خطّطَ عمّي لِإدخالي عالَم الدعارة

لم تحبّني والدتي لا لأنّني كنتُ شقيّة أو بشعة أو حتى بسيطة عقليّاً، بل فقط لأنّني كنتُ بنتاً فهي لم تكن تريد سوى الصبيان لسبب بقيَ غامضاً. فبعدما ماتَ أبي ووجدَت نفسها وحيدة مع خمسة أولاد، قرّرَت بكل بساطة وضعي أنا وحدي في ميتم.

كنتُ في السادسة مِن عمري وكل ما أتذكرّه مِن تلك الفترة هو أنّني قضيتُ سنين محاطة بأناس إعتبروني رقماً بين الأرقام ولم أشعر بأيّ عاطفة ولو بسيطة مِن جانب القيّمين على المؤسّسة. كان لديّ صديقات ولكن علاقتنا بقيَت سطحيّة وشعرتُ بوحدة عميقة لا يشبعُها شيء. ومرَّت الأيّام تتشابه ولا يحدث شيئاً فيها حتى أن بلغتُ الثامنة عشر. وقبل أن يحين الوقت لأخرج إلى الدنيا بأقل مِن شهر، جاءَ إلى الميتم شخص عرّفَ عن نفسه بأنّه عمّي زياد. ولم أكن أعلم بوجوده لأنّ أبي كان قد توفي مِن زمن بعيد ولم تكن أمّي على علاقة جيّدة مع عائلته. وعرَضَ ذلك الرجل عليّ أن يأخذَني معه إلى اليونان حيث يملك فندقاً صغيراً. قال لي:

 

ـ يوجد عملاً لكِ هناك... ليس لديّ أولاداً وستساعدينني على الإهتمام بالمكان... أنتِ إبنة أخي وسأعتبركِ إبنتي إن كنتِ تريدين ذلك طبعاً.

 

وعندما سمعتُ ذلك طرتُ فرحاً لأنّني لطالما حلمتُ بالخروج مِن حياتي المملّة وها هو يعرض عليّ السفر إلى بلد بعيد حيث تنتظرني الإثارة والمغامرات. وبعد أن جهّزَ لي الأوراق اللازمة تركتُ المؤسّسة وفي قلبي ولأوّل مرّة أمل بالحياة. وهكذا رحلتُ معه دون أن أخبر أحداً خاصة أمّي التي تخلَّت عنّي منذ سنين طويلة. أمّا إخوَتي فلَم يسألوا عنّي وكأنّني لم أُولَد يوماً.

ووصلنا أثينا وإكتشفتُ الفندق الجميل الذي فاق كل توقّعاتي. وأخذَني زياد في زيارة حول المدينة التي أعجَبَتني كثيراً وحضّرتُ نفسي لأقضي أجمل أيّامي هناك. ومِن بعدها شرَحَ لي عمّي ما ينتظره منّي أي أن أعمل وراء مكتب الأستقبال وأن أهتّم بطلبات الزبائن. ولأنّني لم أعمل يوماً في حياتي، قام بتدريبي حتى أن أصبحتُ جاهزة للقيام بمهامي. وتعرّفتُ إلى باقي الموظّفات اللوات كنَّ مِن الجنسيّة اليونانية. وعندما سألتُ زياد لماذا جاءَ إلى الميتم وأخذَني إليه أجابَني:

 

ـ لستُ متزوّجاً وليس لديّ أولاد وكما تريَن أصبحتُ في سنّ يفرض عليّ التفكير بمَن سيأخذ مكاني... بعد فترة طبعاً... وسألتُ عن أولاد أخي وقالوا لي أنّ لديّ الكثير وكلّهم ذكور إلاّ أنتِ... وهذا العمل بحاجة إلى إمرأة لكي تجيد التعامل مع الناس وتتوقّع طلباتهم قبل حدوثها. وسألتُ عن مكان وجودكِ فأرشدوني إلى الميتم وبما أنّكِ أصبحتِ راشدة فلم نكن بحاجة لموافقة أحد للقدوم إلى هنا.

