صديقة أمّ عدوّة؟

كنتُ مِن اللواتي سافَرنَ إلى سويسرا حين احتاجَت البلدان الغربيّة إلى مُمرّضات. لَم أُفكّر كثيرًا قبل قبول العرض، فكنتُ أعيشُ لوحدي بعد موت أبوَيّ وسفَر أختي الوحيدة مع عائلتها إلى الخارج. أمّا بالنسبة لعمَلي في المشفى الذي كنتُ فيه، فالراتب كان بالكاد يكفي لدفع فواتيري بسبب الوضع الاقتصاديّ. فقط ترك رندا صديقتي الوحيدة كان ما يُزعجُني، إلا أنّها شجّعَتني على المضيّ في مشروعي قائلة:

 

- هيّا، إنّها فرصتكِ الذهبيّة. على كلّ الأحوال، سأتزوّج بعد أشهر قليلة وأنتقِل للعَيش في بلدة خطيبي البعيدة، ولن نعود نرى بعضنا كثيرًا ولكن سنبقى على اتّصال فقط عبر الهاتِف أو الانترنِت، الشيء الذي سنفعله في حال سافرتِ.

 

وهي كانت على حقّ، لِذا حزمتُ حقيبتي فور حصولي على أوراقي، وأخذتُ الطائرة إلى إحدى بلدات سويسرا. الحياة هناك كانت مُريحة لكن مُختلِفة تمامًا. فبالرغم مِن معرفتي التامّة للّغة، كان مِن الصعب الاندماج بأهل البلَد أو إيجاد صداقات. لكنّني لَم أذهَب لهذا الغرَض، بل لجَمع بعض المال والعودة إلى موطني كي أقضي فيه سنوات مُريحة. لِذا تجاهلتُ وحدتي وركّزتُ على مهنتي التي لطالما أحبَبتُها. نِلتُ ثناءات عديدة مِن قِبَل الأطبّاء وإدارة المشفى، واكتسَبتُ خبرة إضافيّة، إذ كانت هناك أمور كثيرة لا أعرفُها.

تزوّجَت رندا وبعَث لي صوَر زفافها، وفرِحتُ كثيرًا لها حين أخبرَتني بعد أشهر قليلة أنّها حامِل. وعدتُها بأنّني سأذهب إلى البلَد يوم يولَد جنينها وأقضي معها بضعة أيّام، وهذا ما حصَلَ. وكَم كانت فرحتي كبيرة حين حمِلتُ بين ذراعَيّ ابن صديقتي الوحيدة! فكان الأمر وكأنّني أحمِل ابني. قلتُ لنفسي أنّ يومًا سيأتي، بإذن الله، وأتزوّج بدوري وأنجِب، لكن ليس قَبل أن أُتمِّم ما خطّطتُ له. على كلّ الأحوال، كنتُ لا أزال في الثلاثين مِن عمري، وقادرة على إيجادَ رجُل حياتي لكن شرط أن يكون ابن بلدَي. فالأجانب كانوا مُختلفين جدًّا عنّي مِن حيث حضارتهم وطريقة تفكيرهم. وقبل عودتي إلى سويسرا قالَت لي رندا:

 

ـ حبيبتي... لدَيّ طلب وأرجو ألا تصدّيني.

 

ـ أطلُبي ما تشائين! فأنتِ أغلى إنسانة على قلبي.

 

ـ أعلَمُ ذلك، ولهذا السبب سأطلبُ منكِ أن تسمحي لي ولعائلتي الصغيرة بالعَيش في شقّتكِ. فلقد وجَدَ زوجي عمَلاً أفضل في جوار مسكنكِ. وللصراحة لَم أعُد أطيق الحياة في تلك البلدة، فعائلة زوجي تُحيطُ بي وتتدخّل في حياة الزوجيّة وفي تربية ابني. أعدُكِ بأنّنا سنهتمّ ببيتكِ جيّدًا، وبأنّنا سنخرج منه عندما تنوين العودة إلى بلدنا.

 

ـ بكلّ سرور يا حبيبتي! على كلّ الأحوال، أٌفضِّل أن يكون بيتي مسكونًا، فالبيت المتروك تتدهور حالته بسرعة.

