ضاعَ  زوجي منّي بِسبب صديقه

من الجميل أن يكون المرء شاكراً لِِمن ساعده في وقت الحاجة ولكن هذا المعروف لا يجب أن يتحوّل إلى واجب. هذا ما حصل مع زوجي نادر. فعندما كان شاباً، وقع بين أيدي لصوص حاولوا سرقته وقتله عندما كان يمشي ليلاً في شوارع المدينة. ولولا تدخّل مروان شاب آخر كان ماراً من هناك، لكان زوجي في عداد الأموات. وبفضل شجاعة مروان، فرّ اللصوص مع المال، تاريكين ضحيّتهم. ومنذ ذلك الحين ولِدَت بين الرجلين صداقة عميقة لا يقوى عليها شيء. وكنتُ قبل زواجي قد سمعتُ هذه القصّة مراراً ولم أتعرّف إلى البطل إلّا بعد سنتين، حين قرع بابنا في ذات ليلة. وعندما فتح له نادر صرخ:

- هذا أنتَ! تعال أدخل! كم إشتقتُ لكَ!

وركضتُ لأرى ذلك الرجل الذي سمعتُ عنه وتقتُ إلى التعرّف إليه. كان وسيماً وظريفاً، يروي القصص بحماس وسررتُ لمجيئه. عرضنا عليه أن يبقى عندنا بضعة ايّام قبل أن يعود إلى بلجيكا حيث يسكن منذ سنين وقبِلَ دعوتنا. وفي تلك الأيّام، نام نادر والبسمة على وجهه. ولكن وجود مروان كان سيطول، فإذ به يخبرنا أنّ عليه إنهاء بعض الأعمال الطارئة هنا وبأنّه سينتقل إلى الفندق. ولكنّ زوجي مانع بشدّة وأجبره على البقاء معنا. لم أفرح كثيراً لهذا الخبر، لأنّني كنتُ أحبّ الحفاظ على خصوصيّاتنا، فوجود شخص غريب في المنزل بإستمرار كان متعباً، خاصة أنّه كان عليّ تحضير وجبات طعام متنوّعة والإهتمام بفراشه وغسيله. ولكنّني لم أقل شيئاً، لأنّني كنتُ أدرك مدى تعلّق زوجي بصديقه. وزاد إستيائي عندما بدأا بالخروج سويّاً ليلاً وتركي لوحدي في المنزل، فلم أكن معتادة على ذلك. وسكتتُ مجدداً آملة أن يرحل هذا الضيف بسرعة. مرّت الأيّام وكدتُ أن أنسى أنّنا في يوم من الأيّام كنّا إثنين فقط وبدأتُ ألاحظ بعض التغيّرات في مزاج زوجي لم تنذر بالخير. فإلى جانب السهراته الطويلة التي كانت تزعجني، بدأ مروان بالإنفعال كلّما طلبتُ منه شيئاً حتى لو كان بسيطاً كشراء الحاجات وهو في طريق العودة إلى المنزل أو تصليح الهاتف أو حتى المرور بي لأخذي عند الطبيب. إستغربتُ كثيراً لهذه التصرّفات، فكان نادر إنساناً محبّاً وهادئاً وشعرتُ أنّ إنقلابه هذا له علاقة بصديقه. حاولتُ الإستفسار منه ولكنّه جابهني بلهجة قاسية:

- ما بالكِ تزعجينني هكذا دائماً؟ عليكِ إحترام وقتي وخصوصيّاتي... أنا لم أتزوّج لأصبح عبداً لكِ!

فضّلتُ السكوت لكي لا أفتعل المشاكل وأملتُ أن تكون هذه مرحلة مؤقّتة. همّي الوحيد كان أن يرحل مروان عنّا لأسترجع زوجي الحبيب. وبعد فترة قصيرة جاء زوجي وأخبرني أنّه يفكّر بترك عمله وإنشاء شركة تصدير مع صديقه. تفاجأتُ كثيراً لهذا النبأ، خاصة أنّ نادر كان يحبّ عمله ويتفانى له وخفتُ أن يخسر كل شيء:

- ولكن حبيبي... أنتَ لا تعرف شيئاً عن التجارة...

- قال لي مروان أنّكِ ستحاولين تغيير رأيي وستقلّلين من شأني... كان على حق... أنا أعرف ما أفعله ولن تؤثّري أحد عليّ...

إمتلأت عيوني بالدموع، لأنّني أدركتُ أنّني على وشك أن أخسر زوجي وقررتُ أن أتحدّث مع مروان. وبعد أن إستمع إليّ ضحِكَ وقال:

- هل تظنّين أنّكِ ستقوين عليّ؟ أعرف نادر قبلكِ وهو مدين لي بحياته.

- لا تنسى أنّ هذا بيتي وأنتَ ضيف عندي!

- لا بل هذا بيت زوجكِ وأنا متأكّد أنّه سيفضّلني عليكِ إذا لزم الأمر... يعني هذا أنّكِ أنتِ ضيفتي!