 


وإكتفيتُ بهذا التفسير لأنّني كنتُ فتيّة وقليلة الخبرة في الحياة وفي الناس. وبدأتُ العمل بِحماس ظاهر لكي أثبتَ لعمّي أنّه أجادَ الإختيار وهكذا إستقبلتُ الزبائن وإهتمّيتُ بحجوزاتهم وطلباتهم وكان الجميع مسروراً منّي حتى أن جاء يوم وقال زياد لي:

 

ـ هناك زبوناً آتِ مِن بلد شقيق... إنّه ثريّ جداً... وأفتخر أنّه إختار فندقي بالذات... أريد منكِ أن تعيريه أهميّة كبيرة.

 

ـ بالطبع سأفعل يا عمّي... ألا أعامل الكلّ جيّداً؟

 

ـ بلى... بلى... ولكن هذا الشخص بالذات متطلّب جداً.

 

وإنتظرتُ مجيء الزبون وعندما وصلَ وجدتُه عاديّاً جداً ما عدا السيّارات الفخمة التي واكبَته. كان مهذّباً وقلتُ له أنّني سأهتمّ به شخصيّاً. عندها أجابَني:

 

ـ وهذا يسرّني... زياد رجل ذات ذوق رفيع... يحسن إختيار موظّفاته.

 

ـ شكراً سيّدي.

 

وبعد أن صعدَ إلى غرفته وإرتاح قليلاً نزلَ إلى مكتب الإستقبال وطلبَ منّي عنوان مطعم أنيق. وحين أعطَيتُه المعلومات اللازمة عرضَ عليّ أن أرافقه ولكنّني رفضتُ لأنّ ذلك لم يكن ضمن مواصفات عملي. عندها غضَب منّي ونادى عمّي وأخبرَه عن الذي يحدث. نظرَ إليّ زياد وقال:

 

ـ إذهبي معه... أنسيتي ما قلتُه لكِ؟

 

ـ ولكن...

 

ـ إذهبي معه... لن يأكلكِ الرجل!

 

وضحكا عالياً وخجلتُ مِن موقفي ورافقتُه إلى المطعم حيث جلسنا نأكل وأستمع إلى أخبار الزبون. وبعد ساعتَين عُدنا إلى الفندق وصعِدَ إلى غرفته بعدما شكرتُه على الدعوة. ولكن بعد أقل مِن خمسة دقائق إتّصلَ بمكتب الإستقبال وقالَ لي:

 

ـ هناك خطباً ما... هيّا! بسرعة!

 

وتركتُ كل شيء وركضتُ أرى ما يحدث وتفاجأتُ كثيراً عندما رأيتُه عارياً تماماً. حاولتُ الخروج بسرعة ولكنّه مسكَني بذراعي وشدّني إلى الداخل قائلاً:" إلى أين؟ لم أدفع كل ذلك المال لتأكلي فقط." نظرتُ إليه بِدهشة فأكملَ:

 

ـ أجل... دفعتُ مقابل جميع الخدمات.

 

ـ مِن المؤكدّ أنّ هناك سوء تفاهم... أنا موظّفة إستقبال فقط! إسأل عمّي!

 

ـ عمّكِ؟ هو عمّكِ؟ ها ها ها! يا للعائلة الجميلة! تريدين أن نسأله عن إتِّفاقنا؟ فلِيَكَن!

 


وحملَ الهاتف وطلبَ زياد وقال له:"هذه الفتاة عنيدة... تكلّم معها وإلاّ أعِد لي مالي." وأعطاني الهاتف وهذا ما قاله عمّي لي:

 

ـ ما بكِ؟ ألم أقل لكِ أن تهتمّي بضيفنا؟

 

ـ أجل ولكنّه عارياً! إريد الخروج مِن هنا!

 

ـ ستبقين مكانكِ وتفعلي ما يُطلبه منكِ.

 

ـ عمّي! يريد ممارسة الجنس معي!

