رأيتُ صورة لِخطيبي مع فتيات أخريات

في يوم خطوبتي، شعرتُ وكأن الدنيا لا تسعني، لأنّني كنتُ قد إقتربتُ مِن تتويج حبّي لعبّاس بعد سنين مِن الإنتظار. ولكنّ فرحتي كانت ممزوجة بشيء مِن الحزن، لأنّ خطيبي كان سيسافر إلى أوروبا للعمل هناك وكنتُ سأمضي أشهر طويلة دون أن أراه. وهكذا رحلَ وأخذتُ أنتظر بفارغ الصبر إتّصالاته وأحاديثه عبر الواتساب والسكايب. ومِن ناحيتي كنتُ أذهب إلى عملي كالمعتاد وأمضي نهاري منكبّة على واجباتي لأذهب في المساء إلى البيت حيث أمكث حتى اليوم التالي. لم أكن يوماً فتاة لعوباً أو محتالة، فكل ما أفعله أو أفكّر به كان واضحاً على وجهي وكأنّني كتاباً مفتوحاً للجميع، فعندما بدأ عبّاس يهملني ويخفّف مِن إتصلاته، بدا الزعل بوضوح علي حتى أن جاء خالد مديري وسألَني إن كان كل شيء على ما يرام وبعد أن حاولتُ تفادي الجواب، بدأتُ أبكي وقلتُ له:

 

- خطيبي... ذهبَ إلى الخارج وأشكُّ بأنّه لم يعد يحبّني كالسابق...

 

- لا تقولي هذا.... قد تكونين مخطئة.

 

- لا... فأنا أعرفه جيّداً .... لم يكن يوماً هكذا... كم أنا تعيسة!

 

حاول مديري تهدئتي قدر المستطاع بإعطائي الحجج لعبّاس وبعد حوالي الساعة شعرتُ بتحسّن، فشكرتُه وعدتُ الى عملي. وبقيَت الأمور هكذا حتى أن جاء عبّاس لقضاء فرصة العيد حاملاً معه عرضاً لأبي. جلس الرجلان سويّاً وتكلّما عن إنشاء شركة إستيراد وتصدير بين البلدين، الأمر الذي فرّح قلبي لسببين: الأوّل لأنّ عبّاس كان لا يزال يحبّني وينوي المضي في الزواج منّي والثاني لأنّ أحوالنا الماديّة كانت مترديّة جداً بعد أن أقفلَ المعمل الذي كان يعمل به أبوابه دون أن يحصل على أيّ تعويض أو غطاء صحّي ولم يكن لدينا مدخول سوى الراتب الذي أتقاضاه والذي لم يكن يكفي لعائلة بكاملها.
وبعدما أسّس الشركة مع والدي، ذهب عبّاس إلى الخارج وأكّدَ لي أنّه يحبّني كثيراً ولكنّه جدّ منشغل بتثبيت عمله في بلد غريب وأنّ الأمر ليس بمنتهى السهولة. وودّعنا بعضنا في المطار وعدتُ إلى حياتي اليوميّة المملّة على أمل أن أعيش في يوم من الأيّام مع الرجل الذي أحبّه. وفي هذه الأثناء بدأ العمل بين عبّاس وأبي وأصبحوا بتبادلون السلع الغذائيّة ولاقَ المشروع صدى إيجابيّاً. ولكن كما في المرّة السابقة، أصبحَ خطيبي منشغلاً جداً لدرجة أنّنا لم نعد نتكلّم سوى مرّة واحدة في الأسبوع. حاولَت والدتي أن تخفّف عنّي بعض الشيء ولكنّ اليأس بدأ يملئ قلبي. وكنتُ سأصبر على الوضع لولا الذي حدث بعد فترة قصيرة.
ففي ذات يوم، طلبَ منّي مديري أن أجلب له ملفّاً مِن مكتبه وأوصله إليه في قاعة الإجتماعات وعندما دخلتُ لأبحث عن الملفّ المذكور، رأيتُ على حاسوبه المفتوح صورة عبّاس وهو برفقة مجموعة مِن الشبّان والفتيات أثناء تناولهم الغداء. تفاجأتُ كثيراً أن يكون لِخالد صورة لِخطيبي، فإنتظرتُ حتى أن أنهى إجتماعه حتى سألتُه عن الأمر، فأجاب:

 

- عبّاس هو خطيبكِ؟ هذا غير ممكن!

