خانَتني زوجتي يوم زفافنا

إرتديتُ بذّتي ونظرتُ إلى نفسي بالمرآة وإبتسمتُ لأنّني كنتُ سأتزوّج في ذلك اليوم مِن رندا، المرأة التي أحببتها لدرجة الجنون. وتخيّلتُها هي الأخرى وهي تتحضّر مثلي وقلبها يدقّ بسرعة شوقاً لي. وعندما وقعَت عينيّ عليها ورأيتُها بفستانها الأبيض، شكرتُ الله على هكذا نعمة. ودخلنا قاعة الإحتفال سويّاً وهنّأنا الجميع وجلسنا على المِنصّة وإفتتحنا الفرح. وتهافت الناس على المأكولات الطيّبة التي حضّرها لهم شيف شهير وعزفَ لنا موسيقار معروف، لأنّني أردتُ أن يكون كل شيء عظيماً وإمتلأت عيون أهلي بالدموع لهكذا عرس. وبينما كنتُ أظنّ أنّ كل حياتي ستكون كاملة كذلك اليوم، جاء رجل نحوي وطلبَ أن يكلّمني على حدى. إستغربتُ لأنّني لم أكن أعرفه ولأنّ الوقت لم يكن مناسبأً ورغم ذلك إستجبتُ لطلبه وذهبتُ معه إلى صالة مجاورة وهناك قال لي مِن دون مقدّمة:

- تسأل نفسك من أنا... رأيتُ ذلك في عينيك...

- أجل... أعذرني ولكن... هذا عرسي...

- أعلم ذلك... وهذا برأيي أنسب وقت لأقول لكَ ما لا تعلمه.

- شغلتَ بالي... هل مِن خطب ما؟

- لا أدري... أنتَ ستقول لي إن كان هناك مِن خطب أم لا... فهل يجوز أن تأتي العروس بعشيقها إلى زفافها؟

- أيّ عروس تقصد؟ عروسي أنا؟

- أجل...

- وعشيقها؟

- أجل... تعال معي.

وأخذَني إلى باب الصالة وفتحَه قليلاً ودلّني على رجل جالس على إحدى الطاولات، يأكل ويمزح مع زملاء زوجتي. ضحكتُ وقلتُ للرجل:

- هذا مديرها... وليس عشيقها! أعرفه جيّداً... أنتَ مخطئ... لماذا تأتي في يوم كهذا لتختلق الأكاذيب وتفسد علينا فرحتنا؟ لن أتشاجر معك بل سأطلب مِنك وبكل هدوء أن ترحل!

ضحكَ الرجل وقال:

- أتيتُ لكي أنتقم مِن رندا... جاءت إلى الشركة كعاملة بسيطة والآن أصبحَت نائبة المدير... أيّ أنّها أخذَت مكاني... ألم تسأل نفسكَ أبداً كيف وصلَت إلى هذا المنصب مِن دون مؤهّلات؟

- هي ذكيّة ومتفانية لِعملها...

- هاهاها... بل متفانية لمديرها!

عندها مسكتُ الرجل بذراعه وقدتُه خارج صالة الفرح ورميتُه بعيداً:

- لا أريد أن أرى وجهكَ ثانية!

وعدتُ إلى الداخل وأنا أغلي مِن الغضب. فتّشتُ عن عروستي ووجدتُها جالسة على المائدة المخصّصة لشركتها تتكلّم مع مديرها ويضحكان سويّاً. لم يكن هناك شيئاً غريباً بهذا المشهد لولا تلك النظرات التي كانا يتبادلانها ولا أدري كيف، لكنّني علمتُ أنّ ما أخبرني إيّاه الرجل كان صحيحاً. توجّهتُ نحو رندا وطلبتُ مِنها أن ترقص معي وأخذتُها إلى حلبة الرقص وسط تصفيق المدعوّين ونظرتُ إلى عيونها جيّداً وسألتُها:

- وصلَتني أخبار عن... عن علاقتكِ مع مديركِ... هل هذا صحيح؟

- علاقتي معه جيّدة والحمد لله... لماذا تسأل؟

- أقصد أنّ هناك علاقة غراميّة بينكما...

- ماذا؟ هل فقدتَ عقلكَ!!! كيف تقول هذا عنّي في يوم زفافنا؟ ألا تخجل مِن نفسكَ؟ هل بهذه الطريقة تبدأ حياتك معي؟