 

ـ إفعَلِ ما يريده... هل إعتقدتِ أنّني جلبتُكِ إلى هنا لِترتاحي وتصرفي مالي هكذا؟ عليكِ العمل! كل الفتيات الأخروات فعلنَ ذلك دون جدَل...

 

ـ لن أفعل شيئاً! أنا لست مومساً! أنا راحلة!

 

ـ وإلى أين ستذهبين؟ جواز سفركِ معي وحتى لو إعطيتكِ إيّاه أين ستعمَلين؟ لا تجيدين اللغة ولستِ فالحة بشيء... ولو عُدتِ إلى البلد... إلى مَن ستعودين؟ إلى أمّكِ وإخوتكِ الذين رموكِ؟ مستقبلكِ هنا معي... ستحصلين على المال والهدايا وتذهبين إلى أماكن جميلة... هيّا... لا تتصرّفي كالطفلة... أنتِ راشدة الآن... هيّا... أقفلي الخط وإهتمّي بضيفكِ وسأراكِ في الصباح لأعطيكِ نصيبكِ.

 

كم كنتُ قليلة الحظ لأولَد في هكذا عائلة. فمِن جهّة والدتي وأخوَتي ومِن جهّة أخرى عمّي ولا أحداً منهم يتحلّى بأدنى كميّة مِن الحنان أو الأخلاق. ورأيتُ أمام عينيّ كيف ستصبح حياتي وكيف سأدمّر نفسي. وأدركتُ أنّني لن أستطيع الإتّكال على أحد وأنّ عليّ الإعتماد فقط على ذاتي لأشقّ طريقي في غابة مليئة بالذئاب الجائعة.

 

عندها أجَبتُ عمّي بنبرة لا تقبل الجدَل:

 

ـ صحيح أنّني صغيرة في السنّ ولكنّني أعلم ما أريد وما لا أريد... لستُ سِلعة تمتلكُها وتتاجر بها كما تشاء.... لستُ مومساً فأنا فتاة شريفة وثِقَت بكَ... سأخرج مِن الغرفة وسأنتظركَ أمام الفندق وستأتي لي بجواز سفري... لديكَ عشرة دقائق فقط وإلاّ سأجعلكَ تندم كثيراً.

 

وأنهيتُ المكالمة وخرجتُ مِن أمام الزبون العاري الذي نظرَ إليّ بدهشة قائلاً:" مَن يراكِ لا يتصوّر أبداً أنّكِ بهذه القوّة."

ونزلتُ أنتظر زياد الذي جاءَ ومعه جواز سفري وقال لي بإزدراء:

 

ـ خُذي... سنرى كيف ستعودين إليّ باكية... وعندها ستفعلين ما أريده منكِ... هيّا إرحلي!

 

ـ لن اعود حتى لو متُّ جوعاً... كل شيء أفضل مِن أن أبيع نفسي... تخلّيتم جميعكم عنّي ولكنّني لن أتخلىّ عن ذاتي.

 

وبالمال الذي كنتُ قد جنِيتُه مِن أوّل راتب لي وبِفضل الإكرامّيات إستطعتُ إستئجار غرفة صغيرة ومِن ثمّ بدأتُ أبحث عن عمل. ولكنّ عمّي كان على حق فعدَم معرفتي لللغة كان عائقاَ كبيراً. ولكنّ الله لا يترك الذين يتحلّون بالقيَم والأخلاق وجاء الفرَج مِن جارَتي التي عرّفَتني على عائلة شرقيّة تسكن اليونان وتبحث عن مربّية عربيّة الأصل لأولادها. وهكذا إستطعتُ العيش بِكرامة وسط أناس طيّبين حضَنوني وأشعَروني أنّني واحدة مِنهم. ولقد مضى على قصّتي سنين طويلة وها قد رجعتُ إلى بلدي لأعيش في المنزل الذي إبتعته مِن عرق جبيني. أمّا بالنسبة لِعمّي فبعد أن تركته بسنة واحدة تمّ القبض عليه بِتهمة تسهيل الدعارة وأُقفلَ فندقه وخُتِمَ بالشمع الأحمر بعد مداهمة أجرَتها شرطة الأخلاق.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button