 

- ولماذا تقول هذا؟

 

- أقصد... إنّه صديقي ولكن...

 

- ما الأمر؟

 

- أعني... لا أعرف كيف أقول لكِ هذا ولكنّه... أرسلَ لي هذه الصورة ليعرّفني على خطيبته في المهجر.

 

عند سماع هذا كاد أن يُغمى عليّ وبحثتُ عن كرسي لأجلس من شدّة الصدمة وبدأتُ بالبكاء وجاء مديري وغمرني بحنان معتذراً عمّا أخبرَني:

 

- لو علمتُ لما قلتُ لكِ هذا... سامحيني...


وبعد أن إنتهيتُ مِن البكاء، طلبتُ منه الإذن لأعود إلى المنزل لأنّني لم أكن قادرة على إنهاء عملي. وذهبتُ إلى البيت ولكنّني لم أخبر أحداً بما علمتُ به ودخلتُ غرفتي وأقفلتُ الباب ورائي وبكيتُ كثيراً. وعندما كلّمني عبّاس عبر الهاتف، أخبرتُه أنّني لم أعد أستطيع إنتظاره أكثر مِن ذلك وأنّ عليه الزواج منّي في أقرب وقت. ولكنّه قال لي أنّه لا يقدر على ذلك في الوقت الحاضر، فأجبتُه أنّ عليه نسياني نهائيّاً وأقفلتُ الخط.
لم أواجهه بأمر خطوبته لأنّني لم أكن أريد توريط مديري بالأمر ولأنّني لم أشأ أن يأخذ عبّاس خطوات إنتقاميّة بإنهاء الشراكة بينه وبين أبي الذي كان فرحاً بأنّه عاد إلى العمل وأنّه يجني المال الوفير. وهكذا فسخنا خطوبتنا وقلبي مليء بالحزن. وتعزيتي الوحيدة كانت معاملة خالد لي. فبعد أن شعرَ أنّه تسبّب بالمشكلة، بات يهتمّ بي بشكل خاص ويأخذني  معه إلى دعوات العشاء وجميع المناسبات الترفيهيّة، متأمّلاً أن تخفّف عنّي الحزن. ونجحَ بذلك وبدأتُ أرى الرجل بصورة مختلفة وأتعلّق به يوماً بعد يوم حتى أن ولِدَ في قلبي شعور قوي تجاهه. ومِن جانبه كان هو أيضاً يحبّني وبشدّة وفي ذات يوم أعربَ لي عن مشاعره وطلبَ منّي أن أربط حياتي بحياته. وقبلتُ بعرضه لأنّه عاملني معاملة جيّدة جداً ووجدتُ فيه الحنان والصدق والتفاني. وعندما أخبرتُ أهلي أنّني أنوي الزواج مِن مديري تفاجأوا كثيراً لأنّهم ظنّوا أنّني لا أزال مخطوبة لعبّاس ولأنّ هذا الأخير لم يخبر أبي أنّنا لم نعد سويّاً. وأخذتُ أروي لهم ما حصل، فغضبَ والدي كثيراً لما فعله عبّاس بي وأراد فسخ الشراكة بينهما ولكنّني رفضتُ رفضاً قاطعاً قائلة:

 

- لا... لا تفعل شيء... لو أراد أن يخبركَ بالأمر لفعل... أظنّ أنّه لم يرد مزج حياته الخاصة بالعمل... وهكذا أفضل... إنّ حياتي الآن هنيئة ولم أعد أحبّه... وكيف أحبّ إنساناً معدوم الأخلاق؟ أدعوا لي بالتوفيق وهذا يكفيني.