 

ـ سندفَع لكِ إيجارًا.

 

ـ ما هذا الكلام! لن أقبَل أبدًا. قوموا فقط بتصليح ما يتعطّل وهذا يكفيني. كَم سيتمتّع صغيركِ باللعب في الحديقة التي تُحيطُ بشقّتي، فأنا أتصوّره منذ الآن وهو يركض ويلعَب ويضحك!

 

...وانتقلَت رندا وزوجها وابنها إلى شقّة أهلي وكنتُ مسرورة للأمر.

مرَّت السنوات بشكل هادئ، وفي تلك الأثناء كبرَت عائلة رندا بعدما صارَ لها ثلاثة أولاد. لَم أجِد حبّ حياتي مع أنّني جرّبتُ التعارف عبر الانترنت، وتلاقيتُ ببضع رجال بمساعدة مِن معارف لي حين كنتُ أزورُ بلَدي. إلا أنّني أخذتُ ساعات ونوبات إضافيّة، فالبقاء لوحدي في البيت كان ثقيلاً عليّ، خاصّة في فصل الشتاء حين تكون السماء مُلبّدة بالغيوم وماطِرة. تعبتُ كثيرًا لكنّني حصلتُ على شهادات تقدير، الأمر الذي أفرحَني كثيرًا، لأنّني غريبة وأردتُ رفع سُمعة بلَدي الحبيب عاليًا. فكّرتُ بجلب هرّ إلى شقّتي الصغيرة بغرَض الشعور بوجود أحَد معي، إلا أنّني غيّرتُ رأي، فلَن أكون مِن هؤلاء الذين يغرقون في حياة تدورُ حول حيوان، بل بقيتُ آمَل بأن يملأ رجُل فراغي.

وحان الوقت أخيرًا لأعود بشكل نهائيّ لموطني، بعد أن جمعتُ ما يكفي للعَيش بطريقة جيّدة. كنتُ أنوي العمَل بصورة مُتقطّعة مع أفراد مُسنّين أو مريضين، فقط لأنّني لَم أتصوّر نفسي مِن دون عمَل بعد أن اعتَدتُ على وتيرة عمَل كثيفة. لكن كيف لي أن أطرد صديقتي وعائلتها مِن بيتي، فذلك لَم يكن مِن شيَمي على الاطلاق. لِذا حضّرتُها مُسبقًا أنّ عليها الإخلاء عاجلاً أم آجلاً، وأعطَيتُها مُهلة طويلة لذلك، مدّة كافية لتنتقِل بسلاسة إلى مسكن آخَر. ففي آخِر المطاف، هي وزوجها كان قد وفّرا الكثير بعدَم دفع أيّ إيجار لسنوات عديدة. تقبّلَت رندا الأمر، ووعدَتني بأنّها ستكون جاهزة للرحيل يوم أعودُ، فارتاحَ قلبي. وحين وصلتُ البلَد، كانت صديقتي وعائلتها قد رحلوا للعَيش في مكان آخَر.

وجدتُ البيت بحالة جيّدة، على الأقلّ نظرًا لِما توقّعتُه، وقرّرتُ إجراء بعض التصليحات لأُحوّل المكان إلى مسكن لطيف، فالمبنى كان قديمًا وشققه بحاجة إلى ترميم جدّيّ. بقيتُ على تواصل وطيد مع رندا، وزرتُها لأُلاعِبَ أولادها وأجلسُ معها وأقصّ عليها بالتفاصيل حياتي في سويسرا.

