على سمعة الشركة. إضافة إلى ذلك، هُدى طُرِدَت مِن بيت أهلها بسبب سحاقيّتها ولهذا السبب فقط جلبَتها زوجتكَ السابقة إلى منزلكما وليس لمسألة ميراث. لقد التقطُُّ لهما بضع الصوَر وهما تسيران يدًا بِيَد في الطريق لكن ليس أكثر، ولن يُعتبَر ذلك دليلاً، فهما حذرتان إلى أقصى درجة. أظنُّ أنّ شهادة زملائهما ومديرهما قد تكون كافية، كونهما تعيشان سويًّا بعد أن تركَت دلال البيت مِن أجل هُدى. نصيحتي ألا تترك أبدًا أولادكَ يعيشون في هكذا ظروف وأن تسرِع في إرجاعهم.

 

لكن بدَلاً مِن رفع دعوى على دلال، قرّرتُ التفاوض معها أوّلاً. فقصدتُها في مكان عمَلها، ودخلتُ مكتبها مُفرِغًا لها كلّ ما اكتشفتُه عنها وصاحبتها ومُهدِّدًا بالتكلّم مع مُديرها، الأمر الذي سيُسبّب لهما بالطرد وتشويه سُمعتهما بين الجميع. لَم يهمُّني أن تُفضّل إمرأة عليّ، فحبّي لها إنتهى ، لكن كان عليّ إسترجاع أولادي منها. لَم تُناقشني دلال، ربّما لأنّها استوعبَت أنّ أمرها فُضِحَ، فقبِلَت بالتنازل عن الحضانة. لكنّني أردتُ الحصول على جواب لسؤال حيّرَني:

 

ـ منذ متى تَهوين النساء، يا دلال؟ فلَم أُلاحِظ شيئًا مِن ذلك يومًا.

 

ـ منذ ما تعرَّفتُ على هُدى... لدَيها شخصيّة ساحِرة جذبَتني كالمغنطيس... حتّى ذلك الحين كنتُ أحبّ الرجال، وكنتُ أحبُّكَ. لستُ نادِمة سوى على أولادي، فأنتَ لَم تعُد تعني لي شيء على الاطلاق، بل أسألُ نفسي كيف أضَعتُ عمري معكَ.

 

ـ لكنّكِ رغبتِ بي كثيرًا بعد قدوم هُدى إلى بيتنا!

 

ـ بل أوحَيتُ لكَ أنّني أُريدُكَ كي لا تشكّ بشيء.

 

عادَ أولادي إليّ، إلا أنّني لَم أُطلِعهم على سبب رحيل أمّهم الحقيقيّ. سافرَت دلال وهُدى بعيدًا، لكن بعد أقلّ مِن سنة عادَت زوجتي السابقة إلى البلَد لوحدها، وسمِعتُ أنّها نادِمة وتُريد العودة إلينا. هل أُرجِعها أم لا؟ هل أعتبِرُ ما فعلَته نزوة عابِرة وحسب؟

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button