زوجتي الصبيّة

خطَئي الأكبر كان أنّني تزوّجتُ فتاة تصغرُني بسنوات عديدة. فمُجتمعنا الشرقيّ يُحبّذُ هكذا زيجات، ويُشجِّع الرجُل على إختيار زوجة أصغَر منه، على خلاف المرأة. والمُشكلة تكمنُ في أنّ لا شيء مُشترك بين هذَين الزوجَين لا مِن حيث الأفكار والأحلام ولا مِن حيث الخبرة في الحياة. وعلى مرّ السنوات يحدثُ بينهما شرخ يكبرُ ويكبرُ حتى يقَع الخلاف أو تحلُّ الكآبة. فزوجتي الصبيّة يارا تحمّلَت أعباء الزواج ولاحقًا الحَمل والولادة وتربية إبنتنا الوحيدة رُبى. وأنا لَم أرَ الضرَر الذي يحصلُ فكنتُ مسرورًا "بعروستي الدائمة" كما أسمَيتُها، وفخورًا بأن أكون قد حصلتُ على زوجة مثلها.

كبرَت إبنتنا وصارَت في الثالثة عشرة مِن عمرها حين بدأَت تصرّفات يارا تتغيّر شيئًا فشيئًا، إذ أنّها تحوّلَت مِن أمّ إلى صديقة لرُبى وكأنّها في سنّها تمامًا. في البدء وجدتُ الأمر لطيفًا وربّما مُفيدًا لإبنتي، إذ أنّها لن تُخفي عن والدتها شيئًا، لكنّ الأمور بدأت تُثيرُ التساؤلات لدَيّ. فتبدّلَ لبس يارا ليُصبح مثل لباس المُراهقات، وصارت تقضي وقتًا طويلاً برفقة رُبى وصديقاتها، تذهبُ معهنّ إلى المُجمّع التجاريّ وتشاهدُ معهنّ الأفلام الرومانسيّة والمُضحكة. مِن جهتي، وكعادتي، إهتمَمتُ بعمَلي وتأمين حياة مُريحة لعائلتي الصغيرة.

سرعان ما صارَت زوجتي تقضي لياليها في غرفة رُبى، وأسمعُهما تضحكان حتّى ساعات مُتأخّرة وتتبادلان القصص الطويلة. إنزعجتُ مِن الأمر، فكنتُ أنامُ وحيدًا تقريبًا ولاحقًا وحيدًا تمامًا حين انتقلَت يارا إلى غرفة ابنتنا نهائيًّا بحجّة أنّها لا تُريد إزعاجي بدخول غرفتنا وسط الليل وتُسبّب لي الأرق. عندها أمرتُها بالعودة إلى فراشنا الزوجي، لكنّني لَم أتوقّع أن تصرخَ إبنتي في وجهي طالبةً منّي ترك أمّها وشأنها. كيف تجرؤ رُبى على التكلّم معي هكذا؟!؟ هذه نتيجة الدلَع المُفرط! وهكذا منعتُ إبنتي عن الخروج لأسبوع بكامله، وهي بكَت ليال طويلة بينما نعَتتني زوجتي بالـ "المُتوحّش". إحترتُ في أمري فآخِر ما كنتُ أريدُه هو تدمير العلاقة الموجودة بين أفراد عائلتي، لِذا سحبتُ العقاب وعادَ كلّ شيء كما كان، أيّ أنّ زوجتي بقيَت تعتبرُ نفسها في سنّ إبنتنا.

رحتُ لِمُعالِج نفسيّ أعرفُه وعرضتُ عليه الوضع السائد، وهو أعطاني بعض النصائح إلا أنّه طلَبَ رؤية يارا شخصيًّا وهي رفضَت رفضًا قاطعًا قائلة:

 

- وهل أشكو مِن عقدة نفسيّة إن كنتُ أتسلّى مع وحيدتي وأُصادِقُها؟ أتريدُني أن أكون مثل أمّكَ، إمرأة جافّة وأنانيّة لا تبتسمُ ولا تضحك؟ لا يا أستاذ، فإبنتنا تحتاجُ إلى الحنان والتفاهم.

 

كانت على حقّ في ما يخصّ أمّي، فلقد عانَيتُ طوال حياتي مِن طبعها القاسي لذلك سكتُّ، لكنّني بقيتُ أُراقبُ سَير الأمور عن كثب. للحقيقة، لَم أعُد أشعرُ أنّني مُتزوّج، بل أنّ لدَيّ إبنتَين مُراهقتَين وامتلكَني جفاف عاطفيّ حاولتُ مُقاومته بشكل شبه يوميّ.