أوّل مرّة لاحظتُ شيئًا غريبًا يحصل، لَم أعِر حقًّا أهمّيّة للأمر. فكنتُ قد عدتُ مِن بيت أحَد المرضى الذي أعطَيتُه حقنته وأدويته، فدخَلتُ مسكني لأجِد خزائني مفتوحة. إستغربتُ الأمر لكن ما مِن شيء كان ينقصُ، لِذا اعتقدتُ أنّني فتحتُها بنفسي مِن دون أن أنتبِه. إلا أنّ في الأيّام التي تلَت، وجدتُ أغراضًا لي في غير مكانها. عندها شعرتُ بالريبة وشيئًا مِن الخوف. هل يُعقَل أن أكون شاردة الذهن لهذه الدرجة؟ أو أنّ هناك مَن يدخُل شقّتي؟!؟ لكن مَن ولماذا؟ فالغرَض لَم يكن السرقة، إذ أنّ أيًّا مِن أغراضي لَم يُمَس ومالي كان بأمان في المصرف. عندها تذكّرتُ أنّ رندا لَم تُعِد لي مفاتيح بيتي، بل استعملتُ منذ عودتي مفاتيحي الخاصّة. قرّرتُ تغيير قفل الباب بدلاً مِن سؤالها إن كانت مَن يدخُل سكَني وخلق مُشكلة بيننا، فلَم يكن لدَيّ دليل على ذلك بل فقط شكوك. غيّرتُ القفل وارتاحَ بالي، فلَن يتكرّر الأمر أيًّا كان السبب.

بعد ذلك، بدأَت الأصوات. كانت تحصلُ ليلاً عند ساعات المساء المُتأخِّرة حين يكون الجميع نائمًا. كانت أصوات خفيفة لكن عالية كفاية لأسمعها مِن فراشي. قمتُ بسرعة لأرى مِن أين هي آتية، لكنّني لَم أستطِع تحديد مصدرها. وفي مرّات عديدة، كنتُ أعود إلى سريري خائبة. لكن في إحدى المرّات، بينما كنتُ قد قمتُ مِن النوم للذهاب إلى الحمّام، سمعتُ الصوت. كان آتيًا مِن وراء باب الشقّة وشبيهًا بخرمشة على الخشب. خفتُ كثيرًا، إذ أنّني أدركتُ أنّ هناك مَن يقف وراء الباب وينوي إفزاعي، لكن بأيّ هدَف؟ هل لأفتَحَ الباب وينقضّ عليّ؟!؟ فكّرتُ بطلب الشرطة، لكن لا خطر مِن أن يدخل أحد الشقّة، بسبب القفل القويّ الجديد الذي ركّبتُه. بعد وقت، غرقتُ في النوم، وفي الصباح سألتُ نفسي إن كان ما حصَلَ هو حقيقة أم حُلم، لِذا قرّرتُ أن أبقى صاحية في الليلة التالية. كان عليّ معرفة ما يجري على التمام في حال أردتُ إبلاغ السلطات.

في الليلة التي تلَت، كنتُ جاهزة لمعرفة ما يدورُ في شقّتي. ولهذا الغرَض، حضّرتُ كمّيّة هائلة مِن القهوة شربتُها كلّها. لَم يكن عليّ أن أنام بل أن أبقى صاحية. جهّزتُ أيضًا ما أسمَيتُه "سلاحي"، وهو عبارة عن عصا أمّي المرحومة في حال دخَلَ أحَد مسكني، فكنتُ أعيشُ في الطابق الأرضيّ مِن المبنى. وحتّى لو أنّ ذلك الشخص كان مُسلّحًا أكثر منّي، فكنتُ جاهزة للموت دفاعًا عن نفسي! كنتُ شبه أكيدة مِن أنّ لرندا يدًا بالذي يحصل، أو على الأقل زوجها، فلقد اضطرّا للرحيل لدى عودتي، وترك المكان الذي اعتادا عليه منذ سفَري والذي كبَر فيه أولادهما. أسِفتُ أن تنقلِب ضدّي أعزّ صديقة لي، فخلتُها إنسانة صادقة ووفيّة. ماذا كانت تتوقّع وزوجها؟ أن أخافَ وأرحَل وأترك لهما شقّتي؟ هل نسيا أنّني كنتُ شُجاعة كفاية لخوض مُغامرة العمَل لوحدي في الخارج، والعَيش في مكان شبه معزول؟ لا يا عزيزَيّ، لن يكون تخويفي سهلاً أبدًا... إلا إن كانا ينويان أذيّتي جسديًّا، أو ربّما قتلي! لا، لا... لن تصِل رندا إلى ذلك الحدّ، لكنّ زوجها قد يكون بالفعل معدوم الضمير. للحقيقة لَم أكن أعرِفه جيّدًا، بل رأيتُه بضع مرّات أثناء زياراتي للبلد ولرندا. هل كانت صديقتي سعيدة معه أم أنّه رجُل عنيف ومُستبِدّ؟ أدركتُ أنّني لَم أفتَح مع رندا ذلك الموضوع أبدًا، وهي لَم تُخبرني شيئًا على الاطلاق عن حياتها الزوجيّة. هل كنّا بالفعل صديقَين أم فقط بالاسم؟