وخرَجَ من المنزل وهو يهزّ برأسه ويتمتم: "كم أنّكِ غبيّة". غضبتُ جدّاً ممّا قاله لي فلم أتوقّع هكذا وقاحة وقلقتُ جداً ممّا يخبّئ هذا الرجل لنا. ومنذ ذلك اليوم بات شغلي الشاغل إيجاد طريقة للتخلّص منه وبأقرب وقت. وفي هذه الأثناء، إستقال نادر من عمله وبدأ يحضّر لتأسيس الشركة الجديدة ولأنّ الأمر يستلزم مالاً وفيراً إستثمر  بها كامل التعويضه. عشنا فترة صعبة مِن دون أيّ مدخول وكلّما كنتُ أشتكي لزوجي من قلّة المال كان يقول: "أهذا كل ما يهمّكِ؟ ألا تستطعين الإنتظار حتى أبدأ بالعمل؟ كان مروان على حق!

سئمتُ من سماع هذه الجملة التي كان يردّدها وبدأتُ أفكّر جديّاً بالرحيل. ولماذا أبقى؟ كنتُ قد أصبحتُ كعاملة منزل أطهو وأنظّف لهما ولم يكن مسموحاً لي أن أُبدي أي رأي أو أن أطالب بشيء حتى لو كان من أبسط الأمور. ووصلَت الحالة إلى ذروتها، حين جاء نادر وطلب منّي إعطاؤه مجوهراتي لكي يبيعها لِزيادة رصيد الشركة:

- سأبتاع لكِ أجمل منها... أنا بحاجة إلى شراء بضاعتي ... البدايات دائماً صعبة...

وعندما رفضتُ إعطاءها له صرخ بي:

- أنا من إشتراها لكِ وهي من حقّي! هيّا!

وأعترف أنّني خفتُ منه، لأنّني رأيتُ الشر في عينيه، ففتحتُ علبة المجوهرات ورميتُ محتواها بوجهه:

- خذها كلّها! لم أعد أريدها على أيّ حال... فالذي أهداني إيّاها مات وأخذ مكانه وحش لا أعرفه!

وتركته يلملم صيغتي عن الأرض. وفي النهار نفسه، أخذتُ أمتعتي وذهبتُ إلى بيت أهلي. لم يتصل بي نادر عندما عاد إلى المنزل ولم يجدني لأنّه إرتاح من التي كانت تقف بوجه نجاحه وبينه وبين صديقه العزيز. بكيتُ كثيراً وحضنني أهلي وأصدقائي وبدأتُ أرى الأمور كما هي، أي أنّ نادر لم يكن يحبّني فعلاً وإلّا لما تأثّر بمروان إلى هذا الحدّ حتى لو كان هذا الأخير قد أنقذ حياته في ما مضى. عملتُ على إيجاد عملاً لكي أطرد من رأسي كل ذكريات حياتي مع زوجي.
وبينما كنتُ قد بدأتُ حياة جديدة بعيدة عنه، حصل لنادر ما كان مقدّراً أن يحصل: فبعد أن تأسسَت شركتهما بقليل، قام مروان بإفراغ حسابهما المشترك وإختفى عن الأنظار. وعندما أدرك زوجي ما حصل، لم يستطع أن يصدّق أنّ الأمر كان كذبة كبيرة خطّط لها صديقه منذ الأوّل. دخل على حياتنا وإستقرّ في بيتنا وأخذ يلوّح لنادر بحياة أفضل مليئة بالتسلية والمغامرات وأقنعه بأنّني أقف في طريق تحقيق أحلامه وأنّه عليه التخلّص مني. وبعد أن أبعدَني وجعل نادر يبيع كل ما عنده، أخذ الغلّة وفرّ بها إلى بلجيكا حيث كان يعيش. حاولَ نادر أن يجد طريقة قانونيّة لإسترجاع ماله ولكنّ حسابهما المصرفي كان يسمح لأحدهما أن يتصرّف بالمال بدون موافقة الآخر. وقصدَ عمله القديم لإسترجاع وظيفته ولكن المكان كان قد شُغِر، فوجدَ نفسه فقيراً وعاطلاً عن العمل. وكالطفل الذي يركض إلى أمّه عندما يقع ويؤذي نفسه، جاء يقرع باب أهلي ليقنعني بالرجوع. شاءت الظروف أن أكون من فتح له الباب وعندما رأيتُه إبتسمتُ وقلت:

- أنتَ هنا هذا يعني أنّ مروان رحل عنك... أين صديقك العظيم؟

وروى لي ما حصل له وطلب منّي العودة إلى المنزل... أجبتُه:

- الآن تريدني أن أرجع إليك؟ بعدما فقدتَ كل شيء؟ بعدما أهنتَني وأفهمتَني أنّني أمرّ بعد صديقك؟ بعدما بعتَ صيغتي لأنّكَ إشتريتها لي؟ كم أنتَ مخطئاً! نسيتَني بلحظة وبعتَني بومضة عين... إذهب من هنا فأنا لا أريدك بعد الآن! إذهب وجِد عملاً وإسترجع ما بعته وإسترجع نفسك أيضاً... وحين تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل مجيء مروان سأفكّر بالعودة. ولكنّني لا أعدك بذلك... قد أجد شخصاً يحبّني ويحترمني أكثر منكَ...

ورحلَ نادر ولم يرجع لأنّه بدأ يتناول الكحول ويحاول حظّه على طاولة الميسر بعدما رهن المنزل. وبالطبع خسر كلّ ما تبقّى لديه. كان منذ البدء إنسان أنانيّ ومتهوّر ومجيء مروان كشف حقيقته.

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button