ثمّ بدأَت رُبى بمُراسلة الشبّان عبر الانترنت، وعندما اكتشفتُ الأمر وغضبتُ للغاية، أسكتَتني زوجتي قائلة:

 

- أنا موجودة معها حين تُكلّم هؤلاء، إنّها مُجرّد لعبة بريئة وذلك أفضل مِن أنّ تُلاقي شبّانًا شخصيًّا. لا تخَف، أنا أُسيطِر على الوضع كلّيًّا.

 

هدأتُ قليلاً لكنّ إبنتنا كانت لا تزال صغيرة على قصص الحبّ والغرام! وثقِتُ على مضض بزوجتي، فكلّما رفعتُ صوتي قليلاً كانت إبنتي تبكي وتصرخُ وكأنّني أذبحُها! إضافة إلى ذلك، كنتُ قد أصبحتُ العنصر البغيض في العائلة، هو نفسه الذي لا يسمحُ لأحَد بشيء ويقفُ في دَرب سعادة إبنته وزوجته! ركّزتُ على عمَلي وصِرتُ أعمَل حتى آخِر الليل، فلماذا أعودُ إلى البيت ومِن أجل مَن؟

طفَحَ كَيلي يوم رأيتُ ابنتي المُراهقة مُتبرّجة ومُرتدية ملابس فاضحة وتتحضّر للخروج. صرختُ بها أنّ لا قوّة في العالَم ستجعلُني أسمَح لها بالخروج هكذا، إلا أنّ يارا وقفَت في وجهي مرّة جديدة، وأخبرَتني بأنّها خارجة هي أيضًا معها وستُراقبُها جيّدًا. عندها منعتُ الاثنتَين مِن الخروج، فانهال عليّ وابل مِن الصراخ والبكاء والكلمات المُجرِّحة لكنّني بقيتُ صامدًا.

وعندما خلدَت إبنتي أخيرًا للنوم جاءَت يارا إليّ مُعاتِبة:

 

ـ أيّ نوع مِن البشر أنتَ؟!؟ كَم أنّكَ مُتعجرِف وقاسٍ! لا عجَب في ذلك، فأنتَ عجوز ولا تستطيع فهم مُراهقة وحاجاتها. كيف حصَلَ أن تزوّجتُكَ؟ كان أجدرُ بي الارتباط بشاب مِن عمري! رُبى قد تعرّفَت إلى شاب لطيف، فهكذا تجري الأمور في أيّامنا، وبعد أن تكلّما عبر الانترنِت، كنتُ سآخذُها لتراه أخيرًا. ألا تثِقُ بي كفاية؟ هل تُفضّل أن تأخذَ هي بزمام الأمور وتقَع في ورطة؟!؟

 

كلامها أثّرَ بي مِن ناحية ندَمها على الزواج منّي، ومِن ناحية نيّتها في حماية إبنتها. لِذا سمحتُ لهما بالخروج في المرّة القادمة. إضافة إلى ذلك، كنتُ قد سئمتُ مِن الشجار والصراخ طوال الوقت، فاستسلَمتُ مُفضّلاً سكون مكتبي ليلاً بعد رحيل الموظّفين إلى عائلاتهم السعيدة.

لكن ما لَم أكن أعرفُه هو أنّ يارا زوجتي، كانت هي الأخرى قد تعرّفَت على أحَد عبر الانترنِت فيما كانت تبحثُ لابنتها عن رفيق. وذلك الشخص لَم يكن فقط أصغَر منّي سنًّا بل أصغَر منها أيضًا. فهي حسبَت نفسها كما ذكرتُ سابقًا في سنّ إبنتنا، واعتقدَت حقًّا أنّها تعيشُ فترة مُراهقتها. بقيتُ أجهَل الحقيقة بينما ذهبتا مرارًا في مواعيد غراميّة كلّ واحدة مِن جهة، وحفظَتا السرّ جيّدًا عنّي، أنا الطاغي القاسي الذي لا يعرفُ كيف يتمتّع بحياته.

لكنّ خبَر علاقة زوجتي الغراميّة وصَلَ أخيرًا إليَّ، وخلتُ حقًّا أنّ الذين أخبروني بالأمر أساؤوا التفسير، إذ أنّهم قالوا لي إنّ العشيق بالكاد عمره ثمانية عشرة سنة وظننتُ أنّه مَن تواعدُه إبنتي. وكي أسكِتَ الألسُن، قرّرتُ التقصّي وبدأتُ ألحَق بزوجتي وإبنتي كلّما خرجتا سويًّا، مُدّعيًّا العمَل حتى ساعة مُتأخّرة مِن الليل. وما رأيتُه جمَّدَ الدَم في عروقي.