 

ولكنّ أبي لم يكن مستعدّاً لوضع الموضوع وراءه، لأنّه شعرَ أنّ عبّاس جرح كرامته وكرامتي، فإتّصل به ليوبّخه على ما فعله بي. وفي ذلك الوقت، كنتُ أستعيد نفسي مع مديري الذي لم يترك سبيلاً لإسعادي وبدأنا نخطّط للزواج. حتى أن عدتُ في ذاك مساء إلى المنزل ورأيتُ خطيبي القديم في إنتظاري. فوجئتُ كثيراً وإعتبرتُها وقاحة مِن قبله، فكيف يجرؤ ويأتي بعد ما فعله بي؟ كان أهلي أيضاً موجودون ويسود صمتاً رهيباً. سألتُه دون أن أنظر إليه:

 

- ماذا تفعل هنا؟ ماذا تريد منّي؟

 

- أريد ان أوضّح لكِ أمراً مهمّاً...

 

- لا داعي لذلك... كل شيء بمنتهى الوضوح...

 

- كلا... أبوكِ أخبرَني أنّكِ تظنّين أنّني خنتُكِ.

 

- أنّني أظنّ؟؟؟ بل أنا متأكّدة مِن ذلك!

 

- أوّلاً أنا لا أعرف مديركِ... لم أره يوماً في حياتي ولا أعرف إسمه حتى. وثانيّاً لم أرسل له أيّة صورة في حياتي... ومع أنّني لا أعرف شيئاً عن تلك الصورة سوى ما أخبرني عنها أبيكِ، أظنّ أنّها إلتُقطَت حين كنتُ مع شلّة مِن زملائي في مطعم وأؤكّد لكِ أنّ الفتيات الموجودات معي هنّ صديقات فقط.

 

- وكيف حصلَ خالد على تلك الصورة؟

 

- لا بدّ أنّ الصديق الذي إلتقطها وضعها على حسابه على الإنترنيت وأنّ مديركِ هو أحد أصدقائه على هذا الحساب.

 

- وكيف علِم أنّكَ خطيبي؟

 

- لا أعلم... عليكِ أن تسأليه أنتِ... ولكنّني لا أفهم كيف إستطعتِ تصديق قصّة كهذه... ألهذه الدرجة تشكّين بوفائي لكِ؟

 

- لأنّكَ أهملتَني... لم تعد تتّصل بي إلّا نادراً... أعلم أنّكَ منهمك بأعمالكَ ولكنّكَ بعيداً عنّي وعليكَ التعويض لي عن هذا البعد قدر المستطاع.

 

- ربما أنتِ على حق... ولكن الآن أمور كثيرة تغيّرت... بعدما فسختِ خطوبتنا تعرّفتُ إلى فتاة ونحن سويّاً الآن... جئتُ فقط لأبرّئ صفحتي عندكِ وعند أباكِ الذي أكنّ له إحتراماً كبيراً.

 

وغادرَ وبقينا جميعاً صامتين بسبب الصدمة التي أصابتنا. كنتُ قد خسرتُ كل شيء: خطيبي الأوّل والثاني. فكيف لي أن أبقى مع إنسان كاذب وماكر، عملَ جهده لأترك الرجل الذي أحبّه وإستغلّ زعلي وضياعي ليصل إلى قلبي؟
وفي اليوم التالي ذهبتُ إلى العمل وقدّمتُ لمديري إستقالتي بعد أن أخبرتُه أنّني إكتشفتُ خطّته وسألتُه كيف إستطاع التمثيل لهذه الدرجة فأجاب:

 

- حصل ذلك بالصدفة وبما أنّني معجب بكِ إستغنمتُ الفرصة. صحيح أنّني كذبتُ عليكِ وأقنعتكِ بأنّ خطيبكِ غشّاش ولكن لو كنتِ تحبّينه فعلاً لكنتِ واجهتيه بما عرفتيه وكان وضّح لكِ كل شيء.

 

وبعد أن أخذتُ أمتعتي مِن المكتب وخرجتُ مِن ما كان مقرّ عملي، مشيتُ قليلاً لأفكّر بما حصل لي. يقع فعلاً جزء مِن السؤوليّة عليّ لأنّني لم أسأل عبّاس عن الصورة وأخذتُ بِكلام رجل غريب عن العلاقة ولكنّ خطيبي كان مِن جانبه قد أهملَني على حساب عمله، ناسياً شعوري بالوحدة والشوق. وإستنتجتُ أنّ علاقتنا لم تكن لِتنجح بسبب إفتقارها للثقة والتواصل ووعدتُ نفسي أن أتعلّم أن أشارك الآخَر بما يدور في رأسي لِتجنّب أي إلتباس.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button