جلستُ في ردهة الشقّة، أي أمام الباب والعصا في يَدي، وكنتُ صاحية تمامًا كَي لا يقول أحَد إنّني حلِمتُ بالذي يجري. وبعد ساعتَين تقريبًا، سمعتُ صوتًا، لكن ليس مِن خلف الباب كما حصَلَ سابقًا بل مِن غرفة النوم. ركضتُ بسرعة إلى الغرفة، ولحظة دخولي لمحتُ ظلّ شخص يمرُّ بسرعة أمام الشبّاك! أطلقتُ صرخة بالرغم عنّي وأسرعتُ بالخروج مِن الشقّة. قرعتُ بقوّة باب جيراني، وحين فتحوا لي ارتمَيتُ بين ذراعَي جارتي وأنا أبكي وأرتجِف مِن الخوف. أخبرتُ سكّان البيت أنّ هناك لصًّا في شقّتي، فأخذَ الجار سكّينًا كبيرًا ودخَلَ مسكني. إلا أنّه عادَ بعد قليل ليقول لي إن لا أحد في الشقّة. عندها أخبرتُه وزوجته عمّا يحصلُ لي، وتوافقنا على أنّ هناك مَن يريدُ تخويفي، فلَم يمسّ اللصّ شيئًا في البيت. نصحَتني جارتي بطلَب الشرطة، إلا أنّني رفضتُ أن أفعل. لَم أقُل لهما عن شكوكي في رندا، فهي كانت قد صادقَتهما أثناء عَيشها في شقّتي وخفتُ أن يُنذِراها. في تلك الليلة نمتُ عند جيراني، وفي الصباح الباكر رحتُ أحزمُ حقيبة وقصدتُ فندقًا قريبًا. فلَن تدوسَ قدمايَ شقّتي قبل أن يطمئنّ بالي تمامًا!

إرتاحَ قلبي حين دخلتُ غرفة الفندق، فسأكون هناك مُرتاحة البال، خاصّة أنّ الغرفة في طابق علويّ. أخذتُ حمّامًا ساخنًا ثمّ دخلتُ الفراش، وأمسَكتُ هاتفي لأبعَث لرندا رسالة طويلة أُعبّرُ لها فيها عن نيّتي إخبار الشرطة بما حصل معي. كانت رسالة قاسية جدًّا لكن مُحِقّة. بعد ذلك غرقتُ في النوم.

إستفقتُ على صوت خرمشة على باب الغرفة، تمامًا كما حصَلَ في شقّتي، فقمتُ مِن السرير بسرعة وفتحتُ الباب بقوّة، لكنّني لَم أجِد أحدًا! إرتدَيتُ ملابسي وقصدتُ مكتب استقبال الفندق لأبلّغ عن مُحاولة دخول غرفتي. طلبتُ رؤية تسجيل الكاميرات الموجودة في ممرّات الطوابق، وأمام رفضهم هدّدتُهم بطلب الشرطة، وإحداث مشكلة كبيرة لهم. طلبوا المسؤول عن أمن الفندق الذي أخذَني إلى غرفة المُراقبة وسويًّا شاهدنا الشريط. لكن لَم يأتِ أحد إلى طابقي، ولَم يتوقّف أيّ كان عند بابي! ذُهلتُ أمام ذلك الاكتشاف، وقال لي الرجُل إنّ عليّ أن أريحَ أعصابي، ونظَرَ إليّ وكأنّني مجنونة.