كانت إبنتي تذهبُ مع صديقها إلى السينما، بينما تذهبُ زوجتي إلى منطقة سكنيّة حيث تأخذُ عشيقها الذي ينتظرُها على حافّة الرصيف، ويقصدان سويًّا مكانًا مُظلمًا ويُمارسان ما يُمارسانه في السيّارة.

في المرّة الأولى تركتُهما وشأنهما مِن شدّة خوفي مِن معرفة الحقيقة البشعة ورؤية ما يفعلانَه حقًّا، لكنّني قرّرتُ أنّ عليّ مواجهة الواقِع مِن دون خوف. وهكذا، في المرّة التي تلَت، توجّهتُ بغضب إلى السيّارة المركونة وقرعتُ على شباكها صارخًا بالعشيقَين. وبلحظة فتحَ الشاب بابه وبدأ بالركض بعيدًا مِن دون أن ينظُر وراءه. أمّا يارا، فنظرَت إليّ باشمئزاز صارخة:

 

ـ هل أنتَ ممنون مِن نفسكَ؟ يا للبطَل! عُد إلى البيت!

 

ـ سأعودُ إلى البيت بالفعل، على خلافكِ. ستصلُكِ أوراق الطلاق وأمتعتكِ، أيّتها الفاجرة، وسآخذُ منكِ رُبى فلقد فسَدتِ أخلاقها بما فيه الكفاية.

 

ـ سأُحاربُكَ! لن يُصدّقكَ أحد وسأحملُ ابنتنا على الشهادة ضدّكَ. لن تنتصِر، أيّها العجوز.

 

ـ حقًّا؟ هل أنتِ مُتأكّدة مِن انتصاركِ عليّ؟

 

وأرَيتُها هاتفي الذي كان يُصوّرُ ما حدَث منذ لحظة وصولي إلى السيّارة. تغيّرَت ملامح يارا وبدأَت تشتمُني بقوّة وعنف لا مثيل لهما، ولَم أرَ في حياتي كُره بهذه الكمّيّة. وكما توقّعتُ، لَم تقِف زوجتي في دَرب طلاقنا وفوزي بحضانة رُبى بسبب الشريط المصوّر.

لكنّ إبنتي كرهَتني كثيرًا لإبعادها عن أمّها وإجبارها على العَيش معي. عانَيتُ الكثير معها، لكنّني لَم أتراجَع وأخذتُها إلى المُعالِج النفسيّ الذي جلَسَ معها لساعات طويلة وعلى مدى أشهر، إلى حين استوعبَت أنّها كانت أداة في أيدي أمّها وأنّ المُراهقة لا تحصل بهذه الطريقة.

حاولَت يارا إيجاد رجُل آخَر إلا أنّها بقيَت تنتقّلُ مِن مُغامرة إلى أخرى إلى حين فضّلَت السفَر بعيدًا. عندها فقط إرتاحَ بالي وصرتُ أفكِّر ببناء حياتي مِن جديد. لكنّني في هذه المرة إختَرتُ المرأة المُناسبة والسنّ المُناسِب، مُركّزًا ليس على شبابها أو شكلها بل على أخلاقها وعمقها وحبّها لي. هي عاملَت رُبى جيّدًا وأعطَتها توازنًا سليمًا، الأمر الذي صحَّحَ الاضرار التي وقعَت سابقًا.

اليوم أنا رجُل سعيد للغاية وبالكاد أتذكّر يارا، فهي أصبحَت مِن الماضي. إبنتي دخلَت الجامعة وتخرّجَت وخُطِبَت لشاب مُمتاز، وعادَ كلّ شيء إلى مكانه الصحيح. علِمتُ أنّ يارا تزوّجَت في الخارج مِن شاب يصغرُها، وأنّه يُسيء مُعاملتها جسديًّا ومعنويًّا، لكنّها لا تُريدُ تركه خوفًا مِن الوحدة. هي خسِرَت كلّ شيء في حين كانت تملكُ كلّ شيء، يا للأسف.

أعلَمُ أنّني صرتُ كبيرًا في السنّ، لكن على خلاف يارا، لدَيّ زوجة تُحبُّني وتهتمُّ بي وإبنة حنونة ستُعطيني أحفادًا جميلين. ماذا يلزمُني أكثر مِن ذلك؟

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button