في تلك اللحظة شعرتُ بالخجل، لأنّ زوجتي كانت حقاً مستاءة ممّا قلتُه لها، فعانقتُها وطلبتُ منها أن تسامحني على مزاحي الثقيل. أنهينا الرقصة وذهبنا نجلس مكاننا. وجاء وقت قطع قالب الحلوى. وأكملنا السهرة على إيقاع الموسيقى الصاخبة وأغاني المدعوّين. ونسيتُ خبر خيانة رندا لي ولِمتُ نفسي لأنّني لم ألقّن هذا الرجل درساً، لأنّه حاولَ أن يخلفني مع امرأة لا تحبّ سواي. وعدتُ نفسي أن أقول لِرندا عن زميلها هذا لِتسوّي أمورها معه، لكي يكفّ عن إطلاق الشائعات المشينة. وقبل أن تنتهي السهرة، جلسنا مع بعض الأقرباء لنتبادل آرائنا حول سير العرس وبينما كنتُ مستعدّ للإنتقال إلى طاولة أخرى، بحثتُ عن زوجتي التي كانت جالسة قربي قبل ثواني فلم أجدها. ذهبتُ لأرى أين هي قبل أن ينتبه أحد إلى غيابها، فخرجتُ مِن القاعة إلى حيث هي الحمّامات وإنتظرتُ خارجها بضعة دقائق ولكنّها لم تخرج. وبينما كنتُ أنوي العودة إلى الداخل سمعتُ حديثاً يجري خلف عامود كبير وتعرّفتُ إلى صوت رندا، فإقتربتُ مِن العامود ورأيتُ زوجتي تقبّل مديرها بحرارة. لن أقدر أبداً أن أوصف شعوري بتلك اللحظة ولكنّني كدتُ أقع أرضاً مِن شدّة الموقف. وعندما أدركَت الخائنة أنّني واقف أمامها، صرخّت وركضّت إلى داخل القاعة. بقيتُ مع العشيق ننظر إلى بعضنا بصمت. وبعد ثواني كسرّ الرجل الصمت وقال لي:

- أنا آسف... أعلم أنّ لا شيء يمكنه تبرير ما رأيتّه خاصةً أنّه زفافكَ ولكن إعلم أنّني حقّاً آسف...

- إرحل مِن هنا!

وخرجَ مِن المبنى بسرعة فائقة، خوفاً مِن أن أقوم بأذيّته. جلستُ على أسفل السلالم وأخذتُ أحلّل ما جرى قبل أن آخذ قراري. وبعد بضعة دقائق دخلتُ القاعة. لم أفتّش عن رندا لأنّني كنتُ أعلم أنّها موجودة هناك ترتجف مِن الخوف وهذه الفكرة أعطَتني القوّة اللّازمة. أخذتُ المذياع مِن المطرب وطلبتُ إنتباه جميع الحاضرين الذين إبتسموا لي ظانّين أنني سأشكرهم على مجيئهم وأنّني سأعبّر لِزوجتي عن حبّي الأبدي ولكنّهم تفاجأوا كثيراً عندما سمعوني أقول:

- سيّداتي... سادتي... عندما بدأَت الحفلة كنتُ مثلكم فرِحاً وسعيداً وكنتُ أظنّ أنّني وجدتُ مَن يقاسمني حياتي ويبني معي عائلة جميلة... مثلكم رقصتُ وأكلتُ وشربتُ... حتى أن رأيتُ زوجتي الحبيبة تقبّل مديرها في زاوية مظلمة خلف عامود...

نظرَ الناس إليّ بدهشة وإبتسم البعض ظانّين أنّها دعابة. ولكنّ جدّية ملامح جهي أسكتتهم. ثمّ تابعتُ:

- وأظنّ أنّني جِدّ محظوظ لأنّني إكتشفتُ حقيقتها في اليوم الأوّل وإلّا كنتُ سأضيّع سنيناً ثمينة مِن حياتي لأصِل إلى النتيجة ذاتها... لا أدري أين تختبىء الآن ولكنّها هنا... قولوا لها أنّني لن أنتقم مِنها أو مِن عشيقها، لأنّني سأترك لكم هذه المهمّة. أطلب مِنكم أن تخبروا أقاربكم وأصدقائكم وجيرانكم بالذي حصل الليلة وأرجو أن لا تنسوا أن تذكروا إسمها وإسم الشركة التي تعمل فيها، لكي تعلم زوجة ذلك المدير بالأمر أيضاً... ومِن البديهي أنّني سأطلّقها غداً وأنسى أمرها... لن يكون ذلك صعباً، فهي ومِن هذه اللحظة لم تعد تعني لي شيئاً... يا رندا... ستعودين الليلة مع أهلكِ إلى منزلهم وأظنّ أنّكِ ستبقين عندهم مدّة طويلة، لأنّ ما مِن أحد سيريد الزواج مِن امرأة خانَت زوجها يوم زفافهما... أيّها الحفل الكريم... لقد إنتهى العرس ويمكنكم الرحيل.

نزلتُ عن المِنصّة وسط سكوت مخيف وخرجتُ لأصعد في سيّارتي وأعود إلى المنزل الذي حضّرتُه لكي يستقبل العروس. عدتُ وحيداً وقلبي حزين. لم أعرف أبداً لماذا فعلَت رندا ذلك. لم أعرف لماذا قبِلَت أن تتزوّجني وهي على علاقة مع آخر. لم أعرف كيف خاطرَت وقبّلَته رغم وجودي. ولكن ما عرفتُه، هو أنّني أستحق أفضل مِن هكذا إنسانة، لأنّني رجلٌ طيّب وأمين وأنّ يوماً سيأتي وأجد المرأة المناسبة وأبني معها مستقبلي. سأجد صعوبة بأن أثِق بأحد مجدداً ولكنّني سأتعافى بعد فترة. الحياة جميلة ومليئة بالفاجئات السارّة وغير السارّة وسأنتظر لأرى ما تخبئه لي هذه المرّة.

حاورته بولا جهشان  

المزيد
back to top button