أعصابي... هل يُعقَل أن أكون أُهلوِس؟ هل هذه نتيجة عمَلي في الخارج؟ صحيح أنّني كنتُ مُمرِّضة لكن لا طبيبة أعصاب! خفتُ كثيرًا على صحّتي العقليّة، فأسرعتُ بأخذ موعد مِن طبيب مُختصّ، وأخبرتُه بالتفاصيل بما يجري لي. هو طلَبَ منّي فحوصات عديدة، مِن بينها للأذن والعَينَين، إلا أنّني كنتُ قد خضعتُ لها مِن فترة قصيرة في سويسرا إذ أنّ المشفى يُلزمُنا بفحوصات دوريّة. عندها وصَفَ لي مُهدّئًا وطلَبَ منّي أن أرتاحَ. فتوقّفتُ عن العمَل لدى المرضى واستأجرتُ مسكنًا آخَر، فلَم أجرؤ على العودة إلى شقّتي قَبل أن أتأكّد مِن أنّني بالفعل أهلوِس. في تلك الأثناء، بعثَت لي رندا عددًا لا يُحصى مِن الرسائل تستنكرُ فيها اتّهاماتي، إلا أنّني لَم أجِب عليها، فالشكوك تجاهها بقيَت تُراودُني.

بدأ العلاج يُعطي مفعوله منذ البدء، فاختفَت تدريجيًّا الأصوات، ولمَ أعُد أرى أشخاصًا ليلاً. إتّضَحَ أنّني بالفعل كنتُ مُرهقة لِدرجة لَم أتصوّرها. فتعَبي كان جسديًّا ونفسيًّا، والسنوات التي قضَيتُها في الغربة كانت أقصى مِمّا تصوّرتُ. فلَم أعِ ما قد أصابَني مِن كثرة العمَل ليلاً نهارًا ومِن شعوري بالوحدة. فسألتُ نفسي إن كان الأمر يستحقّ فعلاً ترك بلَدي ومُحيطي وذكرياتي لأجمَع المال. فها أنا أُعاني مِن إرهاق كادَ أن يُفقدني صوابي... وصديقتي الوحيدة!

طلبتُ مِن رندا أن توافيني في مقهى، وهي قبِلَت بعد أن أخذَت مهلة للتفكير. فاتّهامي لها ولزوجها كان صعبًا عليها إذ أنّها شعرَت بالظلم والخذلان منّي. كيف لي أن أشكّ بأنّها قادرة على أذيّتي أو أخذ شقّتي منّي؟ لكنّني شرحتُ لها مُطوّلاً أنّني أُعاني مِن خطب في الأعصاب، وأنّ لا دخل لي بما دارَ في بالي. فالهلوسات كانت بالنسبة لي حقيقيّة جدًّا، ولَم يكن أحد قادرًا على إقناعي بعكس ذلك لو لَم أذهب إلى ذلك الفندق وأشاهِد تسجيلات المُراقبة. عانقَتني صديقتي قائلة

 

- لن أتخلّى عنكِ، أوّلاً لأنّكِ صديقتي العزيزة، وثانيًا لأنّكِ مدَدتِ لي يَد المُساعدة مِن دون تردّد. أفهَم تمامًا أنّ ما حدَثَ لكِ أرغمَكِ على التصرّف معي بهذا الشكل، وأنّكِ غير مسؤولة عمّا دارَ في رأسكِ. سأبقى إلى جانبكِ يا حبيبتي، فأنا صديقتكِ ليس فقط في الأوقات السعيدة بل أيضًا في وقت الصعاب.

 

بكيتُ كثيرًا لكنّ بالي اطمأنّ لأنّني لَم أعُد وحيدة كما في السابق. يا لَيتني لَم أسافِر! تبًّا للمال! فلا شيء يُضاهي الصحّة الجسديّة والتوازن العقليّ، ولا شيء يستحقّ أن نخسَر صداقة متينة.

أنا اليوم مُتعافية تمامًا، بعد أن تابعتُ علاجي وبدأتُ أخفّف المُسكّنات تدريجيًّا. لديّ مرضى قليلون جدًّا، أبقَيتُهم لأنّهم بالفعل بحاجة إليّ ولأنّني أريدُ أن أبقى نشيطة. أقضي مُعظم وقتي مع رندا وعائلتها الذين انتقلوا للعَيش معي في شقّتي بصورة دائمة! فصرنا عائلة واحدة، وأعلَم تمام العلم أنّني أستطيع الاتّكال على صديقتي العزيزة التي كِدتُ أن أخسرها.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button